يبدو أن التنافس طويل الأمد بين الرياض وطهران يقترب من نهايته، مع التطورات الدبلوماسية الأخيرة التي دفعتها القيادة الصينية الاستباقية في الشرق الأوسط. في عام 2016، علقت الدولتان علاقاتهما في أعقاب هجوم على سفارة الرياض في طهران، ومع ذلك، من خلال الجهود الصينية، دخلت المملكة العربية السعودية وإيران بنجاح في مفاوضات؛ مما أدى إلى إنهاء عدائهما.
ما سبق تطور مهم لا يعزِّز السلام في المنطقة فحسب، بل يخدم أيضاً مصالح بكين، حيث تنعكس مشاركة الصين المتزايدة في الشرق الأوسط في نجاحها في جلب هذين الخصمين الشرق أوسطيين إلى طاولة المفاوضات.
تُظهر مفاوضات بكين الأخيرة مع المملكة العربية السعودية لعضوية بريكس نفوذها المتزايد في المنطقة.
فكيف يمكن لهذا التطبيع في العلاقات بين السعودية وإيران أن يغير السياسة الإقليمية؟ وما مدى التأثير الذي يمكن أن تمارسه الصين في الشرق الأوسط، وما هو تأثير ذلك على واشنطن وحلفائها في المنطقة؟، وهل ستجعل مشاركة الصين بالمجموعة الرباعية الشرق أوسطية ضعيفة والتي تتكون من "الولايات المتحدة وروسيا والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة"، وكيف يمكن أن تؤثر على النظام العالمي الذي تقوده واشنطن؟ هذه أسئلة مهمة تتطلب مزيداً من التحليل.
تمثل المصالحة الأخيرة بين قوتين في الشرق الأوسط السعودية وإيران، علامة فارقة وتاريخية في سعي الشرق الأوسط لتحقيق السلام والاستقرار، ولا يمكن المبالغة في تأثير هذا التقارب؛ لأنه يمثل توقفاً نهائياً للوضع الشبيه بالحرب الباردة السائد في هذه المنطقة.
لعبت الولايات المتحدة دوراً مهماً في التوترات بين هاتين القوتين، من خلال سياساتها التدخلية التاريخية في المنطقة، وأدى دعم الولايات المتحدة لإسرائيل ومعارضتها لإيران إلى تشكيل تحالف قوي مع السعودية؛ مما زاد من حدة التنافس بين القوتين في الشرق الأوسط.
إن التطور الأخير يمثل فرصة فريدة للولايات المتحدة لإعادة تقييم نهجها تجاه الشرق الأوسط، وعلى النقيض من ذلك فإن الصين كقوة عالمية هائلة وواحدة من المنافسين الرئيسيين للولايات المتحدة، كانت نشطة بشكل متزايد في المنطقة منذ عام 2013، لكن تختلف سياسة الصين تجاه الشرق الأوسط بشكل ملحوظ عن الموقف التدخلي للولايات المتحدة، حيث تؤكد بدلاً من ذلك على السلام والاستقرار.
تمثل استعادة العلاقات بين السعودية وإيران مؤخراً في 10 مارس/آذار 2023 فرصة واعدة للصين لتعزيز مصالحها في المنطقة من خلال دعم الجهود الرامية إلى المصالحة والاستقرار.
على الرغم من أن الاختراق الدبلوماسي الأخير بين السعودية وإيران قد وضع حداً لتنافسهما الطويل الأمد، إلا أنه يشير أيضاً إلى بداية محتملة لحرب باردة جديدة في الشرق الأوسط بين القوة العظمى الولايات المتحدة والقوة الصاعدة الصين، هذا التطبيع للعلاقات له تداعيات مهمة على المصالح الإسرائيلية والأمريكية في المنطقة.
في السنوات الأخيرة نفذت الصين سياسة خارجية استباقية تجاه الشرق الأوسط تتحدى النفوذ الأمريكي في المنطقة، وبالتالي لمواجهة الصين في المنطقة وضعت الولايات المتحدة الأساس لرباعي الشرق الأوسط مع الهند وإسرائيل والإمارات العربية المتحدة كشركاء رئيسيين.
وعلى النقيض من ذلك فإن النهج الصيني المعاصر تجاه المنطقة ونجاحها في جلب هذين الخصمين الشرق أوسطيين إلى طاولة المفاوضات يمكن أن يجعل رباعية الشرق الأوسط التي تشكلت مؤخراً، بقيادة الولايات المتحدة وحلفائها ضعيفة.
يسلط هذا الاختراق الدبلوماسي الضوء على اعتبارات مهمة أخرى يجب أخذها في الاعتبار وهي اقتراح الهند بناء ميناء "تشابهار" من أجل تهميش باكستان والممر الاقتصادي بين الصين وباكستان "CPEC"، ومع ذلك وافقت إيران في النهاية على السماح للصين بتمديد الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني "CPEC" إلى ميناء تشابهار.
من الجدير بالذكر أن التحول في السياسة الصينية تجاه إيران حدث تحت قيادة "شي جين بينغ" في عام 2013 وهو أيضاً مؤسس مبادرة الحزام والطريق.
إن التمديد الناجح للممر الاقتصادي الصيني الباكستاني إلى ميناء تشابهار لن يعزز الوجود الإقليمي للصين فحسب، بل سيمكِّنها أيضاً من ممارسة تأثير أكبر على نقطة الاختناق الحرجة في العالم مضيق هرمز الذي يتدفق عبره 20-30% من النفط العالمي.
لن تؤدي هذه الخطوة إلى تقييد رباعية الشرق الأوسط فحسب، بل ستحبط أيضاً خطة الهند لبناء ميناء "تشابهار" وإقامة اتصال إقليمي مع الشرق الأوسط وآسيا الوسطى، فمثل هذا التطور من شأنه أن يعزِّز سمعة الصين كلاعب استراتيجي في المنطقة ويرفع مكانتها كقوة عالمية.
إن أحد المخاوف الأكثر إلحاحاً التي تنشأ عند دراسة السياسة المعاصرة للشرق الأوسط والمشاركة الصينية في المنطقة هو إمكانية أن تتمكن الصين من إجبار إيران على الانضمام إلى تحالف بريكس.
مقارنة بالسعودية التي تتمتع بعلاقة جيدة مع الولايات المتحدة، قد يكون انضمام إيران إلى البريكس أسهل؛ لأنها متحالفة أيديولوجياً بالفعل مع الكتلة الصينية الروسية.
فإذا انضمت إيران إلى مجموعة البريكس، بالإضافة إلى المملكة العربية السعودية، فإن كلتا الدولتين ستكون لديهما القدرة على تصدير النفط بعملات أخرى غير الدولار الأمريكي، وبالتالي إضعاف قوة البترودولار، وربما تعطيل النظام الاقتصادي للولايات المتحدة.
يثير السيناريو الحالي استفسارات كبيرة بشأن آفاق ديناميكيات القوة الاقتصادية والسياسية العالمية، لا سيما فيما يتعلق بمتانة النظام العالمي الذي تقوده واشنطن، والذي لا يزال مهدداً بظهور نظام تقوده الصين، ويسلط الضوء على الحاجة إلى استمرار التحليل والحوار حول هذه القضايا المعقدة.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.