أقيم اجتماع العقبة بالأردن تحت إشراف أمريكي من طرف مستشار الرئيس الأمريكي لشؤون الشرق الأوسط بيرت ماكرغك ومساعدة وزير الخارجية الأمريكي لشؤون الشرق الأوسط "باربارا ليف"، وحضر من الجهة الصهيونية مستشار الأمن القومي "تساحبي هنغبي" ورئيس الشاباك "رونين بار" وآخرون.
حضر من جهة السلطة الفلسطينية حسين الشيخ وماجد فرح والخالدي مجدي، ومن الجهة المصرية عباس كامل مسؤول المخابرات العامة المصرية، ومن المملكة الهاشمية الأردنية أيمن الصفدي وزير الخارجية، واللواء حسني أحمد مدير المخابرات العامة الأردنية.
من خلال الشخصيات التي تشارك في اجتماع العقبة يتبين لنا أنه اجتماع أمني صرف، ليس فيه المنحى السياسي للقضية الفلسطينية، وكل ما تسرب عن جدول أعماله جاء بتوصية وبطلب أمريكي وتحت إشرافهم بعد الزيارة الخاطفة للمسؤول الأول للمخابرات المركزية الأمريكية الذي سارع إلى إنقاذ الكيان الصهيوني من مأزقه السياسي والأمني.
جاءت الرؤية الأمريكية لاجتماع "العقبة" لتفعيل السلطة الفلسطينية التي ماتت إكلينيكياً، وعجزت عن مواجهة المقاومة في الضفة الغربية خاصة في مدينة جنين ونابلس، حيث ارتكبت قوات الاحتلال الصهيوني فيهما مجازر بعد الاقتحامات العسكرية الأخيرة، مع سكون المجتمع الدولي ومؤسساته الأممية كأنه لم يحدث شيء في العالم، وارتفعت حصيلة الشهداء مع بداية عام ٢٠٢٣ إلى ٦٣ شهيداً، وارتفاع عمليات المقاومة الفردية والجماعية في حدود المستوطنات والمدن بالضفة الغربية ومدينة القدس.
مع تزايد حدة الأزمة الداخلية التي تعيشها الحكومة الإسرائيلية والشعب الإسرائيلي، وتغول اليمين المتطرف المتصهين فيها، ومناهضة اليسار واليمين العلماني لهم، والمواجهات مع القضاء وأجهزته والتململ في الوضع الاقتصادي والصعوبات الاجتماعية والأمنية التي يعيشها المستوطنون في جميع المناطق بالأرض المحتلة رغم المساعدات الأمريكية، فالأزمة تستفحل مع تصاعد وتيرة المقاومة الفلسطينية كضغط، والضربات الموجعة التي يتلقاها الكيان الصهيوني على المستوى الداخلي والخارجي.
لقد سارع وزير الخارجية الأمريكي "بلينكن"، وقبله المسؤول الأول لجهاز الاستخبارات الأمريكية "سي آي إيه" لتهدئة الوضع وتخفيض الأزمة في الشارع الإسرائيلي بزيارة تل أبيب ورام الله.
الحكومة الإسرائيلية المتطرفة تسارع الخطى نحو إحكام قبضتها على الوضع في الضفة الغربية وعينها على تهديدات من غزة، ومع هذا التسارع المجنون لأحكام القبضة، الوضع ينفلت منها أكثر فأكثر، وكل الإجراءات التي تم اتخاذها زادت في وتيرة المقاومة والمواجهة وإصرار الشعب الفلسطيني على خيار المقاومة، وأصبحت السلطة الفلسطينية مهملة تماماً في المعادلة الأمنية الإسرائيلية.
حتى الوسطاء العرب تفلت الأمر منهم، خاصة الوسطاء المصريين، فوضعت الاستخبارات الأمريكية خطة أمنية وعسكرية لمواجهة المقاومة وإعلان الحرب عليها والتقليل من حجمها قبل شهر رمضان بدايةً، لما له من تأثير إيجابي على معنويات الشعب الفلسطيني ومقاومته، ولا ننسى عملية سيف القدس السابقة والصمود في بيت العمود بالأقصى المبارك وباقي العمليات في مختلف المدن والقرى الفلسطينية.
خطة "مايك فنزل"
سميت هذه الخطة "فنزل" نسبة لـ"مايك فنزل"، وهو منسق الشؤون الأمنية في السفارة الأمريكية في "تل أبيب"، والهدف من ورائها تفعيل اتفاقيات "دايتون" الخاصة بالتنسيق الأمني، والتي تجاوزها الزمن والمتغيرات في الساحة الفلسطينية، حيث تعتمد على تكوين وتدريب 5000 فلسطيني من الأجهزة الأمنية كقوات خاصة يتم تدريبهم في معسكرات بالأردن تحت إشراف أمريكي مباشر دون اللجوء إلى التنسيق مع السلطة الفلسطينية.
كذلك تدريب وتكوين وتجنيد ما يقارب 10000 رجل أمن فلسطيني جديد، وتشكيل غرفة عمليات مشتركة بين الكيان الصهيوني والأجهزة الأمنية والعسكرية الفلسطينية لمواجهة المقاومة في جنين ونابلس، حيث هدد الكيان الإسرائيلي باستمرار الاقتحامات الأمنية والعسكرية في المناطق الثلاث بالضفة الغربية: منطقتيْ "A و B" اللتين تحت تصرف السلطة الفلسطينية، ومنطقة "C" التي تخضع للتنسيق الأمني الفلسطيني والإسرائيلي، حيث تطلب السلطة تمكينها من السلاح والذخائر لمواجهة المقاومة والقضاء عليها.
الاجتماع هو أمني بامتياز، وأعتقد أن هناك أطرافاً تدفع نحو الاقتتال الفلسطيني – الفلسطيني، لأن هذه الخطة ما هي إلا تجديد لاتفاقية "دايتون" وتصعيد وتحويل للأزمة الداخلية من إسرائيل إلى داخل الشعب الفلسطيني، وهذا ما جعل الفصائل الفلسطينية تتفاداه لكيلا تزيد من حدة انقسام الصف الفلسطيني، وتتحول المواجهة إلى صفوف الشعب الفلسطيني وينسى الاحتلال، وهذا ما يريده.
دور السلطة الفلسطينية في مواجهة المقاومة
السلطة الفلسطينية ارتكبت خطأً جسيماً بحضور الاجتماع، حيث تعمل على التبرير والتغطية على العدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني، وتشكّل مع إسرائيل شراكة أمنية مستقبلية بدلاً من التنسيق الأمني السابق الذي لم يؤت ثماره.
السلطة الفلسطينية تعمل من خلال حضور الاجتماع على استرجاع أدوارها الأمنية وليس السياسية، فهي مغيبة عن طموحات الشعب الفلسطيني وقضاياه مع الاحتلال، والكيان الصهيوني مازالت قياداته تهدد بتفجير الوضع في الضفة الغربية من خلال الاستمرار في الاقتحامات العسكرية.
أما ما تمخض عن اجتماع "العقبة" من بيانه النهائي فلا يعبر عن حقيقة الشعب والأرض داخل فلسطين المحتلة، وهو بيان هش وذر للرماد في العيون والتفاف على الحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني ومعاناته، وهذا ما اتضح من ردود فعل العديد من وزراء الحكومة الإسرائيلية، وبالأخص وزير الأمن الإسرائيلي "إيتمار بن غفير" الذي صرح بعد صدور البيان الختامي للقمة: "ما كان في الأردن -لو كان- سيبقى في الأردن".
لقد عبر تصريح "إيتمار بن غفير" عن حقيقة وخلفية الحكومة والرأي العام الصهيوني المتطرفة، أما المقاومة والشعب الفلسطيني فقد عبر قبل انعقاد الاجتماع عن أن السلطة الفلسطينية خارج مجال التغطية، لكن الحقيقة الموجودة في الأرض هي أن هناك حكومة متطرفة تريد تهويد الأرض الفلسطينية بكل ما لديها من قوة وبكل السبل.
لكن على الجانب الآخر لقد صارت المقاومة الفلسطينية رمزاً وقراراً شعبياً وليس فصائلياً فقط، وهذا في حد ذاته نجاح، ومن هنا فلا "دايتون"، ولا خطته التجديدية والتطويرية، تنفع وتصلح لترتيب البيت الفلسطيني وفق ما تريده أمريكا وإسرائيل.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.