في الوقت الذي يعاني فيه المصريون من موجة غلاء فاحش غير مسبوقة في ضراوتها عمت أسعار السلع الغذائية والخدمات، زادت الحكومة الأمر اشتعالاً بزيادتها لأسعار البنزين بنسب تتراوح ما بين 7% و11%، والمازوت والغاز الطبيعي للسيارات بنسبة 20% لكل منهما.
حدث ذلك قُبيل زيارة وفد خبراء صندوق النقد الدولي لإعداد تقرير عن مدى التزامها ببنود الاتفاق مع الصندوق، حتى تحصل على القسط الثاني من قرض الصندوق والبالغ حوالي 375 مليون دولار، ورغم قلة مبلغ قسط القرض فإنه جاء في ظروف نقص شديد بالدولار، ترتب عليه امتناع البنوك عن فتح اعتمادات مستندية أو مستندات تحصيل للاستيراد، وزيادة سعر الصرف بالسوق السوداء.
كما زاد صافي العجز بين الأصول والالتزامات بالعملات الأجنبية بالجهاز المصرفي، بشهر يناير 2023م بنحو 1.7 مليار دولار عن ديسمبر 2022م ليصل إلى 21.7 مليار دولار.
لقد تعددت توقعات خبراء ومحللين دوليين بخفض جديد لسعر صرف الجنيه المصري أمام الدولار الأمريكي خلال الأسابيع القليلة المقبلة، مما سينعكس سلباً على أسعار السلع بالأسواق المحلية، وهي الأسعار التي ذكر المؤشر الرسمي للتضخم الصادر عن جهاز الإحصاء ارتفاعها بنسبة 26.5% بشهر يناير 2023م، وهو أعلى معدل منذ خمس سنوات، كما بلغت نسبة التضخم حسب مؤشر البنك المركزي 31.2% بنفس الشهر، إلا أن غالب الخبراء والمواطنين يرون أن النسبة الحقيقية للتضخم أضعاف النسب الرسمية.
124 ألف سيارة نقل تعمل بالبنزين
إن خطورة رفع أسعار البنزين والمازوت والغاز الطبيعي للسيارات أنها مع زيادتها لمعاناة مستهلكيها، فإنها ستضيف أعباء إضافية على الآخرين، نظراً لوجود 9.2 مليون مركبة تستخدم البنزين حسب الإحصاءات الرسمية بنهاية عام 2021م.
العدد السابق لعدد المركبات التي تعمل بالبنزين عدد غير حقيقي؛ حيث تضمن عدد 306 آلاف مركبة "توك توك"، في حين يرى مسؤولون بوزارة الداخلية أن عدد تلك المركبات يتراوح ما بين 3 و4 ملايين مركبة كلها تستخدم البنزين، وهي المركبة التي تحولت إلى وسيلة المواصلات الرئيسية في أحياء المدن والقرى والنجوع.
هكذا تتضمن الإحصاءات الرسمية للمركبات التي تستخدم البنزين خمسة ملايين سيارة خاصة، و3.6 مليون موتوسيكل، و124 ألف سيارة نقل، و119 ألف سيارة أجرة، و35 ألف أتوبيس، ومن الطبيعي أن يقوم أصحاب سيارات النقل العاملة بالبنزين برفع قيمة نولون النقل، مما يساهم في زيادة تكلفة السلع المنقولة.
هذا الأمر يتكرر مع الموتوسيكلات التي تلحق بها صناديق لنقل البضائع والمسماة "تروسيكل"، ونفس الأثر لزيادة تعريفة ركوب مركبات التوك توك والأتوبيسات الخاصة، وربما لا يعرف الكثيرون أن هناك أماكن مخصصة لوقوف الموتوسيكلات التي تنقل الركاب بمدن المحافظات، بل وبأرقى أحياء العاصمة المصرية.
سيقوم أصحاب سيارات الأجرة برفع قيمة البنديرة، مع الأخذ في الاعتبار أن عدد هؤلاء لم يعد يقتصر على السيارات المُرخصة كأجرة، بعد توسع شركات النقل الذكي في تشغيل أصحاب السيارات الخاصة لنقل الركاب، وهو ما يتكرر مع السيارات العاملة بالغاز الطبيعي، والتي وصل عددها إلى 369 ألف سيارة حتى منتصف عام 2021م، بل وسيارات نقل الموتى التي تعمل كلها بالبنزين، وهو ما يتنافى مع تصريح مسؤول بوزارة التنمية المحلية بأن أسعار سيارات الأجرة لن تزيد.
يتعامل أصحاب السيارات بمصر على اختلاف نوعياتها مع سعر الوقود، باحتسابه بالجالون أو ما يسمونه الصفيحة المكونة من 20 لتراً، وهي التي زادت تكلفتها مع بنزين 80 أوكتين الشعبي 15 جنيهاً؛ لتصل إلى 175 جنيهاً، وزادت بعشر جنيهات مع بنزين 92 أوكتين للشرائح المتوسطة لتصل إلى 205 جنيهات، وهو النوع شائع الاستخدام في ضوء تقليل عدد محطات الوقود التي تبيع البنزين الشعبي.
الزيادة الـ12 بأسعار البنزين منذ عام 2013
يتضح مدى تأثر هؤلاء بالزيادات التي تلحق بسعر البنزين، أن الفارق بين سعر الجالون من بنزين 92 أوكتين، وبنزين 95 أوكتين الأكثر حفاظاً على محرك السيارة أصبح 25 جنيهاً للجالون، ومع هذا يقل الطلب على بنزين 95 الذي عادة ما تستخدمه السيارات الفارهة لرجال الأعمال والفنانين والعاملين بالجهات الدبلوماسية.
إن معاناة هؤلاء لا تقتصر على أن الزيادة الأخيرة لسعر البنزين تعد الزيادة السابعة منذ ذروة فيروس كورونا، والثانية عشرة منذ استيلاء الجيش على السلطة عام 2013، حيث ترافقها زيادات في أسعار قطع غيار السيارات الخاصة المستوردة، مع التراجع الحاد لسعر صرف الجنيه المصري أمام الدولار الأمريكي، وارتفاع أسعار زيوت السيارات المحلية، وزيادة رسوم ترخيص السيارات أو تجديدها، ورسوم استخراج رخص القيادة أو تجديدها، ورسوم التأمين على السيارات.
تسبب زيادة قيمة المازوت بنسبة 20 % في قيام أصحاب الصناعات المختلفة المستخدمة له بتحميل تلك الزيادة أو جانب منها على السلع المنتجة سواء في مصانع الأسمنت أو الطوب أو غيرهما.
يرى بعض المصريين تناقضاً بين تصريحات المسؤولين عن وجود فائض في الغاز الطبيعي، وتصدير كميات منه وتحقيق فائض في التجارة الخارجية للوقود في نفس الوقت الذي يتم فيه رفع أسعار البنزين والمازوت والغاز الطبيعي.
فقد أشارت بيانات جهاز الإحصاء للتجارة الخارجية للغاز الطبيعي خلال الشهور 11 الأولى من عام 2022 لتحقيق فائض تجاري بقيمة 7.1 مليار دولار، أي أكبر من العجز التجاري للنفط بنفس الفترة والبالغ 5.3 مليار دولار بنحو 1.8 مليار دولار.
إن تحقيق فائض تجاري بالطاقة بحوالي 2 مليار دولار، يشير إلى أن الأسعار العالمية للنفط لم تكن مبرراً كافياً لرفع سعر البنزين بأنواعه الثلاثة والمازوت والغاز الطبيعي الذي تصدره مصر، إلى جانب تراجع أسعار النفط عالمياً خلال الشهور الأخيرة لتدور حول الثمانين دولاراً لبرميل خام برنت، بعد أن كان 113 دولاراً بالربع الثاني من العام الماضي.
لكن زيادة أسعار البنزين بتلك القيم الكبيرة من 75 قرشاً إلى جنيه للتر، بالقياس إلى قيم أقل للزيادة خلال مرات سابقة بلغت 25 قرشاً للتر، تشير إلى استهانة القائمين على الحكم برد الفعل الشعبي بعد إخفاق الدعوة للتظاهر في 11 نوفمبر 2022، ولهذا يتوقعون زيادة أخرى بأسعار البنزين بعد شهر رمضان مباشرة، تخص الربع الثاني من العام الحالي والذي يبدأ الشهر القادم؛ حيث تقوم لجنة التسعير التلقائي لأسعار المنتجات البترولية بتحديد الأسعار ببداية كل ربع عام.
لكنَّ آخرين يرون أن الزيادة بأسعار ثلاثة منتجات نفطية في هذه الظروف الصعبة للمصريين، وقبيل قدوم شهر رمضان الذي ترتفع فيه أسعار السلع الغذائية عادة نتيجة زيادة الطلب، تعبر عن انفصام بين الطبقة الحاكمة والناس وغياب دور البرلمان والأحزاب والإعلام، وغياب الحس السياسي، وهو ما يزيد المأزق السياسي الذي تعيشه البلاد تأزماً.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.