صراع البرهان وحميدتي.. هل تلوح في الأفق مواجهة حامية بين القطبين؟

عربي بوست
تم النشر: 2023/03/19 الساعة 08:42 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/03/19 الساعة 08:42 بتوقيت غرينتش
حميدتي والبرهان/ رويترز - أرشيفية

لا شك في أن المتابع الجيد للأحداث السياسية بالبلاد لا تخفى عليه متابعة ورصد آخر تطورات الخلافات الحادة بين قائد الجيش البرهان ونائبه حميدتي قائد ميليشيا الدعم السريع (شبه العسكرية)، وذلك من خلال تصاعد وتيرة حِدَّتها في الأسابيع الماضية، لا سيما أن لهجة الخطابات الساخنة عملياً تحولت اليوم إلى تحركات عسكرية ولوجستية لنقل القوات من الولايات إلى العاصمة، وامتلاء المعسكرات حولها بالجيوش.

هذه العوامل الكبيرة هي التي تجعل المواطنين يحبسون أنفاسهم كل يوم ويتوقعون ما لا يحمد عقباه. أي لا يستبعدون أي مواجهات مسلحة بين الجيش و"الدعم السريع" داخل الخرطوم، وتكاد المجالس في الأماكن العامة وغيرها وأحاديث الناس لا تخلو من الحديث عن مستقبل الصدام بين هذه القوات التي بدأت تحشد بعضها بعضاً وتشدد الحراسة، وتزداد التخوفات. 

ففي خطاب للبرهان يوم الأربعاء 15 مارس/آذار 2023، بقاعدة المرخيات العسكرية وأمام حشد من الجنود، توعد كلَّ من يقدح في مسيرته ومهنيته، وكشف عن تكوين قوة للتدخل السريع قوامها ثلاثة آلاف مقاتل يكونون تحت إمرة القائد العام، وقال: "إن القوات المسلحة تمتلك طائرات مسيّرة قادرة على حسم أي تهديدات داخلية أو خارجية".

فماذا يعني هذا؟

الرسائل المقصود منها، رفع الروح المعنوية لأفراد القوات المسلحة بعد أن أصبح حديث منسوبيها اليوم جهراً أمام قيادتها بأنه كيف يتم إهمال الجيش مقابل تقوية وتطوير ميليشيا تنافسه في السلاح والتجنيد.

والمقصود من الرسائل، حميدتي الذي بدأ يحشد قواته ويسعى للسلطة بأي شكل من الأشكال، ويحاول جاهداً وضع خطط جديدة لتعزيز قوته لكسب تأييد الشارع بخطاباته العاطفية وأنه مع الشعب، وأن خلافه مع من وصفهم بـ"المكنكشين" أي المتشبثين بالسلطة ممن هم في قيادة الجيش، يقصد البرهان وزمرته.
مجموعة البرهان صار شغلهم الشاغل هو دمج قوات الدعم السريع في الجيش السوداني.

إذ لا توجد دولة محترمة بها جيشان، وهكذا من حين لآخر تعلو وتيرة الخلافات بين البرهان وحميدتي وتنخفض تارة أخرى، لكن ما تزال عميقة، وبرغم المحاولات الجادة من القوى السياسية لاحتوائها وتداركها فإنها تذهب باتجاه تخطئ فيها كل التنبؤات التي تشي بأنها سحابة صيف عابرة والواقع عكس ذلك تماماً.
 

وخير دليل هذا بيان الجيش الأخير المتلفز:

البيان الذي قدَّم ثلاث رسائل قوية للقوى الموقعة على الاتفاق الإطاري ولـ"الدعم السريع" والحركات المسلحة، وأن القوات المسلحة قادرة على حسم أي تحركات، وهذا يؤكد فرضية أن هذه التحركات غير العادية تشير الى أن حالة الاستعداد في الجيش عالية جداً، ونية الجيش هي إبعاد حميدتي من المشهد في المرحلة القادمة، بأي شكل من الأشكال، وهذا أمر لا يمكن استبعاده كما تحدثت مصادرنا ومثلما يتحدث خبراء عسكريون اليوم في شأن دمج الدعم السريع في الجيش، وأن الاتفاق الإطاري الذي يتمسك به دقلو من أجل إطالة عمر إجراءات دمج قواته، الخبراء يقولون إن هذا الاتفاق لم يفصّل الجداول الزمنية للدمج والتي يتمسك بها حميدتي لإيجاد حيل يريد بها كسب الوقت أكثر لتحقيق كثير من الطموحات، وهو ما يزيد المخاوف ويثير القلق عند الجيش. 

مرحلياً، كل التقديرات لا تشير إلى أن الجيش سوف يمضي في  العملية السياسية الجارية (الاتفاق الإطاري) بما أن "الحرية والتغيير" استطاعت اختراق المشهد وتفكيكه سياسياً، لكن الذي يقف حاجزاً أمامها ليس القوة الممانعة، إنما مظاهر الخلافات العسكرية، التي يمكن أن تنسف العملية برمَّتها من أن تمضي إلى نهايتها، فقوى الثورة لا أعلم أنها لا تفهم أن خلافات العسكر الحالية في مصلحتهم وتطابقت عليها الأقدار، وإن اختلفت الرؤى بينهم في المضي قدماً في العملية من عدم ذلك.

سيناريو القوة المفرطة

وأن سيناريو إظهار القوة وحالة  التمظهر هذه هي لتخويف قادة العملية السياسية الجارية بالحالة الأمنية شبه الطارئة؛ حتى تضطرها إلى تغيير خارطة طريقها وفقاً للملاحظات والشروط التي وضعها العسكر، كما يشير إليها البرهان في معظم خطاباته بأنهم لن يمضوا في الاتفاق إلى نهايته ما لم يكن هنالك توافق مقبول وفق هذا المنطق وأن الشأن العسكري يجب أن لا يتدخل فيه السياسيون. 

ويكرر البرهان أن الجيش قدَّم ملاحظاته في ورقة بأنها طرفهم من الاتفاق، ويمكن القول إن موقف الجيش ما يزال ثابتاً رغم استقواء قوى الحرية والتغيير بحميدتي، الذي يصر على تكملة الاتفاق بشكله الحالي الذي لا يوافق عليه الجيش كلياً، وهذا أساس الخلاف وفي إطار ذلك جاء الخلاف المتقد.

يوم السبت 11 مارس/آذار، وفي بيت الضيافة، التقى البرهان وحميدتي، وهو الاجتماع الأول منذ تصاعد نبرة الخطاب بينهما، وكان عاصفاً بخصوص دمج قوات الدعم السريع في الجيش السوداني.
 

خلص الاجتماع إلى تكوين لجنة مشتركة لمتابعة الوضع الأمني ولجنة بشأن دمج الدعم السريع في الجيش السوداني.

ولكن لم تطوَ صفحة الماضي، فيوم الخميس الماضي خلقت التحركات العسكرية غير العادية وسط الخرطوم ازدحاماً مرورياً كبيراً وغير مسبوق، شاهد الناس نقل الآليات العسكرية باتجاه القصر، وكانت الحركة مشلولة تماماً، وخلت مواقف السيارات ولم يكن أمام المواطنين سوى عبور الجسور سيراً على الأقدام.

وحتى مساء الجمعة الماضية ظل محيط القصر الرئاسي في الخرطوم محروساً بكثير من سيارات الدفع الرباعي التابعة للجيش، في ظل مظاهر العسكريين بالطرقات، وهو ما يدعم تفسيرنا باتجاه أن المواجهة العسكرية ليست مستبعدة تماماً. كل السيناريوهات والاحتمالات مفتوحة، فالجيش يريد تخويف الجميع من الوثوب على السلطة؛ قوات دعم سريع، القوى المدنية، والحركات المسلحة.

في هذا الإطار، يجب على قوى الحرية والتغيير أن تكون أكثر وضوحاً وتتبنى مواقف قوية حول مصير الاتفاق الإطاري. فإذا كانت كل الاحتمالات مفتوحة، فما الذي يضمن تشكيل حكومة مدنية كاملة في ظل اتفاق وُضعت له الشروط والمتاريس؟

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

معمر إبراهيم
محرر ومحلل سياسي
تحميل المزيد