على غير العادة، ولأول مرة في تاريخ لاعبي كرة القدم مزدوجي الجنسية، تطالعنا وسائل إعلام فرنسية بأخبار رفض قميص المنتخب الفرنسي وتفضيل الجزائري من طرف لاعبين مولودين في فرنسا من أبناء المهاجرين المكوّنين في مدارس كروية فرنسية، فضلوا الالتحاق بالمنتخب الجزائري على غرار مدافع نادي نانت الفرنسي "جوان حجام" الذي لعب في كل الأصناف الصغرى للمنتخبات الفرنسية، قبل أن يفاجئ الجميع بإعلانه اختيار اللعب مع المنتخب الجزائري، في سابقة أولى تنذر بنزيف كبير مرتقب من لاعبين جزائريين آخرين يهاجرون نحو الجزائر بعد أن هاجر أجدادهم وآباؤهم إلى فرنسا أثناء فترة الاستعمار وبعد الاستقلال لأسباب تاريخية واجتماعية، ما أثار جدلاً كبيراً في الأوساط السياسية والإعلامية في فرنسا والجزائر على حد سواء.
اللاعب حجام كتب على صفحته في إنستغرام: "لقد اخترت بفخر شديد أن أمثل الجزائر البلد الذي تنحدر أصولي منه". فأحدث زلزالاً في وسائل الإعلام ووسائط التواصل الاجتماعي، لأنه لم يسبق أن حدث بهذا الشكل من الجرأة والتحدي لولد لا يعرف عن الجزائر سوى الاسم وقصص الوالدين، متحدياً الظروف والمحيط الذي يصعب عليه تقبل مبدأ اختيار اللعب للجزائر على حساب فرنسا، التي يحلم باللعب لها كل أبناء المهاجرين الصغار، سواء كانوا عرباً أم أفارقة، لكن حجام صاحب الموهبة الفريدة والقدرات الكبيرة، البالغ من العمر 20 سنة، اختار الجزائر عن قناعة ووعي كبير بما فعله رغم تلقيه دعوتين للالتحاق بمنتخبي أقل من 20 وأقل من 23 سنة، وكان مرشحاً للمشاركة في كأس العالم لأقل من 20 سنة، وبطولة كأس أمم أوروبا أقل من 23 سنة.
يحدث هذا بالموازاة مع إعلان وسط ميدان نادي ليون حسام عوار تغيير جنسيته الرياضية ووضع نفسه تحت تصرف مدرب المنتخب الجزائري، وهو الذي سبق له تقمص ألوان منتخبات فرنسا للشباب والمنتخب الأول بقيادة ديديه ديشان، قبل أن يتم الاستغناء عنه في الفترة الماضية بسبب تراجع مستواه، لكن مع ذلك تعرض لانتقادات كبيرة في الأوساط الكروية والإعلامية الفرنسية التي نقلت عنه أنه ندم عن اللعب مع المنتخب الفرنسي، في حين كان يقصد أنه "تأسف لعدم اختياره اللعب مع الجزائر منذ البداية"، حسب قوله، وبأن "اختياره للجزائر ليس ضد فرنسا لأنه فرنسي أيضاً ولم يتنكر يوماً لأفضال فرنسا عليه"، ومع ذلك لم يسلم من كل أشكال التنمر والانتقاد، ولن يسلم من عواقب قراره في ناديه ليون الذي ينتظر أن يستغني عنه نهاية الموسم.
عوار لم يسلم أيضاً من انتقادات بعض الجزائريين الذين اعتبروا خياره اضطرارياً بعد أن تراجع مردوده واستغنى عنه ديديه ديشان، في وقت يشهد المنتخب الجزائري هجرة جماعية لشباب آخرين من مزدوجي الجنسية على غرار المهاجم بدر الدين بوعناني لاعب نيس أحد أفضل المواهب الصاعدة في فرنسا، وفارس شايبي هداف نادي تولوز، والمدافعين ريان أيت نوري (ولفرهامبتون)، وغيتون (باستيا)، بالإضافة إلى مدافع نانت جوان حجام الذي صنع الحدث بقراره الالتحاق بالجزائر، ما اعتبره البعض نزيفاً في الوسط الكروي الفرنسي، فسّره البعض الآخر بمثابة رد فعل على الحرب المعلنة من طرف مدرب المنتخب الفرنسي ديديه ديشان ضد بنزيمة، ومن ورائه مزدوجو الجنسية الذين يتألقون في البطولة الفرنسية، ويدركون أن التحاقهم بالمنتخب الفرنسي يخضع لاعتبارات لا علاقة لها بالجانب الفني.
الفرنسيون اعتبروا تصرف ديشان الحاقد والعنصري مع بنزيمة على مدى سنوات، أحد الأسباب التي أدت إلى هجرة جماعية للمواهب الجزائرية الأصل نحو المنتخب الجزائري، وصفت بالاستثنائية والمبكرة لمزدوجي الجنسية من لاعبين مروا على كل المنتخبات الشبانية الفرنسية، لكنهم فقدوا الأمل في الالتحاق بالمنتخب الفرنسي في وجود ديديه ديشان حتى 2026، ما اعتبره البعض عائقاً يحول دون الالتحاق بمنتخب الديكة، إضافة إلى تأثرهم بالمحيط الذي صار مشجعاً على اختيار الجزائر، والذي ساهم فيه الأولياء من جيل الاستقلال الذين غرسوا في نفوس أبنائهم حباً للجزائر وتعلقاً بها، يغير الكثير من المعطيات والمفاهيم، ويقلب الموازين التي كانت سائدة حتى الآن في مجال الكرة وكل مجالات الحياة الأخرى.
ما فعله مدافع نانت جوان حجام الذي فضّل الجزائر في عز شبابه وأوج إبداعه وتألقه، وفعله حسام عوار بتغيير جنسيته الرياضية، يشجع على مزيد من النزيف، ويدفع بالاتحاد الفرنسي إلى محاولة تغيير لوائح وقوانين الفيفا، على الأقل تلك التي تسمح لمن شارك مع منتخبات الشبان بتغيير جنسيته الرياضية والالتحاق بمنتخب بلده الأصلي عندما يصل صنف الأكابر، وإلا سيكون النزيف الذي يشجع البقية على تكرار التجربة أكبر، ويمنح المنتخبات الجزائرية خيارات فنية كبيرة تسمح بالارتقاء إلى مستويات أعلى بفضل جيل لا يتنكر لأصوله الجزائرية، ولا لأفضال بلد المولد والمسكن فرنسا.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.