عندما تحركت الولايات المتحدة الأميركية في صفقة القرن في عهد "ترامب"، وضعت الإدارة الأمريكية حينها لنفسها ولحليفها الاستراتيجي إسرائيل أهدافاً مرحلية واستراتيجية.
من الأهداف المرحلية في اتفاقيات "أبراهام" هو بناء تحالف إقليمي في الشرق الأوسط على شكل تكتل الناتو لمواجهة التهديد الإيراني، خاصة مع اقتراب نسبة تخصيب اليورانيوم في مشروعها النووي، فقد اقتربت جداً من نسبة 90% حيث وصلت لحدود 83.6% من نسبة التخصيب والتي تؤهلها لامتلاك السلاح النووي.
إسرائيل تعاني من التهديد الإيراني وتعتبره مشكلة وجودية، وقد عقد الكيان الصهيوني مع الدول العربية المُطبعة خطوات تمهيدية في تأسيس تحالف مشترك لمواجهة التهديد الإيراني في منتدى العقبة الأول والثاني بمشاركة مصر والأردن والبحرين والإمارات والمغرب وبإشراف أمريكي، لكن هذا التحالف كان يريد إشراك السعودية لكنها تمنّعت عن الحضور والمشاركة في أعماله.
السعودية بدأت فعلاً منذ فترة تغيير استراتيجيتها في التعامل مع الملف الإيراني وتفكر تدريجياً خارج الصندوق الأمريكي، وظهر ذلك جلياً في أزمة "أوبك بلس" حينما قامت برفع إنتاج النفط حيث رفضت المقترح الأمريكي.
وقد رفض ولي العهد "محمد بن سلمان" المصادمة مع إيران وأراد التقارب معها بالحوار والحلول الدبلوماسية والسياسية، وإبطال مفعول الصدام والمواجهة، خاصة مع معاناة السعودية في الحرب اليمنية التي تخوضها السعودية ضد الحوثيين في اليمن لتأمين حدودها في المنطقة الجنوبية.
وقد أدركت السعودية من خلال الأحداث أن أمريكا لا تحمي دول الخليج إلا بالقدر الذي تحمي فيه إسرائيل، باتفاقية "أبراهام" التي خصصت لحماية إسرائيل فقط وليس حماية دول الخليج العربي، والخروج السريع والمفاجئ للولايات المتحدة الأمريكية من أفغانستان وإغفال حلفائها في الحرب ومعاونيها؛ ما سبب حالة من الصدمة للجميع وبدأ الحديث عن تراجع الدور الأمريكي.
استراتيجياً، جعلت الولايات المتحدة الأمريكية توجيه سياستها الخارجية في المنطقة لرعاية وحماية إسرائيل فقط، وهذا ما تؤكده الزيارة الإغاثية الأخيرة التي قام بها الأمريكيون نحو إسرائيل، ومنها زيارة وزير الدفاع الأمريكي "أوستين ويلد".
تصريحات إسرائيلية متخوّفة من الاتفاق
لقد صرح رئيس الحكومة الإسرائيلية السابق "نفتالي بينيت" بأن "تجديد العلاقة بين السعودية وإيران هو تطور خطير بالنسبة لإسرائيل وانتصار سياسي لإيران"، وقال أيضاً في معرض موقفه من الاتفاق السعودي الإيراني: "إن استئناف العلاقة بين السعودية وإيران يشكل ضربة قاضية لجهود بناء تحالف إقليمي ضد إيران".
فيعتبر كل ما قامت به أمريكا وإسرائيل من خلال اتفاقات "أبراهام" هو فشل ذريع حمّل حكومة نتنياهو مسؤولية فشله. ومن جهة "الولايات المتحدة الأميركية"، قال مسؤول المجلس الأمن القومي الأمريكي: "إن السعوديين أبلغوا الأمريكان باتصالاتهم مع الإيرانيين وإن الولايات المتحدة الأمريكية ليس لها دور أو مساهمة فيما تحقق من هذا الاتفاق".
وفي معرض رده عن سؤال: هل هذا الاتفاق بين السعودية وإيران يشكل تهديداً لاتفاقيات "أبراهام"، ويشكل اختراقاً له؟ قال: "ليس واضحاً ما إذا كان ذلك سيؤثر على اتفاقات (أبراهام)".
كما أفاد موقع "والا" الإسرائيلي، نقلاً عن مسؤول إسرائيلي، أن "الاتفاق السعودي الإيراني سيؤثر على إمكانية تطبيع العلاقات بين الرياض وتل أبيب"، مشيراً إلى أن "السعوديين بدأوا المحادثات مع إيران في عام 2021 عندما شعروا أن الولايات المتحدة كانت تتعجل لإبرام اتفاق نووي جديد مع طهران".
للصين دور رئيسي في الاتفاق
إن استئناف العلاقات بين السعودية وإيران سيشمل تبادل السفراء في الشهرين القادمين، وتفعيل الاتفاق الأمني العسكري لعام 2001، وتفعيل الاتفاق العام بينهما لعام 2015، وما تميز به هذا الاتفاق أنه كان بإشراف صيني ورعايته، وهو الخصم الأهم لأمريكا.
الصين ألقت بثقلها وحجمها في منطقة حساسة للغاية؛ حيث كانت بعيدة عنها في السابق لكنها دخلتها بحكم أن الصين شريك استراتيجي في الاقتصاد والتنمية والاستثمارات، وأن تهدئة الوضع يعود بالفائدة على الصين، كما أن السعودية بالشراكة مع الصين تجعلها تعي أن لا فائدة مرجوّة من الحرب أو توجيه ضربة عسكرية لإيران، ودخول الصين من بوابة الشرق الأوسط هو دخول في معترك الصراع بينها وبين أمريكا لزعزعة نفوذها.
إسرائيل والمخرج من الأزمات الداخلية
إسرائيل تريد توجيه ضربة عسكرية لإيران لتخرج من أزمتها، لأن الحكومة الإسرائيلية المتطرفة بقيادة "نتنياهو" تريد نقل الصراع السياسي في إسرائيل إلى الخارج، وجرّ المنطقة كلها إلى الحرب، فقامت الصين مع السعودية وإيران بهذا الاتفاق لإبطال مفعول الحرب إن حدثت.
وما يؤكد وجهة النظر هذه تصريح رئيس لجنة الشؤون الخارجية والأمنية "يولي اندليشتاين" في الكنيست الإسرائيلي؛ حيث قال: "إن العالم لا يتوقف ونحن مشغولون الآن بالصراعات بين مختلف القوى السياسية وأن إيران والسعودية اتفقتا الآن على تجديد العلاقات بينهما، وهذا أمر سيئ للغاية لإسرائيل".
مع هذا الإقرار الإسرائيلي بخطورة الاتفاق السعودي الإيراني، فإن هذا الاتفاق قد ألحق ضرراً باسرائيل؛ حيث توجه رئيس اللجنة الخارجية والأمنية بالكنيست بنداء إلى المجتمع الإسرائيلي، فقال: "لقد حان الوقت للجلوس والتحدث لحل خلافاتنا من أجل لم شملنا واتحادنا ضد التهديد الوجودي الذي نواجهه".
ما يؤكد أن الاتفاق الإيراني السعودي قد يُحدث حالة اختراق لاتفاقية "أبراهام" هو وجود حالة من القلق والرفض السعودي للاتفاقية حيث رفضت المشاركة فيها.
في شهر يناير/كانون الثاني الماضي، صرح وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان بأن الاتفاق حول إقامة دولة فلسطينية سيكون شرطاً مسبقاً للمملكة، لإقامة علاقات دبلوماسية رسمية مع إسرائيل.
حيث صرح في مقابلة مع تلفزيون "بلومبيرغ" في دافوس بسويسرا: "قلنا باستمرار إننا نعتقد أن التطبيع مع إسرائيل هو شيء يصب في مصلحة المنطقة إلى حد كبير، ومع ذلك فإن التطبيع الحقيقي والاستقرار الحقيقي لن يتحقق إلا من خلال إعطاء الأمل للفلسطينيين، من خلال منح الفلسطينيين الكرامة، وهذا يتطلب منح الفلسطينيين دولة، وهذه هي الأولوية".
لذلك أرى أن التقارب السعودي الإيراني مسمار جديد دقّ في نعش التطبيع الإسرائيلي العربي وبداية انهيار حقيقي لاتفاق "أبراهم"، والذي أبرم خصيصاً لكبح جماح المقاومة الفلسطينية التي تسعى لتحرير أرض فلسطين.
لكن يظل السؤال: هل بتطبيع العلاقات بين الرياض وطهران سيتم من خلاله تشكيل حلف إقليمي جديد معادٍ للمصالح الأمريكية، أم أنها مجرد تهدئة لمنع حرب إقليمية تسعى لها أمريكا وإسرائيل وقد تعاني منها السعودية؟
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.