حسب تقرير صندوق النقد الدولي عن مصر الصادر في العاشر من يناير الماضي، كان مقرراً أن تكون المراجعة الأولى لالتزام مصر بتعهداتها للحصول على أقساط القرض في الخامس عشر من الشهر الحالي، وهو ما يتم من خلال حضور بعثة من خبراء الصندوق لمصر يلتقون مع المسؤولين بالبنك المركزي ووزارة المالية وغيرها من المختصين بمكونات الاتفاق الأخير، وذلك لمنح مصر القسط الثاني من القرض والبالغ 347 مليون دولار.
ورغم أن فترة الاتفاق تمتد إلى 46 شهراً سيتم خلالها إجراء ثماني مراجعات لمدى التزام مصر بتعهداتها، تتم كل ستة أشهر بشهري مارس وسبتمبر، إلا أن المراجعة الأولى تقرر أن تكون بعد ثلاثة أشهر فقط من الاتفاق الذي تم في 16 ديسمبر الماضي، خاصة وأن نتائجها يمكن أيضاً أن تحسم الموافقة على منح مصر قرضاً آخر بقيمة مليار دولار، من صندوق الاستدامة الجديد التابع لصندوق النقد الدولي.
وهكذا تبدو أهمية تلك الزيارة لمصر التي تعاني من نقص شديد بالعملات الأجنبية، ظهر من خلال استمرار العجز الدولاري بالجهاز المصرفي خلال شهر يناير الماضي، والذي بلغ 21.7 مليار دولار منها 8.6 مليار دولار عجزاً بالبنك المركزي، و13 مليار دولار بباقي البنوك التجارية، وهو ما ترتب عليه عودة إخفاق البنوك في تدبير الدولار للإفراج عن البضائع بالموانئ، وهو ما كشفته شكاوى شركات الدواجن من نقص الأعلاف المفرج عنها من الموانئ، وشركات الأدوية للإفراج عن الخامات اللازمة لها، وهي شركات لها أولوية في تدبير الدولار، فما بالنا بالأنشطة الأخرى التي ليس لها أولوية مثل السيارات.
توقعات بطلب تأجيل زيارة خبراء الصندوق
إلى جانب الحاجة إلى سداد أقساط الدين الخارجي، الذي تبلغ تكلفة الجزء متوسط وطويل الأجل منه 20 مليار دولار هذا العام، بخلاف أقساط القروض قصيرة الأجل، والذي ظهرت صعوبة تدبيرها مع طرح صكوك سيادية بنفس يوم استحقاق قيمة قسط والمتمثل في سندات، وذلك بفائدة 11% رغم أن فائدة تلك السندات كانت أقل من 6% عند الحصول عليها.
ولم يتم الإعلان من كل الصندوق والحكومة المصرية عن أسباب عدم حضور بعثة خبراء الصندوق في موعدها المقرر، وإذا كان ذلك أمراً معتاداً من قبل الحكومة المصرية، فإنه يتنافى مع الشفافية المُفترضة من جانب الصندوق، ولهذا ذهب التفسير المرجح إلى أن مصر طلبت تأجيل الزيارة بعض الوقت حتى ترتب أوراقها، حيث إنها لم تلتزم بما وعدت به الصندوق سواء بالالتزام بسعر الصرف المرن أو طرح الشركات للبيع أو الإفصاح عن ميزانيات الجيش أو غير ذلك.
وجاء عدم التزام الحكومة المصرية بتنفيذ تعهداتها لأسباب عديدة، أبرزها إخفاق الخفض المتكرر للجنيه المصري أمام الدولار إلى جانب رفع الفائدة عدة مرات، في جلب قدر من الأموال الساخنة يساعدها في تدبير احتياجاتها من استيراد السلع الأساسية والمواد الخام والمستلزمات للصناعة وسداد أقساط الديون.
فبعد خفض الجنيه ورفع الفائدة في أكتوبر لم يسفر الأمر سوى عن زيادة محدودة بمشتريات الأجانب من أذون الخزانة المصرية، بقيمة 1.1 مليار دولار في نوفمبر و1.5 مليار دولار في ديسمبر، ما جعل الحكومة تستمر في خفض الجنيه خلال الفترة التالية، ورفع الفائدة حتى تخطت نسبة 22% على أذون الخزانة حالياً.
حيث زاد الأمر صعوبة مع اتساع الفارق بين السعر الرسمي للدولار وسعره بالسوق السوداء، وكذلك تصاعد معدلات التضخم ما يتطلب رفعاً آخر بسعر الفائدة، الأمر الذي أدى لتريث كل من الجهات الخارجية التي كانت راغبة في شراء أدوات الدين الحكومي المصري، ونفس الأمر للصناديق السيادية الخليجية في انتظار خفض جديد بسعر صرف الجنيه يقلل من تكلفة شرائهم للأصول المصرية.
زيادة الشركات المطروح حصص منها للبيع
كما تنتظر الجهات الراغبة في شراء أدوات الدين الحكومي الزيادة الجديدة بسعر الفائدة، للتقليل من نسبة الفائدة السلبية الحالية البالغة 24%، كفرق بين سعر الفائدة على الودائع بالبنك المركزي لمدة ليلة والبالغة 16.25%، وبين نسبة التضخم لشهر فبراير بالبنك المركزي البالغة 40.3%.
وكانت الحكومية المصرية قد أرسلت وزيرة التخطيط والتي ترأس الصندوق السيادي المصري أيضاً، في جولة بخمس دول من دول الخليج خلال الشهر الماضي؛ للاتفاق على بيع حصص من شركات حكومية، لإنجاز أحد بنود الاتفاق مع الصندوق، لكن الجولة لم تسفر عن شيء، كما أوقف الصندوق السعودي مفاوضاته لشراء أحد البنوك المصرية، وقام رئيس الوزراء المصري بزيادة لقطر لنفس غرض بيع حصص من الشركات، لكنها أيضاً لم تسفر عن شيء.
ورغم إعلان رئيس الوزراء المصري ببداية الشهر الماضي طرح حصص من 32 شركة وبنكاً، فلم يتحقق شيء منها حتى الآن؛ نظراً لانتظار المستثمرين خفضاً جديداً لسعر الصرف، وتقييم الشركات بالجنيه المصري، وهو ما أعلنت وزيرة التخطيط عن الاستجابة له، لتجيء ظروف البورصة المصرية غير المواتية حالياً لتحول طرح حصص من الشركات عبرها، باعتبارها الوسيلة الأسرع للبيع وتحقيق حصيلة دولارية.
وهكذا وجدت الحكومة نفسها في ورطة عدم تحقق بند أساسي في الاتفاق مع الصندوق يسهم في الحصول على قسط قرض الصندوق، كما يحقق إيراداً للحكومة، فأعلنت على لسان رئيس الحكومة عن طرح حصص من شركات أخرى، بخلاف الـ32 شركة منها الشركة المصرية للاتصالات، ثم أعقبها تصريح لوزير المالية عن زيادة العدد المطروح للبيع إلى 40 شركة، وإضافة بنكين إلى البنوك الثلاثة المعلن عنها من قبل، وزيادة عدد الشركات البترولية عما كان مقرراً.
وقال وزير المالية إن الطرح للشركات سيشهد دفعة خلال شهر أبريل المقبل، وهو ما يأتي قبل منتصف يونيو الذي طالب صندوق النقد الدولي ببيع حصص من الشركات الحكومية قبل مجيئه بنحو ملياري دولار، ولأن الطرح مرتبط باستقرار سعر الصرف غير المستقر حالياً، تعود الكرة إلى ملعب البنك المركزي المصري، حيث يتوقع قيامه بخفض جديد لسعر الصرف الرسمي وزيادة ملموسة لسعر الفائدة ما بين 2- 3%.
ترقب قرارات المركزي في أي يوم
ويبقى السؤال الأهم لدى المصريين والمستثمرين المرتقبين: متى يقوم البنك المركزي بخفض الجنيه وزيادة الفائدة؟ تشير التوقعات إلى أن ذلك يمكن أن يحدث في أي يوم من أيام الأسبوع المقبل، ويدعم ذلك التوقع أن هناك شهادات إيداع سبق لبنكي مصر والأهلي الحكوميين طرحها في مارس من العام الماضي بفائدة 18% وبلغت حصيلتها 750 مليار جنيه.
وبالتالي فلابد أن يتم إصدار وعاء إدخاري جديد بفائدة عالية ربما تصل إلى 30%، لاستيعاب قيمة تلك الشهادات التي يحل موعد استحقاقها بداية من 22 مارس الحالي، حتى لا تذهب تلك الأموال إلى السوق السوداء لشراء الدولار وتزيد من الطلب عليه، أو تتجه لشراء السلع فتزيد الطلب عليها بما يعزز التضخم، وهو ما يتزامن أيضاً مع موعد إصدار الفيدرالي الأمريكي قراره الخاص بسعر الفائدة بما له من تداعيات على قدوم الأموال الساخنة وتكلفة اقتراض مصر من الخارج.
وحتى إذا لم يستجب المركزي المصري لمطلبي خفض الجنيه ورفع الفائدة في جلسة استثنائية للجنة السياسة النقدية حتى نهاية الأسبوع المقبل، فإنه يتوقع استجابته للمطلبين بالموعد المقرر للجنة بالثلاثين من الشهر الحالي، بعد زيادة الطلب بالسوق السوداء على الدولار واتجاه جانب كبير من تحويلات المصريين بالخارج إليه بدلاً من قدومها عبر البنوك المحلية.
وربما يرفع المركزي أيضاً نسبة الاحتياطي الإلزامي الذي تلتزم البنوك بإيداعه بالبنك المركزي من ودائعها بلا فائدة، والذي كان قد رفعه إلى 18% في سبتمبر الماضي، وذلك لسحب السيولة من السوق إلى جانب الوسائل الأخرى التي يقوم بها من قبول ودائع من البنوك بفائدة بشكل أسبوعي لنفس الغرض.
وهكذا تستمر الأحوال غير المستقرة للدولار بمصر سواء من حيث سعره أو مدى توافره، حتى بعد قيام البنك المركزي بخفضه المرتقب لفترة، حتى يقوم الجهاز المصرفي بسد العجز الموجود به من الدولارات، وحتى تتحقق إيرادات دولارية مناسبة من قبل أطروحات الشركات الحكومية، وهي أمور من الصعب تحققها قبل الربع الأخير من العام الحالي وربما بعد ذلك.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.