30 مليون مشاهدة حتى الآن، لبودكاست ياسر الحزيمي"كيف تنجح العلاقات"
هالني ذلك الرقم، خاصة وأن تلك المُشاهدات الهائلة ليست لمحتوى فني أو ترفيهي مثلاً، وإنما هي لبودكاست نفسي وروحاني، يمتد لثلاثة ساعات كاملة، صدر منذ ثلاثة أشهر فحسب، لكاتبٍ ومحاضر ومُرشد أُسري سعودي، يتحدث فيه باستفاضة عن العلاقات بأنواعها وكيفية نجاحها.
ياسر الحزيمي، ذلك المُتحدثٌ البارع، الحاضر الذهن، والذي يملك من البشاشة وجمال المنطق ما جعل الملايين في العديد من الدول العربية يتأثرون بكلماته التي لامست أرواحهم، ويُشاركون ذلك البودكاست مع أصدقائهم، حتى وصل إليّ، مع تعليقاتٍ كثيرة مُشجعة على خوض تلك التجربة.
والآن بعد أن انتهيت منه وأنا مُستمتعة بكل جزءٍ فيه، سأكتب ها هنا بعضاً من الدُرر التي التقطها من كلمات ياسر الحزيمي، والتي تستحق أن تكون مرجعاً دائماً لكل منّا، يسأل نفسه ذلك السؤال المُعقّد: كيف تنجح العلاقات؟
وأوّلهم أنا.
بودكاست ياسر الحزيمي وكيف تنجح العلاقات
1- العلاقات معارك
أول ما تفكّرت بشأنه وأنا أستمع إلى بودكاست ياسر الحزيمي هو حينما شبّه ياسر الحزيمي بأنّ العلاقات كالمعارك.
"العلاقات تدخلها معك سيف وغمد ودرع، عليك أن تتعلم متى تشهر السيف، ومتى تغمده".
استنكرت ذلك الكلام في البداية، وهل العلاقات حروب ندخلها لنهزم أو لننهزم؟
استمعت للكلام من جديد وبتركيزٍ أكبر، وبرغم أنّه يُخالف طبيعتي المسالمة، إلا أنّني وجدته أقرب إلى الحق منّي، ففي بداية أي علاقة عمل أو صداقة أو زواج، لابد من وجود حالة من التوازن ما بين الحزم واللين، والشدة إن لزم الأمر، حتى يتبين لي العدو من الحبيب.
الأصل هو السلام، هو أن يُغمد الإنسان سيفه في غمده، ولكن من الجيد أن يُدرك من أمامي أنّي أملك سيفاً قد أستخدمه، وأنّ لدي درعاً قد تصدّ عني هجماته، وله نفس الحق في ذلك.
فكم من معارك دخلناها ونحن عُزّلٌ، فخورين بحسن نوايانا، وأُصبنا في مقتلٍ.
2- الذات بضاعة
دُرةٌ أخرى لا تُدرك بسهولة. يقول ياسر الحزيمي:
"الذات بضاعة، قد لا تعرف كيف تُسوّق بضاعتك الجيدة، وقد تُسوّق بضاعتك الرديئة بشكلٍ رائع. يجب أن تعرف قيمة بضاعتك".
تشبيهٌ غريب آخر، فكيف للنفس أن تكون سلعة أو بضاعة، تُعرض على الآخرين بغية تسويقها؟ أعتقد أنّ المُراد من هذا التعبير بالتحديد، هو أنّ كل واحدٍ منّا له صورة ذاتية، يراها النّاس وقد ينجذبون لها أو ينفرون منها، والمُدهش هنا أنّ النّاس لا ترى في الإنسان إلا ما يراه هو في نفسه، فمن عظّم نفسه وإن كان دنيء النّفس، سيراه الآخرون عظيماً، ومن حقّر نفسه لظنّه في نفسه أنّها كذلك، سيُحقّر الآخرون من شأنّه كذلك.
تفكّرت في الأمر، وشعرت بالخزي من أن يراني الناس، كما أرى نفسي.
3- عن علاقة الإنسان بذاته
أركان العلاقات في بودكاست ياسر الحزيمي هي علاقة الفرد مع الله، ومع ذاته، ومع الآخرين، وهي مرتبةٌ حسب الأهمية، وهو ما يعني، أنّ علاقة الإنسان بنفسه أو بذاته، هي أهم من علاقاته بالآخرين. ويقول في هذا الشأن:
"العلاقة مع الذات هي ألا يكون ما أنت عليه، على غير ما تُظهر ما أنت عليه".
وهل نحن مع غيرنا، ما نحن عليه فعلاً؟ يكاد يكون الأمر مستحيلاً، ولكن ما يُريد ياسر الحزيمي أن يقوله، هو أنّنا كلما ابتعدنا عن حقيقة ذواتنا أمام الآخرين، كلما اغتربنا عن أنفسنا بصدق. فجوةٌ نملأها بالخزي، فتنتهي بنا إلى الاكتئاب، والشعور باحتقار الذات. جعلتني كلماته أنوي أن أكون صادقة قدر الإمكان، مع من آمن على نفسي منهم.
4- الشعرة التي بين الثقة والغرور
"معرفة الإنسان بجهله، نوعٌ من المعرفة".
مفاهيم بسيطة شرحها بودكاست ياسر الحزيمي، تتعلق بمعانٍ متداخلة، تُثير حيرتي أنا شخصياً، ما بين تحقير الذات والغرور بالنفس، وتلك الشعرة التي تفصل بين الثقة والغرور، والتي فسّرها الحزيمي بطريقة في منتهى السلاسة، من خلال تعريفه لـ 4 مفاهيم رئيسية تتعلق بهذه المسألة.
ففسّر الثقة على أنّها شعورٌ بالقدرة -على فعل شيءٍ ما أيّا كان- مع وجودها، أي مع وجود هذه القدرة فعلاً، وأنها تأتي من خلال لحظة بنيتها على تجارب سابقة أو تفاؤلٌ بالمستقبل، مبنيّ على أساس سليم.
وفسّر الغرور على أنّه شعور بالقدرة مع عدم وجودها من الأساس. أمّا الشعور باحتقار الذات، فهو على النقيض من الغرور، فهو عدم الشعور بالقدرة مع وجودها، للأسف.
هناك مفهومٌ رابع وأخير، ولكنّه فارقٌ فعلاً في علاقة الإنسان بذاته، حينما يُدركه، وهو الوعي، الذي يعني عدم الشعور بالقدرة مع عدم وجودها.
5- ما بين الشعور بالرضا والنقص
" اِرْضَ بالنّقص ولكن لا تكن ناقصاً".
جملة عبقرية. فيها رسالة مزدوجة لكل من هو ساخطٌ على نفسه على الدوام، ولكل من هو قانع بحاله على الدوام. والجميل أنّ بودكاست ياسر الحزيمي، شرح كيف نبت شعور النقص ذلك في داخلنا، بينما كنا لازلنا أطفالاً، وكيف تعلّمنا من خلال تصرفات الأهل العفوية، ومع الوقت والتجارب، أنّ سعادتنا مرتبطة بإرضاء الآخرين. وأنّ كل العواطف التي حُرمنا من الحصول عليها من آبائنا وأمهاتنا، سنظل نشحذها من الآخرين، حتى وإن كانت غير حقيقية.
يقول الحزيمي إنه كلما "عملقنا" الآخرين، أي جعلنا منهم عمالقة، كلما تقزّمنا نحن، أي صرنا أقزاماً. ومن يفعل العكس، فيُعملق نفسه، ويُقزّم الآخرين، فهو من أصابه الكِبر، والتعامل الصحيح هنا، هو أن نُنزل النّاس منازلها بحقِ.
أمرٌ ليس بهيّن، ولكنّي سأحاول.
6- صمغ العلاقات
على عكس ما يظنّه الكثيرون، وأنا كنت واحدةً منهم، أنّ الحاجات أو المصالح التي يُقدّمها الإنسان لغيره، ممّن يهمهم أمره، هي شيءٌ أساسي في العلاقات، ومن المهم أن تتغير نظرتنا للأفكار التي تُروّج للمثالية في هذه النقطة، وأن نتقبل أنّنا جميعاً في حاجة دائمة إلى ما قد يُقدّمه لنا الآخرون.
"تلبية الحاجات هي صمغ العلاقات".
وهل هناك رابطة أقوى تربطني بشخصٍ، كلما احتاج مني دعماً مادياً أو نفسياً، وجدني عند حسن ظنّه؟ لا أظن.
صدق الحزيمي في أنّ بناء العلاقات قائم على تلبية الحاجات، حتى العلاقة مع الله، لحاجتنا له، والصفوة هم من أحبوه وتقربوا إليه لذاته لا لصفاته.
7- عن الواعي وغير الواعي في العلاقات
دُرةٌ تحتاج للتأمّل. يتحدث الحزيمي عن الشخص الذي لديه وعي حقيقي بتصرفات نفسه وغيره في العلاقة، وعمّن هو غير ذلك، وعن الفارق بينهما.
"المُلام في أي علاقة بين اثنين هو الأعقل منهما، فالعُلم حُجّة وله ثمنٌ، وللواعي مقام مختلف".
تأمّلت هذا المعنى، الذي جعلني أقتنع به، ولكنه في الوقت ذاته، جعلني أُشفق على الواعي في أية علاقة، فهو من سيتحمّل تكلفة الإصلاح دائماً للأسف.
يقول الحزيمي إنّ الواعي هو من يُدرك أنّ العلاقات ليست بالحضور، وإنما بالشعور.
أن ترى أولاً، ثم تفهم، ثم تتصرف بعدها.
الواعي هو من يضع مسافة بين الفعل وردة الفعل، وهي التفسير الذي يحكم ردة الفعل، أمّا غير الواعي، فهو من يردّ الفعل بفعلٍ مُشابه، بدون أن يفهم السرّ وراء الفعل الأول، وهو الشيء الذي قد يجعل ردة فعله خاطئة، وفي غير محلها.
القليل منّا من يتأمّل في ذلك المعنى حقاً.
8- عن العلاقات السيئة
"أنا لا أُخاصم أحداً، ولكنّي أُغيّر رُتبتهُ عندي".
فكرٌ جميلٌ يليق بإنسان راقٍ، يُدرك حقوق الآخرين، ولا ينسى حقه أيضاً. يقول الحزيمي إنّ للعلاقات السيئة فائدة، كونها تُربّينا فعلاً، فهي تُعطينا درساً عملياً في الصبر، وآخر في قوة الإرادة، كي لا ننجذب للوقوع في الفخ الذي ينصبه لنا من هم يُسيئون مُعاملتنا، وهو أن نُصبح مثلهم. تلك العلاقات السيئة، تُظهر كريم الأصل من خبيثه.
أن أُغيّر من نظرتي وشعوري والقيمة التي أُعطيها للشخص الذي آذاني، ذلك في حدّ ذاته فعلٌ ليس بهيّنٍ، حتى وإن بدا ذلك في أبسط الأشياء كتغيير اسم الشخص على الهاتف المحمول مثلاً، كما يقول الحزيمي، وكأنّك تُعيد ذلك الشخص غريباً عنك، مثلما كان سابقاً.
9- أسوأ أنواع العلاقات بين الرجل والمرأة
"لا يكون هناك سكن لحياة الإنسان، إلا مع زوجة".
يقول ياسر الحزيمي إنّ هناك 5 أنواع للعلاقات، مُرتّبة من الأفضل للأسوأ، أوّلها علاقات حيّة، وهي العلاقات السويّة التي تقوى وتضعف ولكنّها ذات أُسسٍ سليمة، وعلاقات مريضة والتي تحتاج على حد قوله، لفيتامينات من الحب والتقبّل والرحمة، كي تُصبح أفضل حالاً.
هناك أيضاً علاقات مُمرضة، والتي يُطالبك فيها الطرف الآخر، بما هو فوق واجباتك، بدون أن يُعطيك حقوقك. الأسوأ من ذلك هي العلاقة الميّتة، التي يعيش فيها كل طرفٍ بسلامٍ مع الآخر، ولكنه سلام أشبه بالموت، فلا واجبات ولا حقوق، وبالتالي بلا مودة أو سكينة.
والنوع الأخير من العلاقات، هي العلاقة المُميتة، وهي كل علاقة لا تُرضي الله، والتي دائماً ما تكون نهايتها سيئة.
10- نصائح في نجاح العلاقات
في جملٍ قصيرة وبليغة، اختتم ياسر الحزيمي البودكاست، عن كل ما قد يُساعد في أن يكون لنا علاقات ناجحة مع أصدقائنا وشركائنا في العمل وفي الحياة.
فيقول مثلاً:
"لا تصنع العدوات، ولكن رحّب بها إن أتت، فإنسان بلا عداوات، هو إنسان بلا مبادئ".
يقول أيضاً جملة دقيقة المعنى لمن يفهم، وهي أنّ جودة أداء الإنسان في علاقاته مع الآخر مرتبطة بمشاعره، أي أنّ ما نُقدّمه للآخر هو ببساطة ما نشعر به تجاهه فعلاً، إن آمنّا جميعاً بذلك، لن يجرؤ المتحجّجون بالأعذار والمُنشغلون على الدوام وسيئو الخُلق على تبرير أفعالهم تلك.
في العلاقات، النّدية هي الأصل، يُشبّهها الحزيمي بالأرجوحة، فلابد وأن نتبادل الأدوار فيها معاً، صعوداً وهبوطاً، بلا ظلمٍ لأي طرف.
دُررُ غالية حقاً، وعلمٌ نافعٌ بصدق، وتجربة مثمرة لحوارٍ راقٍ، استمتعت بها كثيراً، وسأجعلها نُصب عيني، حتى تكون لي بإذن الله، منهاجاً في التعامل مع الآخرين.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.