السياحة في فلسطين.. “رواية عربية مُضَلِّلة”

عربي بوست
تم النشر: 2023/03/02 الساعة 11:35 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/03/02 الساعة 11:35 بتوقيت غرينتش


لفتتني صورتها في إعلان مموَّل عبر فيسبوك، فتاة ذات ملامح أوروبية، تقف متبسّمة للكاميرا، ومن خلفها بدا لي الشارع الذي التُقطت فيه الصورة كأنه أحد شوارع "بيفرلي هيلز"، غير أن الصفحة المعلنة هي صفحة فلسطينية محلية لإحدى الجمعيات الشبابية، والخلفية الساحرة هي من إحدى المدن الفلسطينية المحتلّة، وللدقّة: المحتلّة بعد عام 67، والفتاة ذات الملامح الأوروبية هي أوروبية فعلاً، جاءت في رحلة إلى فلسطين، وأعجبتها الإقامة، وأعجبها الناس، فقررت الاستقرارهنا لمدة زادت على السنتين الآن، لأنها لم تر شرّاً، ولم يعرقلها شيء عن ممارسة رياضتها المفضلة "كرة القدم"، حسب ما رافق صورتها من وصفٍ للمشهد الفلسطيني النظيف.

يصعب الحديث عن النفع الاقتصادي والعائدات المادية المرجوّة من السياحة الأوروبية والأمريكية في الأراضي الفلسطينية؛ احتكام الحياة اليومية لأكثر من سلطة واحدة على الأرض، وانحصار الخدمات أو السلع المقدمة للسائح في فئة محدودة جداً من الناس، والخبرة المتقدمة التي يكتسبها السائح في فترة وجيزة من معاملته للأفراد العاديين، والتي تجعل منه "حجّة" في البيع والشراء والتنقّل، دون أن يخدعه أحد، (فالعربي كريم حتى في كشف طباعه ومنحها للآخرين)، وكل ذلك يمنع أو يحدّ من مناقشة الوجود الأوروبي أو الأمريكي كوجود سياحي صرف في الأراضي الفلسطينية، فما الذي يناقشه الفلسطينيون بشأن "ضيوفهم" إذاً؟

يرى البعض أن إقبال "الأجانب" على زيارتنا ما هو إلا ضرب من حب الاكتشاف الذي يتناسب وطبيعتهم المتطّلعة لمعرفة الأماكن والثقافات، حتى وإن كانت أرضنا محتلة، ويرى الآخرون أنها زيارات وإقامات تحيطها شبهتان، إما للإيقاع بنا في شرك "ثقافتهم الملوّثة" و"مخططاتهم السياسية الخفية" ضدنا، أو للتزوّد بالمعلومات عنا وتقديمها خالصة لعدوّنا، وعلى أي وجهٍ كانت تلك الزيارات، فإني لا أراها "خطيرة"، حتى وإن كانت الأسباب السابقة حقيقة واقعة؛ فماذا يضرّنا منهم مادمنا وصلنا إلى هذا الحد من "الوعي"؟!

ينحصر الخطر الحقيقي من الصورة المعلن عنها أعلاه في رؤية العالم لها، بجزئه العربي خاصة، وليس في رؤيتنا نحن كفلسطينيين، فالهدوء والسكينة والسلام الملوّن بألوان الطبيعة المروَّج لها تنفي واقع الاحتلال بما يمليه في يومياته: القتل، وهدم البيوت، والاعتقالات، والحواجز بين كل مدينة وأخرى وشارع وآخر. وما يجعل هذه الصورة قنبلة موقوتة هو نشرها من خلالنا وعبر صفحاتنا، فإن كان هذا الأمن يتمتع به مَن يزوروننا من الغرباء، فكيف هي حياتنا نحن إذاً؟! وما هو شكل هذا الاحتلال "الرحيم" الذي يسمح لنا بالحياة المنعمة والنشاطات الترفيهية المعتادة؟!

لا ينثني الإعلام المحلي يومياً عن نشر انتهاكات وجرائم الاحتلال ضد الشعب الفلسطيني، وكان آخرها مجزرة نابلس في 22/2/2023، والتي راح ضحيتها 11 فلسطينياً، فضلاً عن عشرات الجرحى، ولكن الرسالة التي تصل إلى المتلقي العالمي بوجود "صورة الجميلة" في ربوعنا مفادها: هذا المحتل يقتل المتمرّدين على النعم الوفيرة والرفاهية العظيمة، ويلاحق الفلسطينيين ممن يعكّرون صفو الحياة الوادعة للفلسطينيين، ويعتقل المخربين ممن ملّوا الحياة الرتيبة فقرروا الانتحار بأعمال المقاومة.

في وجود الإشارات المتضاربة ترجح كفّة الجمال، جمال الصورة والوصف، وتنتصر لقصّة أصحابها والمستفيدين منها، ونخذل، كما يبدو، المدافع عن القضية والأرض والمَظلمة، من حيث يدري بعضنا ولا يدري آخرون، بالصورة البائسة للموت والدمار، فتبدو الأخيرة رواية مضَلِّلة، لا يُعنى بها إلا كاتب النّص الإخباري، فتحفرُ الصورة الأولى قبرَ الصورة الثانية بكبسة زرّ.

قال أحد الزملاء العرب، في معرض سؤاله عن البلاد عقب الأحداث الأخيرة: الله يرحمهم.. بس مش معقول يكونوا قتلوهم بدون سبب!

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

هند دويكات
كاتبة ومحررة فلسطينية
تحميل المزيد