لطالما كانت المعتقدات والمبادئ الدينية نبراس التاريخ وعماد الحضارة، فمع كل مذهب ديني جديد تنشأ حضارة جديدة، وأي تبديل قد يمس تلك المعتقدات يحدث تقلبات كبيرة في أهم مبدأ في حياة الأمم، وهي أهم مركّب لتاريخها كما يخبرنا التاريخ عن أمم خلت مرت بحوادث تاريخية أنتجت آثاراً هائلة عن قيام الديانات وانهيارها.
فمنذ مطلع التاريخ نجد أن جميع الأنظمة السياسية والاجتماعية بُنيت على المبادئ الدينية، كما أن الدين هو العنصر الموحّد لمشاعر وأفكار ومنافع الأمة، فقوة الدين تكمن في كونه العنصر الراسخ الذي لا يحتاج إلى الوقت لكي يتبلور وينضج.
لذا نجد أن ازدهار الأمم في طورها الديني عظيم، وخير مثال حين اتحدت القبائل العربية على مبدأ الإسلام وفكرة النبي محمد -صلى الله عليه وسلم-، فحققت الفتوحات والمكاسب الجزلة، وشيدت دولة الإسلام العظيمة آنذاك.
كلما تشبثت الأمم بعقيدتها ودينها علا شأنها وضربت أوتاداً لا تتزعزع في وجه التيارات الجارفة، وقد يكون البعض بعيداً كل البعد عن هذا المنظور وفلسفته.
ما نراه اليوم من محاولات لضعضعة المكانة السامية للإسلام في نفوس المسلمين قبل غيرهم، سواء كان ذلك ناتجاً عن تدخلات وخطط غربية معادية أم عن أولئك الذين أسلمت ألسنتهم ولم تؤمن قلوبهم، وهي الفئة الأكثر استهدافاً لسرعة انقيادها للذل والهوان دون تفكير، وهو أقصى ما يريده أعداء الأمة.
فهذه الفئة كالعجينة الطيعة اللينة، تسهل صياغتها وتوجيهها، ومن ثم تقوم ببث تلك السموم والأفكار في المجتمعات دون وعي منها، فغدت كالسوس في الخشب، ينخر ويفتت كل ما هو متين ومستقر، وربما تشكل هذه الفئة النسبة الغالبة في المجتمعات الإسلامية، ولذا كانت أداة فعالة من أدوات العدو في هدم وزعزعة العقيدة في النفوس المؤمنة.
من شأن ذلك أن يؤثر تأثيراً عظيماً في أخلاق الأمم، فالشريعة الدينية مصدر الأخلاق، ومتى ما انحسرت وتقهقرت كان لزاماً واضحاً تناقص الأخلاق وانتكاسها بما لا يحمد عقباه، فنكوص الخلق والأدب يعني بداية الهبوط.
قد يعود ما سبق ذكره أيضاً إلى افتتان الأمة بمقدار الحضارة الذي آلت إليه، فباتت في أمان واطمئنان، ونزعت إلى التمتع بفضائل التقدم، وتغلغل حب الذات في النفوس، وغلبت المصالح، وعمّ الفساد الأخلاقي، فأمسى التمتع بالثروات التي بلغتها في عجل ويسر هو همها الأعظم، فتنصرف الهمم عن الاجتهاد والعمل، وتتبدد في الناس الشمائل والأخلاق التي كانت سبباً في ارتقاء الأمم هذه المكانة السامقة، وهنا تبدأ مرحلة التدهور والانكماش.
تاريخياً، وجود الفكر وأهل النبوغ والعلم لا يمكن أن يحول دون سقوط الأمم إن كانت قد تخلت عن المكون الأساسي لها، والذي لا يقوم أي علم مهما بلغ محله، وهو الخلق.
من أدرك المعنى العميق الذي جاءت به الشريعة الإسلامية، وسر رسالتها الخالدة، ونظر في سيرة الحبيب المصطفى، وكيف وضع حجر الأساس لدولة الإسلام التي استمرت قروناً من بعده، أيقن تماماً سر بقاء وازدهار الأمم والحضارات، فهي معادلة البقاء التي تضمن ديمومة البقاء والتطور والرفعة، واكتمال صورة السيادة في الداخل والخارج دون شروط أو إملاءات خارجية مذلة.
لكننا نعوّل اليوم على صحوة تمد يدها فتنتزع تلك القلوب الرخوة من صدورها، فتطهرها وتزكيها وتبذر بذور الإيمان وتنبت فسائل وغراس الأخلاق، فحق علينا إنعاش تلك الصحوة، ودعمها في مختلف مساقات الحياة، ووجب علينا اتخاذ خطوات واضحة في هذا النهج نتقيد ونعمل بها دون الحاجة إلى قوانين رسمية تدعمها ما دامت تنبع من عقيدة سليمة ونفس مطمئنة.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.