صحيح أن حالة الأمتين العربية والإسلامية ليست في مستوى جيد بالقياس للتاريخ، وكذلك المعنويات العامة قد تكون في أدنى مستوياتها، ولكن ذلك لا يمنعنا أن نمتلك الثقة التامة بأنه لا مستقبل للكيان الصهيوني في المنطقة العربية، حتى لو توافرت له حاضنة سياسية عربية تقدم له خدمات مجانية.
فالكيان الصهيوني المتآكل من الداخل، لم يحظَ بالاستقرار السياسي منذ أكثر عقد من الزمن، وأصبحت حثالة المجتمع العبري غير المتجانس، فهم الفئة التي تستهدف الوصول للسلطة، وجميعهم يعتمد على أيديولوجية تعبر عن أقصى درجات التطرف ضد الشعب الفلسطيني من أجل كسب تأييد المستوطنين، وبالتالي الوصول للسلطة.
هذه القافلة اللقطاء ضمت "بينيت" ومن ثم "لابيد" ومن ثم العودة مجدداً لـ"نتنياهو" وشرذمة وزرائه الذين لولا تحالفه معهم لما استطاع العودة للواجهة.
ما يحدث من صراعات عنصرية داخلية على مستوى مجموعات المستوطنين خصوصاً تلك التي تتعلق بلون البشرة والأصول، وكذلك وصول المعارضة للمؤسسة العسكرية والعديد من القطاعات في الكيان المحتل، قد يعيد مجدداً الانتخابات المبكرة إلى الواجهة وبذلك يستمر غياب الاستقرار السياسي.
هذه الأحداث لا شك أن لها انعكاساتها على الشعب الفلسطيني ولو بعد حين، فعلى المدى القريب قد تكون هناك انعكاسات سلبية في ظاهرها، إيجابية في باطنها، حيث يزداد التطرف في التعامل مع الشعب الفلسطيني بوجود وزراء من أمثال "بن غفير وسموتريتش".
إن وجود هؤلاء المتطرفين كان حافزاً كبيراً لتطور كبير في المقاومة الفلسطينية، خصوصاً تلك العمليات الفردية العصية على التوقع المسبق، ولا يخفى على أحد بأن شهر رمضان القادم يشكل أكبر تحدّ تواجهه حكومة الاحتلال لتجنب السيناريو الدامي الذي نجحت فيه المقاومة الفلسطينية في رمضان الماضي من زلزلة الكيان الصهيوني بكافة مكوناته.
المقاومة الفلسطينية ثابتة ومستمرة وتتطور منذ الانتداب البريطاني حتى اليوم، ولا شك بأنها تتطور بين الحين والآخر خصوصاً مع زيادة شراسة الاحتلال في قمع الشعب الفلسطيني، ولذلك كان من الطبيعي أن تظهر جماعة "عرين الأسود وكتيبة طولكرم" وغيرهم في مواجهة زيادة التطرف في حكومات الاحتلال وغياب المقاومة المسلحة عن التنظيمات الفلسطينية، خصوصاً في المناطق الخاضعة لسلطة "أوسلو".
وبما أن المقاومة تمثل وجدان الشعب الفلسطيني الذي لن يرضى في نهاية المطاف إلا بتحرير كامل التراب الوطني، فقد كان من الطبيعي أن تحظى بحاضنة شعبية كبيرة، وأيضاً من الطبيعي أن ينعق بعض المرتزقة ممن عينتهم الولايات المتحدة وتدفع لهم رواتبهم بعدم رغبتهم بوجود مقاومة فلسطينية؛ لأنها تهدّد وجودهم كما تهدد استمرار الاحتلال.
بالعودة لما يحدث في الكيان المحتل حالياً، فإن أزمة تعديل قوانين القضاء التي يبحث عنها "نتنياهو" ومتطرفيه قد أدت إلى دخول أطراف لم يسبق لها الدخول في هذا المعترك منذ نشأة الكيان المحتل.
فقد أعلنت مجموعة رئيسية من طياري سلاح الجو الإسرائيلي تحولوا من الخدمة العسكرية إلى صفوف المتظاهرين، حسب صحيفة جيروزاليم، حيث بعث عشرات الطيارين الاحتياط من قوات النخبة، يوم الأحد 5 مارس/آذار 2023، برسالة إلى قيادة سلاح الجو أنهم لا ينوون حضور التدريب الأسبوعي؛ احتجاجاً على خطوات الإصلاح القضائي التي أقرتها حكومة بنيامين نتنياهو، في رسالة تكشف حالة تذمر داخل الجيش.
ليس العسكريون فحسب، بل هنالك العديد من أعلى المسؤولين داخل إسرائيل من أمثال رئيسة المحكمة العليا في الكيان الذين أعلنوا رفضهم لتلك التعديلات.
التعديلات توفر الحماية لنتنياهو ومتطرفيه، وتحتوي على بعض القوانين العنصرية ضد فلسطيني الداخل كغطاء استراتيجي لكسب تعاطف المستوطنين، ولذلك لا تجد تلك التعديلات إلا أشد المتطرفين كمحامٍ دفاع عنها.
يدفع المستوطنون ثمن إيصالهم متطرفاً على شاكلة بن غفير وغيره للسلطة، فهو قد نشأ على فكر متطرف يستخدم أشد الأساليب في القمع، ولذلك من الطبيعي أن يصدر تعليماته لمواجهة مظاهرات المستوطنين بأقصى درجات القوة.
ما يهم الفلسطينيين في هذه الأحداث، هو زيادة التآكل الداخلي للكيان المحتل، وحدوث أكبر قدر من الخسائر في صفوفه بكل مكوناته نتيجة لتوابع أزمة القوانين الحالية، وحدوث تلك الخسائر، سواء تم من خلال عدوانهم على بعضهم بعضاً وزيادة تشرذمهم، أو من خلال شباب المقاومة الفلسطينية يؤدي إلى نفس النتيجة، زوال الكيان المحتل، السرطان الجاثم في أرض فلسطين.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.