لقد أصدرت المحكمة الجنائية الدولية، مذكرة اعتقال بحق الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين"، بتهم "ارتكاب جرائم حرب في أوكرانيا" تتعلق بالعملية الروسية الخاصّة في أقاليم تعتبرها روسيا تابعة لها، حيث أجرت استفتاءً شعبياً فی إقليم دونباس فكانت نتيجته تأييد الأغلبية للانضمام إلی الاتحاد الروسي، فما هي هذه المحكمة؟.
تأسست سنة 2002 كأول محكمة قادرة على محاكمة الأفراد المتهمين بجرائم الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب وجرائم الاعتداء، تعمل هذه المحكمة على إتمام الأجهزة القضائية الموجودة في بلدانها، فهي لا تستطيع أن تقوم بدورها القضائي ما لم تُبدِ المحاكم الوطنية رغبتها في ذلك، أو كانت غير قادرة على التحقيق أو الادعاء ضد تلك القضايا، فهي بذلك تمثل المآل الأخير.
فالمسؤولية الأولية تتجه إلى الدول نفسها، كما تقتصر قدرة المحكمة على النظر في الجرائم المرتكبة بعد 1 يوليو/تموز 2002، تاريخ إنشائها، عندما دخل قانون روما للمحكمة الجنائية الدولية حيز التنفيذ.
ميثاق روما للمحكمة الجنائية الدولية عادة ما يُشار إليه بميثاق المحكمة الجنائية الدولية أو ميثاق روما، وهي معاهدة تأسست بموجبها المحكمة الجنائية الدولية، اعتمدت في مؤتمرٍ دبلوماسي عُقد في روما في 17 يوليو/تموز 1998 ودخلت حيز التنفيذ في 1 يوليو/تموز 2002. اعتباراً من مارس/آذار 2019، كان هناك 124 دولة عضواً في الميثاق.
محكمة أوروبية سياسية
لم يحدث في تاريخ الأمم أن لاقت أي محكمة من الاستهانة ما لاقته هذه المحكمة، التي تنظر لها الدول الكبری بازدراءٍ واضح، فما إن حاولت فتح ملف جراٸم الحرب التي ارتكبتها الولايات المتحدة الأمريكية، حتی أُصدرت العقوبات الأمريكية ضد أعضاٸها، وأصدر الكونغرس تشريعاً يبيح استخدام القوة العسكرية لإطلاق سراح أي جندي أمريكي تم اعتقاله بواسطة هذه المحكمة.
بعد التشريع الأمريكي صمتت المحكمة الجناٸية صمت القبور، ولم تجرؤ علی فرض سلطاتها إلا علی الدول الإفريقية، حتی تلك الدول التی لم تُجز ميثاق روما، وبالتالي لم تنضم للدول الموقعة علی ميثاق روما.
وقد ارتفع ذكر هذه المحكمة عندما أصدرت مذكرة توقيف بحق الرٸيس السوداني عمر البشير، كأول رٸيس يصدر بحقه أمر توقيف وهو في السلطة فانتفض الشعب السوداني رافضاً هذا التدخل السافر في شٶونه الداخلية، والمساس باستقلاله، وتحدی الرٸيس البشير سلطة المحكمة وسافر داخل وخارج السودان، وهو يردد قولته: "المحكمة الجناٸية تحت جزمتي".
لقد اشتكت المحكمة طويلاً وكثيراً من عجزها عن تنفيذ قرارتها، ولم يُجدها ذلك فتيلاً، وطالت الشكوك مسألة مثول الرٸيس الكيني "أوهورو كينياتا" أمام المحكمة، بأن المسألة كانت مرتبة لإنقاذ ماء وجه المحكمة، بحيث أن تكون براءته مضمونة، وقد كان، فقد أوكل "كينياتا" أمر إدارة الدولة لناٸبه، وسافر لمقر المحكمة طواعيةً، وعاد بعد أيام معدودات مكللاً بالبراءة!
مصير المحكمة الجنائية
مثلما فشلت المحكمة الجناٸية في جلب البشير للمثول أمامها ستفشل أيضاً في جلب بوتين أمامها بلا جدال، فالمحكمة التي غضت الطرف عن جراٸم إسراٸيل التي تنكّل بالشعب الفلسطيني صغاراً وكباراً، رجالاً ونساءً وأطفالاً، قتلاً وترويعاً واعتقالاً بلا محاكمات، وتدميراً وهدماً للمنازل وتجريفاً للأراضي الزراعية، واقتلاعاً لأشجار الزيتون، ونبشاً للمقابر، وإقامة للمستوطنات، ومخالفة كل بند، وأي كلمة، بل وأي حرف من القانون الدولي.
لا تستحيي المحكمة الجناٸية عن الحديث عن إقامة العدل، وعدم الإفلات من العقاب، ولا يحاكيها في الفشل والعجز، وظلم الدول المستضعفة، وممارسة التخبط المعيب، فی إصدار الأحكام الجاٸرة، والأقضية الفاسدة، والأوامر المضحكة إلا حكم قراقوش الساٸدة في السخرية المصرية!
المحكمة الجنائية الدولية والتحيز ضد إفريقيا
تعرضت المحكمة الجنائية الدولية لانتقادات كبيرة في العديد من الأحكام التي أصدرتها خاصة من قبل الاتحاد الإفريقي، لتركيزها على إفريقيا، خلال عمر المحكمة البالغ 11 عاماً؛ حيث كانت غالبية أحكامها موجهة ضد الأفارقة السود.
لكن في نفس الوقت تنفي المحكمة الجنائية الدولية أي تحيز، مشيرة إلى حقيقة أن بعض القضايا؛ مثل جيش الرب للمقاومة في أوغندا، أحالتها الدولة المتضررة وبعضها أحالته الأمم المتحدة.
في تصريحات سابقة لـ "فاتو بنسودة"، رئيسة الادعاء في المحكمة الجنائية الدولية آنذاك، وهي من دولة غامبيا؛ حيث قالت "إن المحكمة الجنائية الدولية تساعد إفريقيا من خلال ملاحقتها للمجرمين"، وأضافت: "إن المحكمة الجنائية الدولية تعمل مع إفريقيا وتعمل من أجل الضحايا الأفارقة، لذلك لا أعتقد أن الاتحاد الإفريقي يجب أن يعارض ذلك".
لكن يبدو أن عجاٸب المحكمة الجنائية الدولية ستنقضي بحلها بعدما جف مداد أقلام مدعيها؛ مثل "أوكاميو" و"فاتو بنسودا" المدعين العامين السابقين للمحكمة الجنائية الدولية، وغيرهما، وستذهب المحكمة الجناٸية إلى النهاية الحتمية بحلها أو وجودها كرمز لحالة الاستعلاء الغربية التي في الغالب تخضع لسياساتهم، وهذا ما يوضح الازدواجية التي تتمثل في العديد من أحكامها المسيسة؛ لذلك وجب البحث عن بديل للمحكمة الجنائية الدولية بمؤسسة حيادية.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.