انتهت اللقاءات الاستكشافية بين مصر وتركيا، وسكتت طبول الحرب الإعلامية في مصر، وحاولت أبواق أخرى مجهولة عرقلة جهود التقارب بين البلدين، حتى جاء كأس العالم ليزيح ستار الجليد المتراكم بين السيسي وأردوغان منذ سنوات برعاية قطرية، لتتبلور صورة جديدة للعلاقات المصرية التركية، على عكس ما كان يُروّج له من قبل بعض التيارات السياسية داخل مصر وخارجها.
يأتي لقاء وزير الخارجية المصري سامح شكري مع نظيره التركي جاويش أوغلو ليؤكد أن لا شيء في السياسة مستحيل، وأن من يُعوّل على القطيعة المطلقة بين الدول يعيش حالة انفصام شخصي عن الواقع وانفصام سياسي عن المتغيرات الإقليمية.
جاءت الزيارة في سياق التضامن الإنساني مع ضحايا الزلزال التركي الأخير، فاستقبل وزيرا الخارجية المصري والتركي سفينة مساعدات إغاثية قادمة من مصر بميناء مرسين لتأخذ الزيارة طابعاً سياسياً في المقام الأول قبل أن يكون إنسانياً بأن العلاقات تجاوزت ما سبق من خلافات.
لقد اكتمل النصاب السياسي للوصول إلى مستوى دبلوماسي طبيعي يُمهد لإتمام آخر حلقة في سلسلة عودة العلاقات الكاملة بين البلدين وهي قمة سياسية بين السيسى وأردوغان.
في المؤتمر الصحفي، سُئل سامح شكري حول لقاء قمة مرتقب بين السيسي وأردوغان فأجاب بقوله: "بالتأكيد ستكون هناك اتصالات في الوقت المناسب وفقاً لرؤية الرئيسين"، في إشارة دبلوماسية غير مباشرة إلى أن رؤى البلدين متوافقة ومكتملة والقمة من حيث المبدأ مُتفق عليها، فقط يتبقى تحديد موعدها المناسب.
بلقاء السيسي وأردوغان ستبدأ مرحلة جديدة من التعاون السياسي القائم على تغليب المصلحة المشتركة الواعية وتقارب وجهات النظر في كثير من الملفات وتراجع ثِقل بعض التيارات السياسية التى استمرت لسنوات للبحث عن موضع قدم في أي جولة تفاوضية تُحسّن من وضعها على الخريطة السياسية ولو من باب الجر بالمجاورة.
لعبت المتغيرات الإقليمية والأزمات الاقتصادية دوراً كبيراً في فرض التقارب كخيار استراتيجي بين البلدين وليس خياراً طارئاً للتخفيف من حدة الأزمات الداخلية وإرباك حسابات دول أخرى لعبت على وتر الخلاف التركي المصري لتحقيق مصالحها ومحاولة بعض الدول مد نفوذها على حساب مصر في العديد من الملفات بالإقليم.
فقد كان للتقارب التركي المصري دور في إحداث صدمة نوعية لدى البعض، وإن لم يظهر عكس ذلك نظراً لخلط الأوراق من جديد وإرغام البعض بإعادة النظر في مواقفهم السياسية المتشددة تجاه ملفات بعينها، فمنهم من لزم الصمت وجلس يترقّب، ومنهم من هيأ نفسه لما هو قادم وغيّر لغة خطابه وأعاد هيكلة نفسه.
على سبيل المثال، اتحاد القوى الوطنية المصرية الذي صرح رأسه بأن المعارضة تُطلق مبادرة لفتح صفحة جديدة من التفاهم مع الإقليم تتجاوز المرارات والخلافات السابقة، في خطوة أثمرت ما بعدها من تغيّر في لغة الخطاب وإبداء مرونة في التعامل مع الانفتاح السياسي الحالي والتعاطي باعتدال فيما يتعلق بالتقارب المصري التركي على وجه الخصوص، وإن كان ذلك خيار المضطر لكن هذه هى السياسة لا شيء فيها ثابتاً سوى المتغيرات.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.