من بداية خلق الإنسان وهو يسعى إلى التطوير والتغيير للأفضل، فكل فرد يسعى إلى التعلم ليتغير ويحسن من حياته وحياة الآخرين المحيطين به.
لكن كثيراً منا يقع في فخ رفض الواقع الحالي وكرهه، بعد أن تعلمت أشياء جديدة وأريد أن أطبقها، شعرت بذلك الشعور بالصراع بين وضعي الحالي الذي أنا عليه ووضعي الذي أتمنى أن أكون عليه.
فيقوم الشخص بلوم الذات وتأنيبها على تلك المسار فتزداد تعقيداً، فهذا الفخ ياعزيزي القارئ حله هو القبول نعم القبول، عليك أن ترضى وتقبل بما أنت عليه تماماً، وتستمر في التغيير، فكما تعلمت طريقة خطأ في سنوات من العمر ستتعلم الطريقة الصحيحة في بضع سنوات أيضاً. فرفقاً بنفسك واستمر في التغيير مع قبول تام لما أنت عليه.
اعلم عزيزي القارئ أن ذلك القبول ليس بتلك السهولة التي تقرأ بها جملة القبول التام، فهي رحلة مستمرة تحتاج منك الصبر على ذاتك، في أي تغيير جديد في حياتك عليك أن تقبل بوضعك الحالي، فإذا قمت بمقاومة ما تشعر به يزداد حدة وتزداد تركيزاً عليه، فالخطوة الأولى هي قبوله كخطوة أولية لتغيير الوضع.
العلاج بالقبول والالتزام
"ستيفن سي هايز" هو مؤسس الجيل الثالث من العلاجات النفسية، وأيضاً صاحب فكرة العلاج بالقبول والالتزام، فقد رأى أن المقاومة مع العقل غير مجدية، وأن العالم الداخلي للإنسان لا يمكن التحكم به، مما جعله يرى أن "القبول" يقلل من المجهود المهدر في مقاومة الإنسان لعالمه الداخلي.
العلاج بالقبول والالتزام هو شكل من أشكال العلاج النفسي، وهو "العلاج المعرفي السلوكي"، ويُمثل إرشاداً نفسياً قائماً على التجربة، يستخدم استراتيجيات القبول والعقلانية المختلطة باستراتيجيات الالتزام وتغيير السلوك بطرق مختلفة بهدف زيادة المرونة النفسية، فيجعلك أكثر تقبلاً لأفكارك ومشاعرك وكل ما هو خارج عن سيطرتك.
لا یركّز العلاج بالقبول والالتزام على الحدّ من الأعراض أو المشاعر المؤلمة، ولكنّه یعلّم المرضى التعاملَ مع تجاربھم الصعبة بطریقة تتناسب مع قیمھم وأھدافھم في الحیاة.
حيث يؤدي الالتزام دوراً محورياً في العلاج النفسي، فيجعلك تلتزم بمواجهة المشكلة وجهاً لوجه بدلاً من تجنب الضغوط، وذلك بإجراء التغييرات اللازمة في سلوكك، ویتكون العلاج بالتقبل والالتزام من ستة مبادئ أساسية مترابطة توفر إطاراً لتطوير المرونة النفسية وهي:
1– القبول: هو محاولة إفساح المجال للمشاعر والأحاسيس غير السارة بدلاً من محاولة قمعها أو تغييرها، وذلك بتقبلها والتعايش مع وجودها، دون معاناة أو هروب أو منحها اهتماماً زائداً لا داعي له.
2– رؤية الذات من خلال السياق العام: أي النظر إلى المواقف بوصفها مراقباً خارجياً على نحو يستطيعون من خلاله إدراك أفكارهم ومشاعرهم وسيرتهم الذاتية، من هذا المكان يمكننا إدراك أن أفكارنا ومشاعرنا وذكرياتنا ودوافعنا وأحاسيسنا وصورنا جوانب هامشية لأنفسنا، ولكن نظراً لأنها تتغير باستمرار؛ فهي ليست جوهر ما نحن عليه.
3– التحرر التجزئة: يساعد على التعرف إلى الأفكار السلبية والابتعاد عنھا، بدلاً من التصرّف بناءً علیھا، فهو يهدف إلى تغيير كيفية التعامل معها، وذلك بمواجهتها والتعايش معها، مثلاً بدلاً من رؤية قطعة من الكعك كمصدر للسعادة والنشوة أو كمزيد من السعرات الحرارية، تفصل تلك المشاعر عنها وتتعامل مع حقيقتها.
4– التركيز على اللحظة الحالية: هو ممارسة إدراك اللحظة الحالية دون الحكم على التجربة، والسماح لأنفسنا بتجربة المشاعر والأحاسيس التي نشأت.
يتطلب ذلك أن تعيش في الوقت الحاضر، وتركز على ما تفعله، وتضفي الوعي الكامل على التجربة الحالية باهتمام وتقبل بدلاً من الخوض في الماضي أو القلق بشأن المستقبل.
5– القیم: تساعد على إعادة توجیه التركيز على الأشياء التي تھم الشخصَ بشدة.
ختاماً.. إن تجنب المشاعر السلبية يكسبك مكاسب قصيرة المدى على حساب الألم طويل المدى، فعندما تتجنب الاستياء قصير المدى الناتج عن عاطفة سلبية، فأنت تشبه الشخص الذي تحت الضغط يقرر شرب الكحول أو التدخين.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.