صكوك مصرية في بورصة لندن.. إلى متى تستمر الحكومة بالاستدانة لتغطية عجز الموازنة؟

عربي بوست
تم النشر: 2023/03/03 الساعة 11:07 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/03/03 الساعة 11:07 بتوقيت غرينتش

لأول مرة في تاريخها أعلنت الحكومة المصرية، في 22 فبراير 2023 نجاح أول طروحاتها  من الصكوك الإسلامية في بورصة لندن. في البداية بلغت قيمة ما تم طرحه من الصكوك نحو 1.5 مليار دولار، بسعر فائدة استرشادي مرتفع وصل عند 11.6%، وسط إقبال غطى القيمة المطلوبة بأكثر من 4 مرات، مع عرض 250 مستثمراً شراء الصكوك، رغم ارتفاع تكلفة المخاطر الائتمانية لنحو 9.35%.

بالنسبة لوزير المالية محمد معيط، كان الأمر يدعو للتفاخر، ورأى في إقبال المستثمرين على شراء الصكوك السيادية المصرية التي تمنح عائد هو الأعلى في العالم، وتغطية الطرح بنحو 4 مرات إنجازاً جديداً يستحق الاحتفاء، وأعلن نية الحكومة المصرية طرح صكوك سيادية أخرى هذا العام، بعد نجاح طرح الصكوك في بورصة لندن، ضمن برنامج يستهدف طرح ما قيمته 5 مليارات دولار.

على الرغم من أن ارتفاع تكلفة الاقتراض، تسعى مصر من خلال بيع الصكوك السيادية لتنويع مصادر الديون وخلق مصادر تمويل إضافية بجانب أدوات الدين الأخرى من أذون الخزانة والسندات المالية، لإيجاد حل لمشكلة زيادة الالتزامات الخارجية والداخلية بالعملات الأجنبية، وازدياد العجز التمويلي، الذي أثر على قيمة الجنيه، الذي فقد نحو 50% من قيمته خلال آخر 12 شهراً، ما تسبب في ارتفاع التضخم إلى أعلى مستوياته منذ 2017 نتيجة نقص السلع وتراجع سعر العملة.

محمد المعيط، وزير المالية المصري – رويترز

ما هي الصكوك الإسلامية؟

في البداية يمكننا تعريف الصكوك السيادية، أو ما يطلق عليها الصكوك الإسلامية، بأنها أحد أنواع الأوراق المالية، مثل السندات والأذون الحكومية، التي تهدف لتمويل عجز الموازنة العامة، وهي قابلة للتداول عن طريق طروحات عامة أو خاصة بالسوق المحلية أو بالأسواق الدولية.

وتصدر لمدة محددة لا تزيد على 30 عاماً، وتصدر الصكوك في شكل شهادة ورقية أوإلكترونية بمواصفات معينة، وتكون اسمية ومتساوية القيمة، وتصدر لمدة محددة بالجنيه المصري أو بالعملة الأجنبية.

تتوافق هذه الصكوك مع مبادئ الشريعة الإسلامية، وهو ما يُسهم في جذب شريحة جديدة من المستثمرين الراغبين في الاستثمار بأدوات الدين المصرية وفقاً للشريعة الإسلامية، ويعتمد إصدار الصكوك الإسلامية على أساس حق الانتفاع للأصول المملوكة للدولة، وذلك عن طريق بيع حق الانتفاع بهذه الأصول أو تأجيرها، أو بأي طريق آخر يتفق مع عقد الإصدار وضمان حصة مالك الصك وفقاً لمبادئ الشريعة الإسلامية.

يعني أن حق الانتفاع بالأصول المملوكة للدولة، حق الاستغلال الكامل لهذه الأصول خلال مدة الصك، وتكون وزارة المالية هي المسؤولة عن الإصدار وهي الضامن لملاك الصكوك، ويحظر الحجز أو اتخاذ إجراءات تنفيذية على الأصول التي تصدر على أساسها الصكوك، مع بطلان أي إجراء أو تصرف مخالف لذلك. 

عائد الصكوك الأعلى على الإطلاق 

كانت وكالة موديز قد خفضت التصنيف الائتماني لبرنامج الصكوك السيادية الخاص بالحكومة المصرية، والذي يقدر بنحو 5 مليارات دولار، ومنحته تصنيف "PB3″، الذي يُمثل تصنيفاً متوسطاً لأدوات الدين الحكومي، وهذا بخلاف تخفيض وكالة موديز التصنيف الائتماني السيادي لمصر خلال شهر فبراير، بسبب تراجع احتياطياتها من النقد الأجنبي، واتساع الفجوة التمويلية وارتفاع تكلفة التمويل.

في ظل الأزمة العالمية والأزمة الداخلية، واستمرار رفع الفيدرالي الأمريكي للفائدة وعزوف الاستثمارات عن الأسواق الناشئة، ومنها مصر، لم تعد الاستثمارات في الأوراق المالية تتدفق مثل السابق، ويرجع الأمر إلى العائد السلبي لعوائد أدوات الدين الحكومي المصري رغم ارتفاعها، إذ يتخطى معدل التضخم تلك العوائد، الذي بلغ 31% في الشهر الماضي، وجاء خفض وكالة موديز للتصنيف الائتماني ليزيد المشكلة تعقيداً.

لذا لم يكن أمام وزارة المالية إلا منح عائد سنوي على الصكوك يعد من بين الأعلى في العالم على أدوات الدين، ليكون العائد على الصكوك المصرية أعلى بنحو 7% من سعر العائد الممنوح على سندات الخزانة الأمريكية.

كما أنه الأعلى على الإطلاق من أدوات الدين التي طرحتها مصر في الأسواق الدولية؛ إذ يصل سعر الفائدة عليها إلى 11%، وتُصرف كل 6 أشهر، من مدة الصكوك التي تستمر 3 سنوات.

مما يعني أن الحكومة سيكون عليها تسديد عائد كل 6 أشهر عن الصكوك يُقدر بين 163.05 إلى 174 مليون دولار. وذلك بإجمالي عائد سنوي يقدر بين 326.1 إلى 348 مليون دولار، وفقاً لسعر الفائدة على الصكوك.

يُقدر إجمالي تكلفة الفائدة المستحقة خلال فترة السنوات الثلاث، نحو 978.3 مليون إلى 1.04 مليار دولار، وهي تمثل إجمالي العائد على قيمة الصكوك البالغة 1.5 مليار دولار، والتي تتحملها الحكومة المصرية في ظل تراكم الديون الداخلية والخارجية.

بحسب إبراهيم نوار، الخبير الاقتصادي، فإن حصيلة الصكوك، وهي حصيلة متواضعة مقارنة بالديون المستحقة المطلوب سدادها حتى يونيو المقبل، والتي ستستخدم في سداد ديون مستحقة وليس في تنمية الأصول الضامنة، علماً بأن مصر كانت في السنوات الخمس الأخيرة تقترض من الخارج بأسعار فائدة تقل عن 9%. أما الحديث الآن عن عائد تصل نسبته إلى 11.65%.

ارتفاع تكلفة التمويل 

كان من بين أهم أسباب قيام وكالة التصنيف الائتماني "موديز" بخفض التصنيف الائتماني لمصر، هو زيادة منحنى المخاطر التي يواجهها الاقتصاد المصري، والتي تتعلق بارتفاع تكاليف الاقتراض، وحذرت الوكالة الحكومة المصرية بسبب اعتمادها على تمويل الديون بديون أخرى، وطالبتها بأن يكون التمويل غير مرتبط بديون جديدة، وأن ينتج عنه استثمار يخلق نمواً حقيقياً.

تظهر المؤشرات المتعلقة بتكلفة الديون أن منحنى التكلفة يظهر صعوداً سريعاً بنسبة مرتفعة منذ بداية عام 2023، وذلك على الرغم من حصول الحكومة المصرية على الشريحة الأولى من قرض صندوق النقد الدولي، بالإضافة إلى الحصول على قرض من مؤسسة التمويل الاسلامي الدولية، بجانب بيع الصكوك السيادية وأدوات الدين الأخرى.

تكشف مشكلة تفاقم تكلفة الديون الحكومية، أنها كانت بنسبة 14% مع بداية العام المالي، لتصل في الوقت الحالي إلى 22.6% سنوياً، مما يعني أن تكلفة الاقتراض الحكومي تزيد في الوقت الحالي بنسبة 61.4% عما كانت عليه في بداية السنة المالية.

مما يزيد من الضغوط المتعلقة بخدمة الدين، ووفقاً لتقرير موديز، فإن قيمة عبء خدمة الديون المستحقة السداد خلال السنتين الماليتين 2024 و2025  تُقدر بنحو 70 مليار دولار، وتنقسم ما بين 26 ملياراً في ديون قصيرة الأجل، و43.6 مليار ديون متوسطة وطويلة الأجل، على أن تسدد الخزانة المصرية منها 20 ملياراً خلال عام 2024، و32 ملياراً عام 2025.

وفقاً لتقرير سابق لوكالة رويترز، يُفترض أن تسدد مصر من الدين الخارجي نحو 100 مليار دولار خلال السنوات الخمس القادمة، منها 18 ملياراً خلال العام الجاري، ويذهب 18% من إجمالي الناتج القومي لخدمة الدين العام. 

تأمل الحكومة المصرية في تخطي عام 2023 الذي يشهد أزمة اقتصادية عالمية وتشديداً على رؤوس الأموال، من خلال تمويل احتياجاتها من النقد الأجنبي بعائد مرتفع، على أن تسدد مستحقات هذه الديون في السنوات المقبلة بعد انتهاء الأزمة من خلال التمويل بعائد أقل.

إذ إن الحكومة المصرية ستستدين خلال الأجل القصير ديوناً بعائد مرتفع غير موجود في أي دولة أخرى، وعندما تنقضي هذه المدة ويحين موعد السداد، تقدم الحكومة المصرية عائداً أعلى وتستدين مرة أخرى لتسديد هذه الالتزامات، هذا ما يستدعي القلق مع اقتراب الاقتصاد المصري يوماً بعد آخر من منطقة شديدة المخاطر.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

محمد عادل
كاتب وباحث مصري
تحميل المزيد