"استَيقظ من النوم وهو يشعر بالإنهاك والقليل من الألم في عضلاته ووخم عام، ولكن يجب النهوض فلديه عمل مهم اليوم، قبل الهبوط شعر بأن أزمة الحساسية تهاجمه فقام باستخدام بخاخ الربو، قاد السيارة ولكن عينه غفت لثانية واحدة كانت كافية ليصطدم بسيارة أخرى خرج صاحبها عصبي المزاج للغاية محمر العينين، ليقررا نقل الشجار إلى قسم الشرطة، إلا أن كل ذلك قد تعطل بسبب سيارة الإسعاف التي تنقل سيدة حاملاً جاءها المخاض مبكراً جداً.
بعد يوم طويل وقاسٍ عاد لشقته ليستمع لجارته وهي تحكي لزوجها في المصعد عن جارهم العجوز الذي أصيب بنوبة قلبية في الصباح، ليتساءل بضيق، ما هذا اليوم الغريب؟! هنا فقط تذكر أنه يوم بداية التوقيت الصيفي".
سيتذكر صديقنا هنا أنه قرأ في مكان ما عن أضرار التوقيت الصيفي على الصحة، بينما سيقتحم أفكاره ذكرى أخرى تؤكد أن للتوقيت الصيفي فوائد عديدة على الطاقة والاقتصاد، لذا وهو يضع رأسه فوق الوسادة أخيراً في نهاية اليوم سيخطر بباله سؤال مهم: هل التوقيت الصيفي مفيد أم ضار؟
صديقنا بطل القصة القصيرة التخيلي في الأعلى ليس هو الوحيد الذي يتساءل هذا التساؤل، ولا الوحيد الذي ربط بين مثل هذه الحوادث والتوقيت الصيفي، بل مع خبر عودة التوقيت الصيفي إلى مصر مرة أخرى بعد إلغائه منذ 8 أعوام، يظهر على السطح الجدل العلمي العالمي المحتدم على مدار عقود خاصة في الـ40 عاماً الأخيرة مع تطور أبحاث النوم وفكرة الإيقاع الحيوي والساعة البيولوجية، فما بين رفض أغلب علماء البيولوجي والأطباء للتوقيت الصيفي، يرى علماء الطاقة والاقتصاد أن فائدته أكبر من ضرره المحدود، ويظل الجدل يحتدم.
قصة التوقيت الصيفي
عندما كنت طفلة كنت أشعر أن التوقيت الصيفي خلق كي يثير الارتباك، كمُحبة للشتاء كنت أنزعج من كثرة الضوء، يشعرني بغياب الطبيعة، كون الساعة السابعة مساءً وأذان المغرب قد أذن وربما العشاء، ورغم ذلك الشمس مازالت ساطعة في السماء. كنت أتساءل: لماذا يحدث هذا؟ فأتذكر في أبريل حيث الربيع عندما قمنا بتقديم الساعة في الثانية عشرة مساءً لساعة واحدة، فتصبح فجأة الساعة الواحدة صباحاً، فزعت وقتها فقد اقترب ميعاد الاستيقاظ للمدرسة وتقلص وقت النوم ساعة.
في الأيام التالية لتغيير الساعة، كان يظل الكبار يتساءلون: "الساعة كام؟"، فكان الرد يأتي كوميدياً حقاً، حيث يستمرون لعدة أيام يقولون الساعة بصيغة عجيبة "الساعة الآن السادسة والتي هي في الأصل الخامسة".
يظلون لأيام قد تصل لأسبوع لا يذكرون الساعة الحالية إلا ويجب أن يذكروا أصلها السابق، في إشارة واضحة لارتباكهم الزمني، ولكن لم تكن هذه بطبيعة الحال البداية.
ففي عام 1906 قامت بعض المقاطعات في كندا بتطبيق التوقيت الصيفي لأول مرة، رغم أن الأكثر شهرة هو بداية استخدامه بشكل رسمي في ألمانيا والنمسا إبان الحرب العالمية الأولى عام 1916 لتوفير الطاقة، ولكن على أرض الواقع فإن كندا كانت أول من طَبق التوقيت الصيفي في هدوء وصمت.
فالشمس التي تشرق مبكراً في الصيف أثارت حماس الكثيرين للاستفادة منها، فبدلاً من استخدام الشموع قديماً ثم الكهرباء حديثاً في الإنارة والضوء الاصطناعي مساءً، فهذه الساعة المقدمة ستعطي الليل المزيد من الضوء، ما يوفر ساعة إضاءة صناعية يمكن استغلال ضوء الشمس بها.
أكثر من 60% من دول العالم حالياً قد ألغت العمل بالتوقيت الصيفي، بينما أقل من 40% فقط مازالوا يرون بعض الفوائد له، وقد أرجع البعض بدء فكرة التوقيت الصيفي في مصر إلى فترة الاحتلال الإنجليزي، ولكن رسمياً فإن المرة الأولى التي طبق بها التوقيت الصيفي كانت عام 1957م لتبدأ رحلة من الإلغاء والعودة، ففي عام 1975 تم إلغاء التوقيت الصيفي للمرة الأولى ليعود عام 1982، ويلغى عام 1985، ليعود بعد عامين 1988، ولكن واجه التوقيت مشكلة تغييره للتوقيت الرباني الطبيعي في رمضان، فتم استثناء رمضان من التوقيت، في 2011 تم إلغاء التوقيت بشكل تام، ولكن صدر قرار في 2014 بعودته، ليلغى بعد عام واحد في 2015 بعد دراسة أعلن عنها مجلس الوزراء حينذاك تفيد بعدم ثبوت جدواه، ولكن هذه الأيام أعلن مرة أخرى عن عودة العمل به للتقليل من استخدام الطاقة.
المؤيدون: يوفر الطاقة وينشط السياحة ويقلل الجرائم
كما قلنا لقد اختلف الجميع؛ السياسيون، علماء البيولوجي، علماء الاقتصاد، مهندسو الطاقة، الأشخاص العاديون، اختلف كل هؤلاء حول العالم وليس في مصر وحدها حول جدوى التوقيت الصيفي.
فالمؤيدون يرون أن التوقيت الصيفي يفيد في عدد من النقاط المهمة:
أولاً: يوفر الطاقة، فكمية الطاقة المستخدمة من الضوء الصناعي على مدار الأشهر من مارس حتى أكتوبر أو من أبريل حتى سبتمبر -وفقاً للبلد المطبق بها- يتم توفيرها بشكل كبير بتوفير ساعة إضاءة كاملة على مدار عدة أشهر، وهو توفير في مجمله مفيد للغاية، خاصة في ظل أزمات الطاقة الحالية.
ثانياً: على مستوى الاقتصاد، فإن المحال تستمر في العمل فترة أطول في الضوء الطبيعي، ما يشجع على حركة أكثر نشاطاً للبيع والشراء، كذلك فالسياحة تكون أنشط في فترة التوقيت الصيفي لاطمئنان السياح مع طول اليوم النشط، وقصر الليل الهادئ.
ثالثاً: الفائدة الصحية، حيث تزداد فترات خروج الأفراد خارج المنزل ونشاطهم المفيد صحياً، كذلك فترة تعرضهم لضوء الشمس المفيد خاصة في فترة المساء حيث الضوء الهادئ المعزز للصحة.
رابعاً: هناك أقاويل بأن معدلات الجريمة تنخفض في فترة التوقيت الصيفي نظراً لاستمرار الضوء لفترة أطول وقصر الليل المشجع على ارتكاب الجرائم في ظلامه وهدوئه.
المعارضون: اضطراب الساعة البيولوجية وأزمات قلبية
المعارضون للتوقيت الصيفي يرون أن أكبر حُجة هي أن التوقيت الشتوي يُطلق عليه التوقيت الطبيعي أو القياسي، لذا فإن الطبيعة من تنتصر، هكذا خلق الله الكون وهكذا هي فطرته، ليس هذا فقط بل هناك عدة عوامل أخرى:
أولاً: في يوم تغيير الساعة أوضحت أبحاث كثيرة خاصة في مراكز مشاكل النوم والطب النفسي، أن الساعة البيولوجية التي تنظم عمل أغلب أجهزة الجسم وفق تقسيم اليوم لساعات نهار مضيء وأخرى ليل مظلم، وعلى هذا الأساس تقوم أجهزة الجسم بالتناغم فيما بينها على مدار الساعة في عمل دقيق، هذه الساعة البيولوجية تصاب بصدمة خاصة في يوم تغيير الساعة وتستمر هذه الصدمة لأيام، وعند بعض الأشخاص لأسابيع، بل ذهب بعض العلماء للاعتقاد أن الاضطراب في الساعة البيولوجية يستمر طوال فترة التوقيت الصيفي.
هذا الخلل في الساعة البيولوجية، لوحظ أنه يصاحبه ارتفاع طفيف إلى متوسط في معدلات: الأزمات الربوية، السكتات الدماغية، والأزمات القلبية، وهو ما ناقشته دراسة سويدية جادة.
ثانياً: زيادة معدلات الاكتئاب، فقد أشارت دراسة دانماركية إلى أن التوقيت الصيفي يزيد من معدلات الاكتئاب بسبب اضطرابات النوم الناتجة عنه.
ثالثاً: زيادة معدلات الانتحار لدى المؤهلين نفسياً للانتحار هو عرض جانبي أيضاً ناقشته بجدية دراسة أسترالية مهمة.
رابعاً: تُشير بعض الدراسات إلى زيادة معدلات الإجهاض في الفترات التالية للتوقيت الصيفي.
خامساً: زيادة معدلات الحوادث، لمرة أخرى يشير رصد الأرقام، إلى أن معدلات حوادث السيارات في الأيام التالية لتغيير الساعة تزداد.
لماذا يؤثر التوقيت الصيفي على أجسادنا هكذا؟
لم يحسم العلم كلمته بعد، ولكن الدراسات المتنامية في هذا المجال، توضح أن تغير إيقاع النوم والتعرض للشمس والظلام يؤثر على الجسد عبر التأثير على الهرمونات، فبينما تأثيرات الضوء تكون على زيادة مستويات الكورتيزول، وهو هرمون من ضمن مهامه تنظيم استجابة الجسم للإجهاد، كذلك فإن الضوء يؤثر على amygdala "اللوزة الدماغية"، وهي الجزء من الدماغ المسؤول عن المشاعر.
ومن ناحية أخرى وجد أن استمرار التعرض للضوء فترة المساء يؤخر من إفراز الجسم والدماغ على وجه التحديد لمادة الميلاتونين المسؤولة عن النوم وهدوئه واستغراقنا به، ما يؤدي لاختلال النوم لفترة أطول من مجرد ساعة واحدة فُقدت يومَ تغيير التوقيت.
هل يوفر التوقيت الصيفي في الطاقة حقاً؟
هذا التساؤل بدأ يدخل ضمن حجج المعارضين للتوقيت الصيفي، حيث إنه سؤال مشروع؛ هل حقاً التوقيت الصيفي يوفر الطاقة حالياً في العصر الحالي ومع التطور التكنولوجي القائم؟
فعندما بدأت فكرة التوقيت الصيفي كان الهم الأكبر للعالم والمستهلِك الأكبر للطاقة هي الإضاءة الصناعية، لذا كانت جدوى التوقيت الصيفي واضحة، عن طريق توفير ساعة من الإضاءة الصناعية والاستعاضة عنها بساعة من ضوء الشمس، ما سيوفر حتماً الطاقة.
ولكن اليوم، فإن الطاقة تستنزف عبر مكيفات الهواء، والأجهزة المنزلية، وأجهزة الكمبيوتر، والعديد من مُستهلكات الطاقة التي لا علاقة لها بضوء الشمس، والتي ستعمل في الضوء أو الظلام، لذا فإن الإضاءة كمصدر مُستهلك للطاقة أصبحت أقل تأثيراً بكثير، فهل حقاً ما زالت هناك جدوى لتوفيرها؟
نصائح للتعامل مع اضطرابات ما بعد التوقيت الصيفي
بما أنني من محبي الشتاء والليل فإن التوقيت الصيفي بالنسبة لي بشكل شخصي مزعج للغاية، لذا فقد طبقت عدداً من النصائح التي قللت تأثيره بالفعل وأفادتني، وهذه أهمها:
– ليلة التوقيت الصيفي لنستعد للنوم مبكراً ساعة، ويفضل أن نرهق أنفسنا قليلاً صباحاً لننام قبل ميعاد نومنا المعتاد بساعة لتعويض ساعة النوم المفقودة.
– اعتَد ضوء الصباح، وزِد من تعرضك له تدريجياً قبل ميعاد التوقيت الصيفي، هذا سيعوّد جسدك ودماغك على اعتياد الضوء بالتدريج.
– توقف عن المواد التي تسبب الأرق، مثل الكافايين والشاي، فأنت لا تحتاج مزيداً من مؤرقات النوم في هذه الفترة.
– وأخيراً الرياضة الصباحية تساهم في نشاط وتيقظ الجسد، وتقلل من حالة الخمول العام في الأيام الأولى بعد التوقيت الصيفي.
وفي النهاية..
سواء كنت كائناً ليلياً أو نهارياً فإن التغيير في التوقيت سيسبب لك بعض الارتباك، حاول أن تجتازه سريعاً في انتظار التوقيت الشتوي القادم في الخريف.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.