كما كان متوقعاً تقهقرت تونس ومصر ولبنان إلى المراتب المتدنية في مؤشر السعادة العالمي، تونس حلت بعد موريتانيا والعراق وفلسطين، وقبل مصر ولبنان وتدحرجت للمرتبة العاشرة على 13 دولة عربية شملها المسح، وكان ترتيبها 110 من 137 دولة على المستوى الدولي يعني خسارة حوالي 30 نقطة في الترتيب العام.
نذكر أنه وبعد أشهر قليلة من الانقلاب خرج الرئيس التونسي "قيس سعيّد"، ليعلن عن نظرية اقتصادية جديدة سماها "السعادة الخام" في مقابل "الدخل الفردي الخام"، وردد مراراً بأن ذلك هو المقياس الحقيقي بعدما تهكم مراراً على وكالات التصنيف الدولية، سواء المالية أو مجالات الشفافية والحوكمة والديمقراطية والعدالة أو حرية الصحافة والإعلام.
كما أعلن "قيس سعيد" في ديسمبر 2021 عن إجراء "تاريخي" كما يحلو له أو يصف إجراءاته بتسمية سفيرة "السعادة " والتي أسندت للاعبة التنس "أنس جابر" بعد أن وصلت للأدوار النهائية في المسابقات الدولية.
الوضع في تونس في غاية السوء وصار الملف التونسي موضوع انشغال ونقاش على المستويين الإقليمي والدولي ولكل المتعاملين مع البلاد، ولم يسبق أن وصلت تونس لهذا الانحدار وسوء السمعة منذ الاستقلال على رأي أحد المؤرخين.
الدين الخارجي صار يتجاوز ميزانية الدولة برمتها، وخدمة الديون الخارجية هي ضعف قيمة القرض الذي تسعى تونس للحصول عليه من صندوق النقد الدولي، واعلان تونس الإفلاس بعدم القدرة على خلاص الديون صار إحدى أولويات الحكومة اليمينية في إيطاليا التي تتخوف من موجات هجرة كبيرة في حالة انهيار الاقتصاد في تونس.
إن قيمة الدين العام في تونس فاقت 100% من الناتج المحلي وإن بين 4 و5 بنوك كبرى تعتبر في حالة إفلاس غير معلن ولم يعد بمقدور الحكومة الاقتراض من البنوك في الداخل، خاصة أن مخزونها من العملة الصعبة تم استنزافه خلال 18 شهراً الماضية، وهو ما جعل وكالة "موديز" للتصنيف الائتماني تصنف أن التعامل الحكومة التونسية بأنه عالي المخاطر.
صار أكبر تحدٍّ للحكومة التونسية هو تأمين جزء من حاجيات الشعب من القمح والسكر والمحروقات والزيوت النباتية والقهوة وغيرها من المستلزمات، بعدما صارت ملزمة بالدفع مسبقاً لفقدان المتعاملين الثقة في الحكومة وفي المسار السياسي الحالي الذي يعتبر غير مستقر وعالي المخاطر.
في يونيو عام 2022 أعلن البنك الأوروبي للتنمية والتعمير أنه مكن تونس من قرض بحوالي 150 مليون يورو مع التأكيد وفي سابقة غير مألوفة في التعامل بأن القرض سيسمح بتمويل الواردات من القمح والشعير، وذكر بأن تونس تؤمن ثلثي محاصيلها سنوياً من خلال الواردات بما يعني أنها تبقى في حاجة دائمة ومستمرة للقروض والهبات لتغطية الحاجيات الضرورية في ظل المنوال الاقتصادي الموجود حالياً.
ذكر البنك الأوروبي للتنمية والتعمير بأنه سيوفر دعماً مالياً مستمراً مقدَّر بـ2 مليون يورو في شكل منح، من أجل المساعدة في تنفيذ إصلاحات مرتبطة بالشركات المملوكة للدولة في مجال الحبوب.
مما اعتبر رداً غير مباشر على تصريحات السيد قيس سعيد التي اعتبر فيها أن فقدان السلع والغلاء ناتج على سلوك المحتكرين والحال أن الدولة هي من يحتكر توريد وتخزين وتسويق أغلب السلع المفقودة والتي تزيد من صعوبة الحياة ومن التذمر العام إضافة لانهيار الجسم القضائي وتبعيته للسلطة التنفيذية، بما يعني عدم الشعور بالأمان والعدالة و بالانتماء للدولة.
ختاماً لم يسبق لتونس أن عرفت انهياراً اقتصادياً وتفككاً اجتماعياً وضياعاً وتيهاناً سياسياً وفساداً موثقاً صوتاً وصورة وعزلة دولية غير مسبوقة، كما يحصل في زمن الصعود الشاهق في التاريخ، كما يسميه قيس سعيد.
كل المؤشرات تدل على أن البلاد في حالة إفلاس اقتصادي وتفكك مجتمعي وانهيار في الخدمات وأصبحت تونس تماماً في ذيل الترتيب العالمي في كل المجالات تقريباً، ومع ذلك ما زال قيس سعيد يحاول السير على خُطى الرئيس المصري الحالي في كل الخطوات، ويسعى لتنفيذ "دليل الانقلاب" برؤى الولي الفقيه في بيئة تونسية لا تقبل التبعية والإهانة.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.