إذا كنت تريد المشاركة في عمل تطوعي ولا تجد دافعاً يحفزك، أو لا ترى في العمل التطوعي فائدةً تُرجى، أو أن أشخاصاً معنيون به دون غيرهم فأنصحك بقراءة هذا المقال مرتين قبل أن تُصدر حكماً أو تتخذ قراراً.
يعد عمل الخير وتقديم المساعدة للآخرين من أحب الأعمال التي يود أن يقوم بها الناس في مختلف المجالات، وباختلاف مستوياتهم الاجتماعية وظروفهم المعيشية، الكل يسارع لتقديم الخير ونجدة الغير، وبالطبع تختلف الدوافع التي تحرك كل فرد فينا للقيام بالعمل التطوعي، فالبعض يعتبره فرصة لقضاء وقته في عمل مفيد أو التعرف على أشخاص جدد وتكوين علاقات، والبعض يعتبره فرصة لجعل العالم مكاناً أفضل، والشعور بالسعادة، وكونه شخصاً نافعاً لمجتمعه، لكن ما لا تعرفه عن التطوع أن فوائده تتخطى كل ذلك بكثير، للحد الذي يجعل من العمل التطوعي سبباً في إطالة العمر والوقاية من الشيخوخة وأمراض القلب، فدعونا نذكر لكم أهم فوائد العمل التطوعي وتأثيره على المتطوع صحياً ونفسياً واجتماعياً.
من واقع التجربة
قبل مشاركتي في الأعمال التطوعية لدعم متضرري الزلازل بتركيا كنت أعاني من مشاعر سلبية كثيرة، أبرزها الحزن والإحباط والخوف والوحدة، وأيضاً الاكتئاب الناتج عما عايشته من آثار الزلزال، وأيضاً لمرضي الشديد بتلك الفترة، لكن بمجرد أن اتخذت قرار التطوع لمساعدة المتضررين كان لهذا العمل الأثر الكبير على تغيّر حياتي للأفضل بمختلف جوانبها، واكتساب علاقات جديدة، وقضاء وقت ممتع ومفيد، بجانب شعور لا يضاهى، ناتج عن متعة العطاء ومساعدة الغير، وهو ما دفعني للبحث في الأمر، لمعرفة أثر التطوع علينا صحياً ونفسياً واجتماعياً، ولقد دهشت بنتائج البحث؛ ما دفعني لكتابة هذا المقال ومشاركة تلك النتائج معكم.
التخلص من العادات السلبية
قد تتعجب من ذلك، ولكن العمل التطوعي يساعدك على استثمار وقتك بشكل أفضل، والاختلاط بمجتمع وأشخاص متميزين، وبالتالي تتأثر بهم؛ ما يساعدك على التلخص من عاداتك السيئة، وأنا شخصياً كانت لدي عادة السهر ليلاً، ولا أستطيع تنظيم وقت نومي مهما فعلت، لكن بعد المشاركة في الأعمال التطوعية التي أخذت جل وقتي وكانت سبيلاً ممتازاً لتفريغ الطاقة بشكل إيجابي، كنت أعود للبيت منهكة، وبالكاد أستطيع إنجاز ما تبقى في جدول مهامي، وأستلقي على السرير متعبة أغطّ في نوم عميق، ولاحظت بعدها أني صرت أنام مبكراً في موعد ثابت، وبجودة نوم أفضل بكثير من السابق، وهذا ما أسعدني وحسّن مزاجي، وقلّل من التوتر والقلق النفسي لدي، وأيضاً حسّن من مستوى إنجازي للمهام اليومية في عملي وحياتي.
زيادة خبرة الفرد وإثراء تجاربه
بالعودة لسير الناجحين نجد أنهم مَن قدّموا خدماتهم مجانياً في البداية، ومنها اكتسبوا الخبرات التي بنوا عليها وطوّروا أنفسهم من خلالها، والعمل التطوعي يوفر تلك الفرصة الذهبية للفرد، ويمهد له الطريق لتحقيق أهدافه المستقبلية.
تعزيز السيرة الذاتية
في العصر الحالي صار التطوع شرطاً من شروط الحصول على منحة دراسية أو الحصول على وظيفة ما، وكيف أن العمل التطوعي يزيد من فرص قبول شخص من غيره، بل ويكون نقطة فارقة في قبوله، حيث منها تتبين أمور متعددة، منها قدرته على العطاء دون مقابل، والعمل داخل الفريق، والتعاون، وغيره من الصفات النبيلة التي يكتسبها الفرد خلال العمل التطوعي.
تقوية النوازع الإنسانية
في عصرٍ طغت فيه المادية والنفعية بمفاهيمها، وصار لكل شيء ثمن، ولكل عمل مقابله، يأتي العمل التطوعي ليكون بمثابة رمانة الميزان التي تحفظ للفرد والمجتمع نوازعه الإنسانية، التي تبقي البشر بشراً، لما يعزز فيهم من مفاهيم التكافل والتراحم والشعور بالغير والعطاء دون مقابل، وتتجلى فيهم الإنسانية بأبهى صورها.
تعلُّم وتنمية مهارات جديدة
من أهم الأمور التي شهدتها في العمل التطوعي أنه فرصة عظيمة للتعلم وتنمية المهارات حتى البسيط منها، فأثناء تطوعنا لمساعدة متضرري الزلازل كنا نصنع الألعاب للأطفال بأنفسنا، وكان ذلك يتطلب معرفة أساسيات الحياكة، وفوجئت بأن بعض الفتيات الجامعيات لا يعرفن تلك الأساسيات، وكانت فرصة عظيمة لهن للتعلم واكتساب مهارة جديدة.
كالجسد الواحد
العمل التطوعي يعزز مفهوم التكافل والوحدة بين الأمم والشعوب، ففي حادثة مثل زلزال تركيا وسوريا، رأينا كيف هرع الناس والدول لتقديم المساعدات ومد يد العون من كل مكان، لنجدة إخوانهم المتضررين من تلك الفاجعة، رأينا أيضاً التلاحم بين الشعوب وفرق الإنقاذ والمتطوعين، ومدى فرحة الشعوب المتضررة من وقوف إخوانهم بجانبهم في هذا الموقف، وعلى صعيد شخصي كنا نستقبل القادمين من المدن المتضررة في محطة القطار بالهدايا وتوفير احتياجاتهم الشخصية والبالونات والألعاب للأطفال، ونقف ننتظرهم حتى قبل أن ينزلوا من القطار، لقد كان لتلك المواقف الآثر البالغ في نفوس المتضررين من الزلزال، ولقد كان لذلك العطاء الأثر البالغ في تخفيف مشاعر الحزن والانكسار في نفوسهم، وأنهم ليسوا وحدهم أبداً.
يطيل العمر!
يعتقد المتطوع أن فعل الخير يساعده على الشعور بأنه مفيد لمجتمعه؛ ما ينعكس عليه بمشاعر السعادة، ولكن ما لا يعلمه أن العمل التطوعي يطيل عمره، وذلك وفق دراسات قام بها الباحثون، حيث إن الأشخاص الذين تطوعوا كثيراً من الأحيان في حياتهم يعيشون لفترة أطول من الذين لم يقوموا بذلك، حتى بعد استبعاد عوامل مثل الحالة الصحية، والنشاط البدني، والتكافل الاجتماعي، وحتى لو كان العمل التطوعي بسيطاً وصغيراً.
الوقاية من خطر الإصابة بالخَرَفْ
العمل التطوعي غير مقتصر على فئة الشباب أو صغار السن، ولكنه مهم جداً أيضاً لكبار السن، وخاصةً عند التقاعد من العمل، حيث تُسهم مشاركتهم في عمل تطوعي وانشغالهم به في الوقاية من خطر الإصابة بالخرف، وتدهور العمليات المعرفية العقلية، فلقد وجد الباحثون أن الأشخاص الذين تطوعوا لمدة ساعة واحدة على الأقل في الأسبوع كانوا أقل عرضة بنسبة 2.44 مرة للإصابة بالخرف من أولئك الذين لم يتطوعوا مطلقاً، وأن كبار السن الذين تطوعوا بشكل متقطع لم يجنوا أية فوائد إضافية أو تدابير وقائية لصحتهم المعرفية.
تعزيز الروابط الاجتماعية
عندما نذهب للقيام بعمل تطوعي ما فإن ذلك يوفر لنا فرصة التعرف على الكثير من الأشخاص الجدد الذين يمكنهم مساعدتك على تعزيز مشاعر الترابط العامة لديك، حيث أثبتت الدراسات العلمية وجود علاقة وطيدة بين التطوع وتحسين الصحة العقلية والصحة البدنية والرضا عن الحياة، لكن أقوى ارتباط وجدوه كان بين التطوع وتعزيز الروابط الاجتماعية. واختلاطنا مع المجتمع التركي في تقديم المساعدات لمتضرري الزلزال كانت فرصة عظيمة للتقارب والتعارف على الثقافة المصرية والتركية، عندما كنا نتبادل أطراف الحديث أثناء العمل، وكان من أهم الأمور التي يحبون الحديث حولها اللغة العربية ومدى شوقهم لتعلمها، وأيضاً الاطلاع على الثقافة المشتركة بين الشعبين، ولقد كانت من أحب الأوقات لدينا جميعاً وشعرنا فيها بأننا أمة واحدة.
البركة في الوقت
من أعجب الأمور التي لاحظتها أثناء عملي كمتطوعة أنه صار لدي المزيد من الوقت، رغم أني كنت أتوقع العكس تماماً، فعندما تُشارك في عمل ما سيضيع وقتك، ولكني وجدت أن وقتي به بركة، وصار اليوم منتظماً أكثر، وأُنجز مهامي الشخصية قبل أو بعد العمل التطوعي، ولدي وقت كبير يمكن الاستفادة به، رغم أني كنت أشكو من ضيق الوقت وعدم كفايته لإنجاز مهامي اليومية قبل التطوع، وعندما بحثت في الأمر وجدته مثبتاً بأبحاث ودراسات علمية، وأن الأمر ليس حالةً فردية، وذلك بحسب مقالة نُشرت في مجلة هارفارد بيزنس ريفيو، للباحثة كاسي موغيلنر.
يجعلك أكثر سعادة
كثير من الناس يعانون من الشعور بالبؤس والاكتئاب، ويدعون أنه لا يوجد سبيل للسعادة بالدنيا، ولكن وحدهم المتطوعون هم الذين يتمتعون بالمعنى الحقيقي للسعادة في الدنيا، وهذا مثبت أيضاً بالدراسات العلمية التي تؤكد على أن المتطوعين أقل الناس عرضة للاكتئاب، وأكثرهم شعوراً بالرضا عن الحياة، والأمر ليس مقتصراً على المساعدة البدنية فقط، وإنما يشمل أيضاً التبرعات المالية.
يقلل خطر أصابتك بارتفاع ضغط الدم
إضافة لتحسين الصحة العقلية، فالعمل التطوعي يساعد على تسحين صحتك الجسدية أيضاً، حيث أثبتت الدراسات العلمية أن المتطوعين كانوا أقل عرضة للإصابة بارتفاع ضغط الدم من غير المتطوعين، إضافة لفوائده في الحد من التوتر والقلق وتحسين الصحة النفسية.
الشعور بالهوية والقيمة في الحياة
من أبرز المشاعر والقيم الرائعة التي يمنحها لنا التطوع هو الشعور بالقيمة في الحياة وتعزيز الهوية، فمثلاً عندما تقوم بعمل شاق ما طوال النهار وتنجزه، تشعر بإنجاز كبير وأنك شخص نافع وتفخر بأدائك، وتود لو يستمر معك هذا الشعور طوال حياتك، والطريقة الوحيدة لتحيقي ذلك يا عزيزي هي التطوع في عمل أو مؤسسة ما، ولا يهم مقدار الساعات أو حجم العمل الذي ستنجزه، فالعمل التطوعي ولو بمقدار بسيط قادر على أن يمنحك الشعور بالقيمة في الحياة، وأيضاً يحسن من صحتك العقلية على المدى الطويل، خاصة كبار السن الذين يعانون من غياب دور الهوية في الحياة، إلا أن العلاج قد يكمن في العمل التطوعي الذي يعمل على تخفيف هذا التأثير السلبي، ويساعد المشاركين على الشعور بقدر أكبر من القيمة في الحياة.
فرصة للسفر وتعلّم لغات جديدة
يوفر التطوع فرصاً متعددة للسفر والترحال، والتعرف على ثقافات وشعوب ودول مختلفة، واكتساب لغات جديدة، وهناك مؤسسات تدعم كل تكاليف السفر للشخص مقابل عمله التطوعي، مثلاً دولة كتركيا، هناك العديد من الأشخاص الذين استَشهَدوا في تجاربهم لتعلم وممارسة اللغة، بأن العمل التطوعي كان الفرصة الأمثل لاكتساب اللغة، والتعرف على الثقافة التركية، وفهم عاداتهم وتقاليدهم، وتكوين علاقات وروابط اجتماعية معهم.
ختاماً.. بعد سرد كل تلك الفوائد العقلية والصحية والنفسية والاجتماعية للعمل التطوعي، أعتقد أنك بحاجة العمل التطوعي أكثر مما هو بحاجتك إليه، لذا لا تتردد في تخصيص وقت من يومك أو مالك لمساعدة غيرك، والمساهمة في جعل أنفسنا وعالمنا مكاناً أفضل، ودمتم سالمين.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.