"المصلحة العامة للدولة"، و"الأمن القومي للدولة".. بات مثل هذين المصطلحين الديباجة الجاهزة والذريعة الأقوى والغطاء النافذ للحكومات للقيام بما تريده بالشكل الذي لا يقبل النقاش أو المساءلة؛ حتى أقنعت نفسها بصوابية قراراتها وسلامة إجراءاتها بناءً على القدسية والهالة الكبيرة التي منحتها هي بنفسها لهذه المصطلحات.
إنها أعظم كذبة استخدمها الحكام على مر التاريخ لتحقيق مآربهم ومصالحهم الخاصة، أو حماية عروشهم وشخوصهم من الزوال.
شخّص "أفلاطون" ذلك جيداً بقوله: حكام الدولة هم الأشخاص الوحيدون الذين يعتقدون أنه متاح لهم شرف الكذب! سواء في الداخل أم في الخارج، إنهم يعتقدون أن بإمكانهم الكذب من أجل مصلحة الدولة!
هذا يفسر دور رجال السياسة في تكريس غموض هذه المفاهيم، وعلى رأسها الأمن القومي، بهدف توفير فرصة أكبر من المناورة على المصطلح، سواء في أغراض الاستهلاك الداخلي أم الصراع الخارجي.
لذلك قال "بيل موري": إن كذبنا على الحكومة فتلك جناية، وإذا كذبت الحكومة علينا فهي سياسة!، وتحت غطاء "الأمن القومي" للدولة تجد الحكام والسلطات يعطلون القوانين والتشريعات، وقد اختلقوا لذلك ألف طريقة، منها فرض قانون الطوارئ على المستوى الداخلي، أو افتعال الحروب والنزاعات على المستوى الخارجي.
لا أعلم كيف نسيت الثلة القليلة الممثلة بالسلطات الحاكمة أن مصلحة الدولة هي "مصلحة شعبها" بالأساس وليس مصالحها الشخصية أو الحزبية الضيقة.
إذا كان الفقر في الوطن غُربة؛ فإن فُقدان العدالة فيه أقسى الغُربات
نعم.. إذا كان الإنسان فقيراً لا يجد أدنى السُبل لتوفير قوت يومه أو طعام أطفاله فإنه يعيش كالغريب في وطنه، رغم وجوده بين ظهراني أهله وأقاربه وأصحابه؛ وفي المقابل فإن الغني ميسور المال والرزق والحياة في بلاد الغُربة يمكن أن يشعر كأنه في وطنه، لأنه وجد مقومات العيش والاستمرارية هناك.
لكن الأخطر من ذلك أن الحكومات المسؤولة عن أمانة شعوبها ورعاية شؤونها، والتي لم تنجح في توفير لُقمة العيش لهذا الفقير أو تيسيرها له على الأقل؛ إذا أضاعت العدالة في الوطن أيضاً ولم تحارب الظلم وتكافح الفساد، فإن المواطنين حتماً سيعيشون أقسى شعور للغُربة والضياع في وطنهم، وسيفقدون بالضرورة القدرة على التضحية والعطاء من أجل هذا الوطن.
هذا يقودني دائماً إلى الرجوع بالتفكير في جدلية أيهما أولى وأهم: الوطن أم المواطن؟ "الأرض أم الإنسان"؟
لعلي وجدت بعض جوابي في مقولة "أدولف هتلر" التي استوقفتني كثيراً حيث قال: "القائد الذي يخسر الأرض ولا يخسر الشعب يستطيع أن ينهض وينتصر، أما القائد الذي يكسب الأرض ويخسر الشعب، فلا يمكن أن ينتصر أبداً".
أسس ومبادئ الحكم الراشد
تتمثل أهم الأسس والمبادئ التي يقوم عليها الحكم الراشد فيما يلي:
المشاركة: حق الجميع في المشاركة في اتخاذ القرار، إما مباشرة أو بواسطة مؤسسات شرعية تمثل مصالحهم، وحرية التجمع وحرية الرأي وتوفر القدرات للمشاركة.
الفعالية والكفاءة: توفير القدرة على تنفيذ المشاريع بشكل جيد وفي الوقت المناسب وبأدنى التكاليف، وذلك استجابة إلى احتياجات المواطنين وتطلعاتهم.
الشفافية: توفير المعلومات الدقيقة في مواقيتها، وإفساح المجال أمام الجميع للاضطلاع على المعلومات الضرورية والموثقة.
المحاسبة والمساءلة: وتعني تحمل مسؤولية اتخاذ القرار والنتائج المترتبة عليه، وإتاحة الفرص لاستجواب المسؤولين عن تصرفاتهم.
حكم القانون: يعني مرجعية القانون وسيادته على الجميع من دون استثناء، انطلاقاً من حقوق الإنسان بشكل أساسي.
الإنصاف والمساواة: أي المعاملة العادلة وغير المتحيزة للجميع، فضلاً عن التوزيع العادل لثمار التنمية وأعمالها، وإيجاد الفرص المتساوية للجميع لتحقيق الارتقاء الاجتماعي من أجل تحسين أوضاعهم.
إقامة المؤسسات: فالحكم الراشد يقوم على مؤسسات اقتصادية، سياسية، اجتماعية، حكومية، غير حكومية… إلخ، وتكون فعالة وموجودة فعلاً وتمارس نشاطها بكل حرية من أجل تحقيق الصالح العام.
الرؤية الاستراتيجية: هي الرؤية المنطلقة من المعطيات الثقافية والاجتماعية الهادفة إلى حسن تسيير شؤون الناس وتنمية المجتمع والقدرات البشرية.
اللامركزية: هي مبدأ توزيع السلطات بين أفراد المجتمع، من خلال التوزيعات الجغرافية للدولة، بهدف إدارة شؤونها والحفاظ على حقوق الفرد داخلها.
إن أساس قبول المواطنين في الدولة لإجراءات حكامهم التي ترمي فعلاً لتحقيق المصلحة العامة؛ يتطلب شرعية السلطات القائمة على الحكم وتمثيلها الحقيقي لشعبها وأمتها أولاً، ثم تحقيقها لقيم العدالة والمساواة وباقي مرتكزات الحكم الرشيد في الدولة، بما يضمن رصيداً كافياً من الثقة لدى المواطنين تجعلهم يتبنون قرارات تلك السلطات وإجراءاتها.
وأخيراً.. أكثر ما نخشاه اليوم بدء استخدام هؤلاء الحكام والسلطات لمصطلح "إدارة الأزمات" كمرادفة معسولة وجديدة لـ"مصلحة الدولة وأمنها القومي".
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.