ما كان لأي مجزرة أن تحدث في جنين أو نابلس لولا وجود "تواطؤ" ما، خصوصاً منذ استقبال مدير جهاز المخابرات العامة الأمريكية، وكذلك وزير خارجيتها بلينكن في مقر المقاطعة برام الله، قبل أقل من شهر، ومنذ ذلك الحين وقائمة الشهداء في تزايُد، خصوصاً من كتيبة "عرين الأسود"!
لذلك فإن استراتيجيات المقاومة يفترض أن تأخذ بعين الاعتبار العدو المحتل والتنسيق الأمني معه، ويفترض أن يتغير التعاطي الإعلامي، بحيث لا يكون هناك أي صور أو فيديوهات للمقاومين، لأن تلك إحدى طرق الإيقاع بهم.
قضية فلسطين تمر بفترة انتقالية غير مسبوقة، والسبب ازدياد تأثير المقاومة الفلسطينية، ونوعية أهدافها وزيادة الثقة الشعبية بها، لدرجة أن يتم تسخير الأموال الصهيونية لصالح التنسيق الأمني علانية، من أجل تمرير معلومات استخبارية تُسهم في الإيقاع بشباب المقاومة.
ليس ذلك فحسب، بل إن السقوط في مستنقع الخيانة سيستمر ويتزايد، وذلك لكسب رضا أمريكا، وبالتالي البقاء في الكرسي أطول فترة ممكنة، فالكرسي محمي بإرادة أمريكية ولا يستند على قواعد شعبية.
المقاومة الفلسطينية بشقيها التنظيمي والفردي أصبحت فعلاً بمفردها في مواجهة الكيان المحتل بكل مكوناته، وحتى الجماهير العربية أصبحت تكتفي بالدعاء، وهي التي تم إفقارها وزيادة الأعباء عليها، ولم تعد العواصم العربية تشهد تلك المظاهرات الضخمة التي كانت تشكل دعماً معنوياً!
إن احتلال فلسطين هو محور القضايا في الشرق الأوسط، بل وفي العالم ككل، ولن يصلح حال وظروف الجماهير العربية إذا استمر وجود الكيان الصهيوني في المنطقة، لأنه هو محراك الشر الذي يعيث فساداً في المنطقة العربية بأدواته المتنفذة ، وما أكثرها.
لذلك فإن ترك المقاومة الفلسطينية وحدها تواجه العدو المحتل وعملاءه هو رهان خاسر على الجميع في المنطقة، وستكون له انعكاسات مدمرة، فالكيان المحتل يمثل داء السرطان في الجسم العربي، ولن يكتفي بفلسطين، بل إن فلسطين هي جزء من مشروعه المعلن عنه في المنطقة.
ولذلك فإننا في صراع لا يوجد فيه حياد، أو منطقة دافئة، بل هو لهيب سيصل الجميع، إذا لم تنتفض الجماهير العربية وتصنع الحدث بعد أن خذلت السياسة فلسطين.
إذا كان شباب العرب يتابعون استهداف شباب فلسطين المقاومين من خلف شاشات التلفاز أو وسائل التواصل، فإنه بلا شك سيكون هو الضحية القادمة، رغم أنه عملياً قد تم استهدافه، خصوصاً في السنوات الأخيرة من خلال تضييق سبل العيش عليه.
لا توجد خيارات كثيرة أمام الجماهير العربية، وهي التي يجب أن تكون في خط المواجهة مع العدو المحتل، وهذا ليس مجرد كلام إنشائي، بل لا بد من إيجاد السبل لشحذ الهمم وتنسيق الجهود، خصوصاً عند الشباب القياديين الذين يشعرون بالمسؤولية تجاه قضايا أمتهم، والخروج من قوقعة الأزمات المعيشية التي ستستمر إذا استمر وجود "السرطان المحتل" في الجسم العربي.
الذي ما زال يعتقد بالدبلوماسية فهو ليس واهماً فحسب، بل لا يفعل ذلك إلا المنتفعون ممن تضمن لهم أمريكا، وليس شعوبهم استمراريتهم، ويبدو أن الدروس الكثيرة التي حصلت في آخر عقدين من الزمن لم يتم قراءتها جيداً.
لا جديد يذكر عندما نقول إن أمريكا هي رأس الفتنة، ومركز صناعة الشر في العالم، وتاريخها المعاصر مشبع بالإجرام في العراق وسوريا وغيرهما، وإفقار الدول العربية ونهب ثرواتها هي سياسة من يتناوب على رئاستها.
ومما يجب الإشارة إليه، أن التيار الإسلامي الذي يحظى بالقاعدة الشعبية الأكبر، وهو ما يزيد من مسؤوليته في المشهد العربي، عليه أن يغير في تعامله مع القوى الشعبية الأخرى، بحيث يعتمد الجميع مبدأ التكامل لا مبدأ الإقصاء.
لذلك من العبث أن يؤدي اختلاف الأيديولوجيات بين القوى الشعبية العربية لاستمرار أسباب الفرقة، ولا يجب أن تكون عائقاً مادمنا نواجه عدواً ينظر إلينا جميعا كأعداء وأدوات، ويعمل على تحييد البعض بشكل مؤقت حتى يقضي على البعض الآخر، كما حدث في القصة الشهيرة "أُكِلت يوم أُكِل الثور الأبيض".
لا شك أن فلسطين ولّادة لرجال المقاومة، وهي الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني، ولا يوجد طريق للتحرير غير المقاومة المسلحة، وهي اللغة الوحيدة التي تُرهب العدو المحتل والمستوطنين، رحم الله الشهداء، والمجد لمن سار على درب المقاومة.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.