الاتفاق السعودي الإيراني.. هل يجنّب الرياض تبعات مواجهة محتملة بين إيران وإسرائيل؟

عدد القراءات
909
عربي بوست
تم النشر: 2023/03/13 الساعة 14:02 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/03/13 الساعة 14:02 بتوقيت غرينتش
السعودية وإيران توقعان الاتفاق برعاية الصين/ رويترز

جهود التقارب بين المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية الإيرانية بدأت بجهود من سلطنة عمان والعراق؛ سلطنة عمان تتبنى خطاً دبلوماسياً ينوء بها عن الصراعات العميقة أو السطحية بين الأقطاب الاقليمية، وهي لمن لا يعلم تختلف عن جوارها تاريخياً باستقلالها، ووجودها التاريخي.

لكن الوساطة الصينية التي فاجأت الجميع، والتي أعلنت عن التقارب السعودي الايراني جاءت في توقيت نال فيه الرئيس الصيني الولاية الثالثة، لكن ما لفت نظري أولاً أن عودة العلاقات خلال شهرين! ولماذا ليس فوراً؟.

دعني أترككم هنا وأستعرض سيناريو تخيلياً؛ فرضاً إذا قامت حرب محدودة بين إسرائيل والولايات المتحدة، إحداهما أو معاً، ضد إيران، وهي حرب قائمة بالفعل منذ عقود، ولكن فلنقل إن طرفاً ما قام بتدمير البنية الأساسية النووية لإيران، وأن الضربة حققت نجاحاً ما بين نسبة 50: 60٪، وكان موقف الدول الخليجية وبالذات السعودية متعاطفاً مع أو منحازاً للضربة، فبالتالي فإن أسهل رد ايراني هو تدمير القدرة الإنتاجية للنفط ومصافي التكرير في المنطقة الشرقية بالسعودية، وسيكون ذلك بالحد الأدنى من الأسلحة الحديثة والصواريخ متعددة المراحل والعابرة للقارات.

في هذه الحالة، سيصاب الغرب بضربة قوية وموجعة، لكن الضربة الأكبر ستصيب الصين وهي أكبر مستورد للنفط السعودي منذ عامين، لكن في المقابل فالولايات المتحدة لديها اكتفاء ذاتي، وقد تستطيع إذا ما انفجر سقف الأسعار نتيجة للحرب التخيلية، أن تصبح أكبر مصدر للنفط في العالم بإطلاق إنتاج النفط الحجري، لكن إعادة بناء الاقتصاد الخليجي أو السعودي قد يحتاج لعقد من الزمان إذا افترضنا انتهاء المواجهات سريعاً.

الدبلوماسية الإيرانية 

إيران تستخدم دبلوماسية قوية منذ عدة عقود، وقد استطاعت الوصول لصفقة تاريخية بخصوص القلق الإسرائيلي الأمريكي بمفاوضات خمسة زائد واحد تحت إدارة "باراك أوباما"، ولكن الإدارة الأمريكية خرجت من الاتفاق بعد سنة من توقيعه تحت إدارة "دونالد ترامب".

في المقابل، إيران تضغط بشدة على دول العالم لجعل أمريكا تعود للاتفاق، ومفاوضات جارية منذ تولي إدارة "جو بايدن"؛ حيث تدعو لعودة المحادثات حول الاتفاق النووي الإيراني. منذ أيام سرّبت إيران خبر زيادة تركيز اليورانيوم إلى 83٪ وهي نسبة قريبة جداً من 90٪ وهي نقطة التحول الى اليورانيوم المستخدم في الأسلحة النووية.

الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي (Getty images)

الاتفاق الإيراني السعودي

نعود للتقارب الإيراني السعودي؛ فهناك نقاط مازالت عالقة، وهي تحمل انتصارات، وانكسارات هنا وهناك، أهمها ملفا سوريا واليمن وقد حملهما ولي العهد محمد بن سلمان قبل وصوله للولاية حينما كان وزيراً للدفاع، والملفان يحملان قدراً من الانكسار للسعودية، فالنظام السوري باقٍ ببشار الأسد، وبدعم إيراني أولاً وروسي ثانياً، واليمن استنزف مالياً قدرات السعودية والإمارات للعديد من السنوات دون بارقة أمل لانتصار السعودية وحلفائها هناك.

من زاوية أخرى، الغرب وفي القلب منه الولايات المتحدة تكسّبوا من الإنفاق العسكري ثم حظروا توريد الأسلحة لفرض وقف إطلاق نار، أما لبنان فهو يغرق اقتصادياً، وتوقفت إيران عن دفع الدعم لحزب الله لتدخله في سوريا، والسعودية توقفت عن دعم الحكومة اللبنانية التي سيطر على تشكيلها حزب الله، وهكذا خسر لبنان تمويل الاثنين. 

إن الاتفاق الصيني والتقارب السعودي الإيراني بارع سياسياً، ولكنه لأغراض دعائية أكثر منها واقعية، فالسعودية تأمل من الاتفاق النأي عن أخطار حرب قد تطال خسائرها المملكة ومنشآتها النفطية، وإيران تريد فتح شرخ في الجبهة الأمريكية الإسرائيلية المتحالفة مع بعض الدول السنية التي تحاول الدبلوماسية الإيرانية عرقلتها. 

السلام والمصالحة بين إيران والسعودية يهدر منفذاً للنجاة في مصر؛ حيث كانت تتعشم أن تقوم بدور عسكري مدفوع الأجر ينقذ مصر من مشاكلها الاقتصادية، كما أن المناورات الدبلوماسية المصرية بالمصالحات مع تركيا أو قطر أو حتى إحياء الغيرة الإماراتية السعودية قد صار ملفاً ثانوياً في مواجهة تلك الأحداث.

ماذا تملك الأطراف الأخرى لفعله إزاء الإعلان الصيني؟ كم مرة أعلنت دول عربية المصالحة أو الوحدة الاندماجية ثم عادت لشفير الحرب أو تجاوزته؟ هناك مثال مهم لهذه المناورة، وهو عندما أدرك الاتحاد السوڤييتي أن ألمانيا النازية بصدد حرب كبرى، توصلت الدبلوماسية السوفييتية إلى معاهدة بين "جوزيف ستالين"، و"أدولف هتلر" بعدم الاعتداء، وسرياً بتقاسم بولندا، إلا أنه حتى الانتصارات الألمانية الكبرى لم تثنِ "هتلر" عن غزو الاتحاد السوڤييتي بدون ذرائع في يونيو/حزيران 1941م.

 هل من الممكن أن تحمي إيران منشآتها النووية؟

هناك متغير مهم وهو أن إيران ستتزود بمنظومة الصواريخ الروسية "إس 400" قريباً، وهذا قد يجعل من الضربة الاستباقية الإسرائيلية والأمريكية على المنشآت النووية شبه مستحيلة أو يجعل احتمالات نجاحها صفراً.

وصول الصواريخ الروسية المضادة للطائرات لإيران هو إغلاق لنافذة الضربة، فنحن فعلياً أمام سباق دبلوماسي استعداداً للحرب وليس تفادياً لها، فما يمنع وصول الصواريخ الروسية لإيران هو تسوية سريعة في أوكرانيا باتفاقية تحفظ ماء وجه بوتين قبل مايو/آيار القادم، فـ "بوتين" بعد أن خصخص الحرب وترك معركة "باخموت" لقوات فاغنر الروسية لعدة شهور دون نصر، جعل رئيس شركة "فاغنر" ينتقد العقيدة العسكرية الروسية وطريقة إدارة الحرب.

نحن إذن أمام مهلة زمنية لكل الأطراف؛ امتداد الحرب في أوكرانيا يعني من ضمن ما يعني وصول منظومة "إس 400" لايران، فإما ضربة عسكرية لإيران قبل وصول المنظومة، وبالاتفاق قد تنجو المملكة العربية السعودية من الآثار المدمرة لردة الفعل الإيرانية أو استسلام أمريكي إسرائيلي لإيران النووية.

وأما ما سيجعل السعودية السُّنية في مواجهة إيران الشيعية، فالدولتان في الأساس متبنيتان الرؤى العقدية المختلفة؛ مثل الاتحاد السوفييتي وألمانيا أثناء الحرب العالمية الثانية؛ لذلك ستعتمد سلامة المملكة العربية السعودية على رغبة الصين في إقرار السلام الصيني في الشرق الأوسط.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

شريف العصفوري
روائي وكاتب مستقل
تحميل المزيد