حرصت حركة حماس قبل عملية تل أبيب بشارع "ديزنغوف"، رغم كل الضغوطات من القواعد والشارع الفلسطيني، على البقاء في الظل، وعدم تبني العمليات المسلحة، أو الحديث عن نشاطها العسكري، وذلك لأسباب واعتبارات كثيرة السياسية منها والعسكرية.
أولاً: الضغوطات المصرية والقطرية لتهدئة الوضع وعدم جر حماس لحرب استنزاف دون جدوى سياسية أو حياتية معيشية تزيد من بؤس المواطنين في غزة، ورغبة النظام المصري بأن يبدو أنه صاحب تأثير، ودور استثنائي على المقاومة الفلسطينية، وخاصة حماس والجهاد الإسلامي.
ثانياً: الهدوء مقابل تخفيف الحصار، وتسهيل حركة معبر رفح مع مصر، والهدوء الأمني في الجبهة الجنوبية بين مصر وقطاع غزة.
العلاقات الإقليمية والدولية
رغبت حماس في فترة بناء القوة العسكرية أن تبني العلاقات الدبلوماسية على الصعيدين الإقليمي والدولي، وهذه الخطة كانت تحتاج إلى تمهيد سياسي وتهدئة عسكرية، حيث كان تبرير العمل العسكري وتصعيده، أو تسخين جبهة قطاع غزة يواجه صعوبة في تفهمه.
الكيان الصهيوني كان يروِّج لواقع الانفصال بين الكيان وقطاع غزة على اعتبار أنها انفصلت جغرافياً وسياسياً عن الضفة الغربية، ولها حكومة خاصة بها تمثلها تنافس السلطة الفلسطينية.
لكن حجم المسؤولية وحجم الثمن الذي تدفعه حماس في كل معركة كان له تأثير كبير على طبيعة القرارات لدرجة اعتقد الاحتلال أن حماس غير مستعدة للحرب، وأنها قبلت بالهدنة لدرجة الردع الذاتي، حتى إنها رأت في الحرب الأخيرة مع الجهاد ترجمة لهذا التقدير الاستراتيجي.
الاعتبارات الأمنية
أولاً: صراع حماس مع أجهزة الكيان الصهيوني داخل القطاع استنزفت طاقات وجهوداً كثيرة نجحت في بعضها، وفشلت في البعض الآخر، فكانت أجهزة الاحتلال الأمنية وصلت عبر عملائها وقواتها الخاصة إلى نقاط مميتة في صراع المعلومات بين الطرفين.
قطاع غزة أخذ الكثير من الجهود لبناء القوة وحماية المقاومة وتعزيز القدرات العسكرية والاستخبارية، والتنوع في وسائل الصراع وتطوير الإمكانيات على صعيد "السايبر، والطائرات المسيرة والقوة الصاروخية"، ومعركة حماس مع أجهزة التخريب والتجسس لم تنتهِ ولن تنتهي، وسوف يحاول العدو إنهاك حماس حتى تنشغل بقطاع غزة وأزماته الاقتصادية.
ثانياً: نجحت السلطة في قمع كل الفصائل المعارضة بالضفة الغربية؛ لقيامها بدورها الوظيفي والأمني وسيطرة السلطة الفلسطينية على الضفة الغربية، بالتنسيق مع إسرائيل، وأجهزتها الأمنية بالتنسيق الميداني وتبادل المعلومات حتى لا تسيطر حماس على الضفة الغربية.
هذا الوضع مثَّل تحدياً كبيراً لبناء قوة عسكرية خاصة بـ "كتائب القسام"، التابع لحماس؛ لذلك أخذت عملية البناء وقتاً طويلاً، واحتاجت إلى السرية وعدم استعراض أي قوة عسكرية في الضفة الغربية، رغم كل الضغوطات وملاحقة السياسيين والدعويين.
ثالثاً: التدريب والسلاح مثَّلا أكبر تحدٍّ لحماس بتدريب مجموعات عسكرية، وتوفير السلاح والدعم اللوجستي لها، وقد تكون استعانت بحلفاء لها كحزب الله في هذه المهمة، المسؤولية الاجتماعية أيضاً كانت إحدى العقبات للنهوض بالعمل العسكري وتبعاته على أنصار حماس في الضفة الغربية.
هل تجاوزت حماس كل العقبات حتى تغير طريقة المقاومة في الضفة الغربية؟
لا شك أن قرار حماس بتبنيها لعملية تل أبيب الأخيرة قد يرى منه أن الواقع قد تغير، وأن هناك متغيرات طرأت دفعت حماس لهذا القرار، والإعلان بالوقوف وراء العمليات المسلحة داخل الأراضي المحتلة، منها التالي:
- ضغط الرأي العام الشعبي، وضغط القواعد؛ حيث تزايدت جرائم الاحتلال ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية وعلى المقاومين؛ مما نتج عنه حجم التضحيات والعبء الكبير على الضفة الغربية.
- تراجع نفوذ السلطة المحفز الآخر لاتخاذ القرار، وجرأة شوارع الضفة في مواجهة السلطة والخطاب المتوتر والمتبادل ضد رئيس السلطة "عباس أبو مازن"، وحسين الشيخ وماجد فرج مثل حافزاً مهماً لدى حماس في اتجاه الإقرار وإعلان تبينها لعملية تل أبيب.
- فشل مؤتمر العقبة على الأرض، والتدخل المباشر لجيش الاحتلال في مناطق السلطة لملاحقة المقاومين وتصفيتهم.
يبدو أن مرحلة البناء والتكوين لكوادر المقاومة في الضفة الغربية قد تم تجاوزها وأن مجموعات حماس في الضفة الغربية مستعدة لتحمل الضربات، وأن حماس في قطاع غزة ستساندها مباشرة ميدانياً ولوجستياً بالمال والسلاح.
معادلة نفاد الصبر
إن نفاد صبر المقاومين في الضفة قد تزايد بوصول حكومة "نتنياهو" المتطرفة؛ حيث مثلت في الحقيقة عبئاً كبيراً وضغطاً نفسياً وتحدياً للمقاومة، وخاصة حماس في غزة، حيث لم يعد لدى قواعد حماس قبول أي تصعيد لا تشارك فيها حماس بقوة، بالإضافة لتوجه حماس لبناء قوة عسكرية لحرب استنزاف طويلة المدى لتحقيق أهداف تكتيكية مثل خطف جنود.
ويؤكد هذا الطرح ظهور المجموعات المسلحة العلنية في الضفة الغربية، مثل كتائب جنين وعرين الأسود في مناطق الضفة، واتساع جغرافية الكفاح المسلح، وانتشار عمليات الذئاب المنفردة لهو دليل على دقة التنظيم المسلح التي تتمتع بها حركة حماس.
إن تطور المشهد السياسي داخل الكيان الإسرائيلي والصراع الداخلي لحظة مهمة في عمر المقاومة لتصعيد كفاحها المسلح، والاستفادة من التفكك والتآكل داخل المجتمع الصهيوني.
إن الانعطاف والانحياز الجماهيري في الضفة الغربية لصالح المجموعات المسلحة وكراهية السلطة ودورها الوظيفي الأمني لحماية الكيان الإسرائيلي، في مقابل فشلها في حماية الفلسطينيين من هجمات المستوطنين وجيش الاحتلال، كان حافزاً لدى شعب الضفة الغربية بإظهار كراهيته للسلطة الفلسطينية ودعمه للمقاومين.
اكتساب المناعة
حفز تطور بيئة المقاومة في الضفة الروح المعنوية، والتضحية وحب المقاومة والدعم المجتمعي لعبت دوراً في قرار حماس الإعلان عن المرحلة الجديدة، كما أن اعتراف إسرائيل بقدرات عناصر المقاومة المسلحة على استخدام السلاح والتكتيكات العسكرية والحرفية في استخدام الكمائن والهجوم محفز كبير جداً لهذه المرحلة التي تسعى حماس لها بنقل المقاومة المسلحة للضفة الغربية.
ختاماً.. إن إعلان حماس عن هذه المرحلة مثَّل صدمة لتقديرات إسرائيل وحساباتها بفصل حماس والمقاومة في القطاع عن الضفة الغربية وفشل الفصل الجغرافي.
لقد تم إسقاط الاعتبارات السياسية المبنية على العلاقات الإقليمية، وتضاءل تأثير الدور الإقليمي في التأثير على قرار المقاومة، بعد أن تطوع لخدمة الكيان والتطبيع معه.
إن التلويح بسلاح العبوات المفخخة إشارة لقلب كل الأوراق والانقلاب على قواعد اللعبة في المنطقة، وإسقاط الفيتو عن كل الوسائل القتالية في الصراع مع الكيان المحتل.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.