لم يكد مسلسل "أزمة منتصف العمر" ينتهي حتى خطر ببالي فوراً ذلك السؤال: هل صارت منصة "شاهد" السعودية تسير على خطى "نتفليكس" الأمريكية، تتخلى عن الضوابط المعروفة شيئاً فشيئاً؟ تلك الضوابط التي تعتبر الحديث في أمور بعينها مرفوضاً رفضاً باتاً، كالمثلية الجنسية مثلاً، وزنا المحارم، وغيرها من العلاقات التي يمثل عرضها بأي شكل، سلبياً كان أو إيجابياً، تهديداً لقيم المجتمع والأسرة، ومخالفاً لما اعتاده المشاهد العربي؟
حاولت أن أضم منصة ووتش إت للمقارنة، لكنني لم أعثُر على أعمال مثيرة للجدل، حيث تبدو المقارنة بين ووتش إت المصرية وأعمالها الحصرية، وبين شاهد السعودية، كالمقارنة بين الشقيقتين نادية ومنى، في الفيلم المصري الشهير "نادية" 1969.
نتفليكس تتكلم العربية وعرب يتكلمون نتفليكس
في العام 2017، أعلنت نتفليكس عن أول إنتاج عربي لها في الشرق الأوسط، وكان عملاً كوميدياً، قبل أن تتطور الأمور لاحقاً بإنتاج عدد من الأعمال التي أثارت الغضب، والهجوم، على المستويين الجماهيري والرسمي، تجاه المنصة العالمية، التي اتُّهمت بأنها "تدمر قيم الأسرة"، مع أول فيلم من إنتاج المنصة "أصحاب ولا أعز"، والذي تضمّن بالطبع "مثلية جنسية"، فضلاً عن مشاهد صادمة.
الغضب لم يكن شعبياً فقط، عبر هاشتاغات ومنشورات، بل كان رسمياً أيضاً؛ حيث طالبت كلّ من الهيئة العامة للإعلام المرئي والمسموع في السعودية، ومكتب تنظيم الإعلام في الإمارات، وكذلك لجنة الإعلام الإلكتروني في مجلس التعاون الخليجي، في بيانٍ مشترك، منصةَ "نتفليكس"، بإزالة محتوى وُصِف بأنه "مخالف للقيم والمبادئ الإسلامية والمجتمعية"، ملوحين وقتها باتخاذ "الإجراءات القانونية" ضد الشبكة، في حال لم تلتزم المنصة بالتوجيهات، وذلك دون إشارة إلى محتوى بعينه.
لكن هيئة تنظيم الاتصالات والحكومة الرقمية (تدرا) في الإمارات، أشارت بشكل أكثر وضوحاً لما وصفوه بـ"المحتوى المخالف، وخاصةً المحتوى الموجه للأطفال".
قدَّر البعض خسائرَ نتفليكس وقتَها بـ130 مليار دولار، الأمر الذي دفع بالأعمال الدرامية على المنصة لاحقاً إلى ولوج جانب آمن، كانت تحاول تبنّيه من البداية، عبر ترجمة "مؤدبة" للأعمال الأجنبية، خالية من الكلمات والعبارات الوقحة، وبالفعل لم يثُر ضدها غضبٌ يُذكر منذ ذلك التوقيت من بداية العام 2022 وحتى الآن، لكن المفاجأة أن منصة شاهد السعودية لم تلبث أن سارت على النهج، بطريقتها الخاصة، ما دفعني للتساؤل: كيف ولماذا؟ واكتشفت أنني لم أكن وحدي التي تساءلت حول تلك النقطة بالذات، سبقني إليها في يونيو من العام 2021 الباحثان فادي حداد، وألسكندر دويست، في دراستيهما المنشورة بمجلة بحوث الإعلام العربي والإسلامي، والتي حملت عنواناً لافتاً جداً: "نتفليكس تتحدث اللغة العربية والعرب يتكلمون نتفلكس"، حاولت الدراسة بحث الكيفية التي يتم إعادة ضبط صناعة الدراما التلفزيونية العربية من خلالها، عندما يتعلق الأمر بتطوير أفكار المسلسلات والسيناريوهات، وكانت النتيجة التي خلصت إليها، عقب مقابلات تمت مع كُتاب تعاونوا مع كل من نتفليكس وشاهد، أن الكتابة ليست موجّهة لجمهور "عربي"، وإنما إلى جمهور مستهدف عابر للحدود الوطنية، الأمر الذي ينعكس على مستويات الإنتاج، وأيضاً "القرار الإبداعي" مع التأكيد على "التصور الغربي لفكرة الجودة".
جدل متواصل
في سبتمبر من العام الماضي، شعر مواطنون سعوديون بالغضب، من مسلسل باسم "مرزوقة"، تدور قصته حول سيدة من القصيم، تتعرض للغدر، فتقرر أن تصير امرأة مخادعة، تستولي على أموال الرجال، بعد أن تمثل عليهم الحب، وقد جاءت الانتقادات، ليس فقط لما وصفوه بـ"تشويه صورة المرأة القصيمية"، ولكن أيضاً بسبب اختلاف اللهجة التي ظهرت بالمسلسل عن اللهجة الأصلية.
واصلت الأعمال الأصلية، والحصرية، على المنصة، إثارة التساؤلات، فلم يمر مسلسل "وش وضهر" مرور الكرام، حيث تضمن ما سمّاه المشاهدون دس السم في العسل، عبر تفاصيل بدت مريبة للمشاهدين، كذلك الأمر مع مسلسل "منورة بأهلها"، والذي تضمّن عدداً من "المشاهد "الجريئة" التي حملتها المنصة "السعودية".
مزيد من الانتقادات لما تم وصفه بـ"العلاقات المحرمة" و"الإباحية" تم توجيهها لمسلسل "بنات ثانوي"، ولم يكن الغضب مصرياً في كل مرة، ولا سعودياً فقط، ولكنه كان يمنياً أيضاً مع تلك القصة، التي تم اختيارها للعرض حصرياً على المنصة، عبر عمل بعنوان "رشاش العتيبي"، حيث اتُّهم العمل بأنه يسيء لنساء اليمن، واللائي تم إظهارهن بأنهن منحلات وأدوات للمتعة، وقد بدا أمر المسلسل مستفزاً للدرجة التي دفعت وكيل وزارة الإعلام، محمد قيزان، لنشر تغريدة يقول فيها إن "الإساءة لليمن واليمنيين ولنسائه الحرائر يمثل سقوطاً أخلاقياً ومهنياً لا يمكن القبول به أو السكوت عنه، ما أورده الممثل يعقوب الفرحان مرفوض، نطالب بحذفه والاعتذار منه، وسنقوم بالتواصل مع المعنيين لعمل اللازم".
لكن هذا لم يكن نهاية المطاف مع إثارة الجدل، حيث جاءت الانتقادات الأعنف، بالتزامن مع مسلسل "أزمة منتصف العمر"، حيث لم يكن الغضب هذه المرة من مشاهد جارحة، أو فرض شخصيات "مثلية"، ولكنه جاء أعنف، مع نموذج فج لـ"زنا المحارم".
ما السر وراء صمت "شاهد"؟!
إذا ما قارنت الأداء الإعلامي لشاهد مع نتفليكس، فسوف تصيبك الدهشة، تلك التي شعرت بها حين طالعت مقابلة صحفية لـ"ليلى غويلاني ليارد"، المتحدثة باسم نتفليكس، مع موقع مصراوي، تحدثت خلاله السيدة عن خطط المنصة، وأفكارها، ومحتواها، لم تكن المرة الأخيرة التي يظهر فيها ممثلون ومتحدثون باسم المنصة.
وهو ما لم ألمحه قط مع شاهد، فمثلاً في فبراير من العام 2022، نشرت صفحة تابعة للممثل المصري باسم سمرة، منشوراً تضامنياً مع موقف الممثل المصري محمد صبحي، الرافض لعرض أعماله في السعودية تحت شعار "الترفيه"، في نفس التوقيت الذي ظهرت فيه إعلانات مسلسل منورة بأهلها على المنصة، ومن بين أبطاله باسم سمرة، لكن فجأة قامت المنصة ومن دون أن تعلن عن أي أسباب بحذف الدعاية المنشورة على الموقع للمسلسل، وسط تكهنات عديدة، ولم تظهر شاهد في الصورة لتنفي أو تؤكد، وما هي إلا أيام قليلة حتى ظهر باسم سمرة نفسه لينفي تضامنه مع محمد صبحي، مبرراً ما تم نشره بواحد من أغرب الأسباب والتبريرات على الإطلاق، حيث أعلن: "مقدرش أهاجم أبو ناصر.. وابن أختي مدورلي الصفحة"، لتعود الإعلانات من بعدها، ويبدأ عرض المسلسل فعلاً!
لن تجد اسماً بارزاً يتحدث باسم شاهد، لن تعثر على رد يعتذر أو يشرح أو يدافع أو حتى يرفض، ولن يصادفك بيان رسمي صادر عن منصة "شاهد" أو القائمين عليها، على طريقة "القافلة تسير" يستمر كل شيء في صمت، يمكنك أن تدرك هذا ببساطة عبر موقعهم الرسمي، حيث تعرف المنصة نفسها بنص عامر بالأخطاء اللغوية، أقدمه لك بعد تصحيحه، ونصه: "SHAHID إحدى العلامات التابعة لمجموعة MBC، والذي أعيد إطلاقه في شهر يوليو/تموز من عام 2011، من خلال موقع Shahid.net، بوصفه أول منصة عربية تقدم خدمة "فيديو حسب الطلب" في منطقة الشرق الأوسط، والذي يعرض المحتوى الحصري الخاص بقنوات MBC، وغيرها".
أتساءل الآن: هل يمكن للهيئة العامة للإعلام المرئي والمسموع في السعودية، يوماً ما، أن تضع ضوابط واضحة ومعلنة لـ"منصة شاهد"، على المستوى الشخصي، أرى في تلك المنصة، متقنة الصنع، مالكة الأسباب، ما يستحق المحاولة، وأرى أيضاً في مواطني بلدها الأم السعودية، والعالم العربي، مَن يستحقون بعضاً من الضوابط القِيمية، ذلك أن واقع المشاهد العربي لا يحتمل مزيداً من النماذج المخيفة.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.