قدمت مخرجة فيلم moxi المعروض على منصة "نتفليكس" للمشاهد أهم مسألة في النظرية النسوية، لذا ركّزت في المشهد الأول على الطبيعة، وجعلت البطلة تبدو في عين المشاهد وكأن جسمها عالق وتحاول الهروب من واقعها، غير أن القيود الطبيعية تسيطر بالقوة على جسمها فتعيقها عن الحركة نهائياً.
نستنتج من المشهد السابق إشكالية الجسد في الفكر النسوي، وأساس الصراع القائم بين النظرية النسوية والفكر الأوروبي ونظرته القاصرة لجسم المرأة، إذ يرتكز الخطاب الأبوي دائماً على العقل، بينما مركزية المرأة في جسمها، فهي أقرب للعالم المادي بوصفها قادرة على الإنجاب، وبالتالي كانت أقرب للطبيعة.
المشهد يُوّلد انطباعاً عاماً عن الظلم الأبوي الذي تواجهه المرأة بسبب جسمها. النظرية النسوية أخذت مركزية البناء الدرامي لهذا الفيلم فنُسجت عناصرها. الوظيفة الدرامية للبطلة في هذا العمل هي إعادة تفكيك سلطة النظام الأبوي، وإعادة تطهير مؤسسات الدولة من جميع الأفكار والثقافة الأبوية المهيمنة.
الادعاءات النسوية الراديكالية في الفيلم
ونظرا للهيمنة الذكورية والثقافة الأبوية الناتجة عن توغل النظام الأبوي في حياة المرأة، تسعى البطلة إلى تغييرالنظام جذرياً بأدوات ثورية، وهنا تكشف البطلة عن وجهها النسوي الراديكالي، الذي يتصارع مع الاستبداد الأبوي، ويمتد الصراع بين البطلة والمجتمع الذكوري داخل المدرسة والأسرة.
فتشعر البطلة بإقصائها من مراكز القوة مثل التعليم والإعلام والسلطة والعمل، وهذه المواقع الحساسة هي التي استولى عليها النظام الأبوي، وأعاد من خلالها إنتاج المعرفة والثقافة الأبوية وأعاد ترسيخها في الوعي الجمعي، بينما تم إقصاء المرأة وإبعادها عن هذه المواقع المهمة على أساس جنسها.
وبأدوات نسوية راديكالية تشعل البطلة ثورتها على النظام الأبوي، وتبدأ من المدرسة فتطالب بحقوقها المسلوبة وتلقي خطاباً نسوياً راديكالياً ثورياً على صديقاتها في المدرسة، فتشكل حراكاً نسوياً يدفعها لمواجهة النظام الأبوي، ورغم اختلاف القضايا بين النسويات فإن الهدف هو القضاء على النظام الأبوي، والثورة على المفاهيم الذكورية المتحيزة للنظام الأبوي.
وفي السياق العام للفيلم عالجت المخرجة موضوع النسوية السوداء والنسوية البيضاء، والنسويات المثليات بإدماجهن في حراك نسوي راديكالي ثوري، بهدف مواجهة النظام الأبوي القائم وتدمير بنياته الثقافية ومفاهيمه الذكورية، وبهذه المحاولة نجحت المخرجة بتوظيف التقاطعية لصالح الحركة النسوية.
وينتهي الفيلم بخطاب البطلة واعترافاتها للطالبات بأنها المسؤولة عن نشر المخطوطات الثورية داخل المدرسة، وأنها المسؤولة كذلك عن إنشاء هذا الحراك النسوي السري داخل المدرسة، وتبدأ سلسلة الاعترافات بينهن، فتظهر مديرة المدرسة في نهاية الفيلم متأثرة بالخطاب ورافضة لمفاهيم التمييز الجنسي.
لم يخلُ هذا الفيلم من التناقضات السياسية والتمركز حول الذات الأوروبية. ولم تكن البطلة من خارج الحضارة الأوروبية بل من داخلها، لأن فكرة الخلاص داخل الأعمال الدرامية لا يتم تصويرها إلا على أساس عرقي، فمؤسسة الاستشراق الغربي رسمت هذه الصورة النبيلة الناعمة عن الإنسان الأوروبي.
لذا ليس من الممكن أن يتناقض الفيلم مع إرثه الاستشراقي وثقافته الإمبريالية، ولو جاء بلغة حداثية ويسارية ثائرة فإن هذه المفاهيم الفوقية والاستعلائية لا يمكن الاستغناء عنها في الأعمال الفنية، لأنها جوهر الأيديولوجيا الغربية، ولهذا السبب كان القضاء على النظام الأبوي على أيدي فتاة شقراء غربياً.
وانتهى الفيلم بعد الخطاب الذي ألقته الفتاة البيضاء أمام زميلاتها بالمدرسة، وكانت هي الأداة الثورية للحركة النسوية والجناح النضالي الثائر للحركة. ولم تكن الفتاة السوداء التي تتقاطع معها من حيث الاتجاه النسوي هي البطلة.
تاريخ الحركة النسوية هو تاريخ متناقض، والنظرية النسوية ذاتها أيضاً متناقضة، وسبب التناقض يمكن إرجاعه إلى الواقع السياسي الغربي المزدوج. وهذا التناقض جزء جوهري متجسد في تاريخ الفكر الغربي السياسي. فلا يمكن أن نتصور السياسة الغربية وتاريخها والثقافة الأوروبية دون تناقضات.
قضية الجسد في النظرية النسوية
تقوم النظرية النسوية على مبدأ المساواة بين المرأة والرجل في الحقوق. وتدرس النظرية النسوية أسباب عدم المساواة من حيث النظرة للمرأة، وتحلل النظرية النسوية أسباب اللامساواة كونها مرتبطة بنوع الجنس، لذا يأخذ الجسد موقعاً مهماً في التحليلات النسوية، ويعتبر هو أساس الصراع مع النظام الأبوي.
وتزعم النظرية النسوية أن الخطاب الغربي الأوروبي يرتكز على العقل، والعقل حاضر في الفلسفة الغربية "أنا أفكر إذاً أنا موجود" بينما الجسد دائماً يشير إلى نظرة دونية تم ربطها بالمرأة؛ كونها تتصف بصفة الأمومة وهي مهيئة للإنجاب، وفي الوقت ذاته يتم التعامل مع جسمها كونه ملكية عامة للتداول.
نظرية المعرفة والهيمنة الأبوية
وانطلاقاً من الجسد تتخذ النظرية النسوية صراعاتها مع النظام الأبوي، وتتوسع منطقة الصراع فتصل إلى النظرية المعرفية وإنتاج المعرفة من قبل الرجال الذين يهيمنون على مواقع هامة: كالسلطة، والتعليم، وينتجون من خلالها المعرفة الذكورية والمفاهيم الذكورية التي بدورها تعزز التمييز الجنسي.
وتتوسع النظرية النسوية في تحليلاتها للواقع، وتتم إعادة النظر في ماهوية الجسد، باعتبار أن الجسد يتم تفسيره بناءً على مفهومي الذكورة والأنوثة، كونهما مفهومين ثقافيين من إنتاج المجتمع، بحسب تعبير سيمون دو بوفوار في كتابها الجنس الآخر، فإن المرأة لا تولد امرأة بل تصير امرأة وبهذا يعاد تفسير الأنوثة اجتماعياً.
بينما تؤكد الماهوية مبدأ أن الصفة البيولوجية هي الفروقات الأساسية والأبدية بين الرجل والمرأة، وعلى أساس تلك الصفات يتم التعامل مع ماهوية الجسد.
اللغة والتقاطعية في التحليل النسوي
وتلعب اللغة دوراً هاماً في التحليل النسوي كون النصوص تمت كتابتها بلغة ذكورية، لذا يجب إعادة تفكيك اللغة وصياغتها بمفاهيم نسوية، ويرتكز الخط العام في التحليل النسوي على التقاطعية؛ كونها تساعد على توحيد التوجهات المختلفة في الحركة النسوية بين النسوية الاشتراكية والنسوية السوداء عامة.
وتتقاطع النسوية الليبرالية الديمقراطية مع النسوية السوداء والنسوية الماركسية، وتنقلب النسوية المثلية على باقي النسويات، وتتقاطع نسوية
العالم الثالث مع الحركات النسوية الأخرى، فتأتي النسوية ما بعد الحداثة ناقدة على باقي النسويات، ثم تأتي الحركة النسوية ما بعد الاستعمار بنهج جديد ورؤية جديدة، يتم من خلالها تفسير المفاهيم القائمة على الثقافة الإمبريالية.
التناقض المعرفي للنظرية النسوية
تواجه النظرية النسوية مشكلة معرفية لا يمكن تجاوزها، بالإضافة إلى التناقضات السياسية الجوهرية الموجودة داخل هذه النظرية فلا يمكنها الصمود أمام الانتقادات الموجهة للخطاب النسوي، الذي يقدم نفسه للعالم بصفة شمولية، ويتكلم بلسان جميع نساء العالم، ويجعل من قضية المرأة الغربية قضية عالمية.
النظرية النسوية ولدت في مكان وزمان لا عالمي بل غربي أوروبي. لذا لا يمكن لهذه النظرية أن يتم فرضها على نساء العالم، وكأنها تتحدث عنهن وعن قضاياهن بلغة غير لغتهن وثقافة ليست بثقافتهن ومفاهيم غير موجودة بواقعهن، وتأخذ لباساً غربياً تقوم نساء العالم بارتدائه عبر مؤسسات ومنظمات دولية.
النظرية النسوية ساهم في بنائها فلاسفة غربيون ومفكرات غربيات، ولم يشارك في بنائها نساء العالم الآخر، وكانت ردة فعل تجاه النظام الغربي الذي كان يستبد المرأة الغربية ويمنعها من حق التعليم والتصويت والعمل، وعلى هذا الأساس خرجت الحركة النسوية للدفاع عن حق المرأة الغربية البيضاء وحدها. واليوم يتم الحديث عن المرأة في يوم عالمي لا يدل على مصطلح المرأة، بل يعبّر عن معنى مختلف بدلالته الثقافية، يؤكد أن المرأة قد تكون رجلاً عابراً له حقوقه! وبذلك تكون نهاية المرأة في النظرية النسوية والفكر الغربي.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.