يقترب رمضان هذا العام ومعظم المصريين في أزمة اقتصادية طاحنة؛ بسبب سياسات لم يكن لهم في اختيار ولا قرار، ويشعر معظم المصريين أنهم نزلوا درجة أو أكثر من على السُلَّم الاجتماعي الذي كانوا يقفون عليه. ونتيجة لهذا، تقل تبرعات المصريين يوماً بعد يوم للجهات أو الأشخاص الذين كانت تذهب لها/لهم هذه التبرعات.
ومن ضمن هذه التبرعات كرتونة رمضان وهي عبارة عن تبرعات عينية في صيغة مواد غذائية أساسية، مثل السكر والأرز والزيت، أو في صيغة تبرع مادي يذهب لهيئات تشتري المواد الغذائية وتوزعها على من تزعم أنها مستحقون، في شكل كراتين تحمل اسم الجهة المنظمة للتبرعات والمشرفة على التوزيع. وهنا، أزعم أنه من الأفضل لمن توزع عليهم هذه الكراتين، وخاصة قبيل شهر رمضان، أن يتلقوا قيمة كرتونة رمضان في صورة "تبرع نقدي" تقع في أيديهم بدلاً من كراتين الأغذية، للأسباب الآتية:
كثيراً ما يكون لدى من يتلقى كرتونة رمضان ما يكفيهم من السلع الغذائية الأساسية مثل الأرز والزيت والسكر؛ ومن ثم، فهم يحتاجون مواد غذائية أخرى لا تتوافر لديهم مثل البروتين (الألبان والبيض والفراخ واللحوم والأسماك). وبطبيعة الحال، ينزع من ينظم شراء وتوزيع كرتونة رمضان لتكديسها حتى تنتفخ فتراه يشتري ما يخف ثمنه ويكبر حجمه وتقل جودته، وربما يقترب انتهاء صلاحيته أو انتهى منذ وقت قريب. والنتيجة، هي تكدس بيوت المحتاجين بالنشويات الأقل سعراً وخلوها من البروتين الذي أصبح باهظ الثمن.
يروق لكثيرين ممن يوزعون كرتونة رمضان أن يتباهوا بما يفعلون فتراهم – خذلهم الله – يُجبرون من يتلقون هذه الكراتين على أن "يضحكوا للكاميرا" وهم يتسلمونها ثم ينشرون صورهم على الملأ فيفتضح أمرهم، ناهيك عن شعورهم أمام صغارهم الذين لا ينسون هذه المشاهد طوال حياتهم.
يفترض أغلب الناس – على ما أظن – أن الفقير يحتاج الطعام فقط، وربما يفضل هذا الفقير نفسه الملابسَ الجديدة لنفسه أو لأولاده على طعامهم، وربما يكون بالبيت من ينتظر الدواء أكثر من الطعام، وربما يكون أحد من يدينون الأسرةَ على الباب ينتظر استرداد دينه. فلماذا لا نُتيح للفقير فرصةً لاختيار ما يراه ملائماً له ولأولاده؟
حتى وإن كان الطعام هو ما يحتاجه الفقير وحتى إن كان سيشتري نفس المواد الغذائية التي تذهب له في كراتين، فلماذا لا نُتيح له فرصة الظهور بمظهر ولي الأمر الذي يصطحب ابنه أو بنته لمتجر يشتري منه ما يحلو له أو لأولاده، ثم يعود للبيت محملاً بما اشتراه؟ أزعم أن هذا سيقلل من شعور أغلب أفراد الأسرة، وخاصة الصغار، بأنهم فقراء وسيقلل من إحراجهم أمام جيرانهم.
تشتري معظم الهيئات التي توزع كرتونة رمضان من محلات أو مولات كبيرة، وبذلك تذهب أموال المتبرعين في جهة واحدة؛ مما يزيد من ثراء المحلات الكبيرة ويحرم المحلات الصغيرة والبقالات من الإفادة من هذه المشتريات كبيرة الحجم. وهذا سبب واضح – وهو ليس وحيداً، إحقاقاً للحق – في ازدهار المحلات والمولات الكبيرة على حساب المحلات الصغيرة.
أظن كذلك أن جزءاً ليس صغيراً من أموال المتبرعين يُنْفَقُ على جهود من يقومون على تجهيز كراتين الطعام سواء في صيغة مرتبات أو مصروفات إدارية أو دعاية.. إلخ. وبالتالي، تضيع هذه المبالغ في شيء لم يُفَكِّر فيه من يتبرع بهدف إطعام الفقراء.
ولهذه الأسباب، بعضها أو جميعها، أرى أنه من الأولى أن تذهب التبرعات في صورة مال يتسلمه الفقير في ظرف مغلق ليفعل به ما يشاء وفقاً لأولوياته وحاجاته، دون إحراج له أمام أسرته. والحالة الوحيدة التي أفضل فيها أن تُوَّزَع كراتين الطعام على الفقراء هي أن يكون الفقيرُ سفيهاً مشكوكاً في الطريقة التي سيتصرف فيها في المال الذي يذهب له. عندئذ تكون كراتين الطعام لها قيمة، لكن يا حبذا لو ذهبت للفقراء دون جلبة وكاميرات!
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.