لا تعظيها ولا تجبريها على سنن الدين.. أساسيات التعامل مع الفتاة المراهقة

تم النشر: 2023/02/24 الساعة 12:27 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/02/24 الساعة 12:27 بتوقيت غرينتش

"المراهقة" مصطلح جاء من كلمة لاتينية معناها التدرج نحو النضج البدني والعقلي والانفعالي، فالكلمة أجنبية والمصطلح جاء من العالم الغربي، فلما دخل لغتنا بحثوا في القاموس عن كلمة مناسبة فوجدوا مادة "رهق"، ومنها كلمة "المراهقة". وراهق الغلام فهو مراهق إذا قارب الاحتلام، ومادة رهق تعني السفه والخفة وركوب الشر. هذا ما جاء في شرح الكلمة، ولم يذكروا أي عوارض مما يحشدها الناس ويحتجون بها على حتمية وجود صعوبات المراهقة. إذن "المراهقة" مصطلح حديث وسلوك جديد علينا! 

ولم يرد في الأثر أو في سائر النصوص الشريفة ما يصف الحال الذي يصفون به بناتنا وصبياننا من التمرد والمشاكسة وغيره، بل ورد نقد المفهوم الشــائـع للمراهقـة، يقول أحد الأطباء: "النمو والبلوغ لا يؤديان بالضرورة إلى أزمات، ولكن طبيعة الحياة الحديثة أصبحت تسبب أزمة المراهقة". وهذه أهم فكرة أقدمها للاتي يتعاملن مع الناشئة: "التطورات والتغييرات الجسدية والنفسية والاجتماعية وغيرها، ليس من شأنها أن تُؤدِّي بالضرورة إلى حدوث أزمة لدى المراهقات، والوضع يختلف نسبياً في المجتمع ذي البيئة المتديِّنة والمضبوطة في مظهرها ومسلكها، والتي تحترم الآداب الدينيَّة والأخلاقية المسنونة". وإن أساسيات التعامل مع الفتاة المراهقة في هذه المرحلة تكون بهذه الأفكار والملاحظات:

التعامل مع الفتاة المراهقة

أولاً: من أهم الأمور ألا تجعل الداعية أو الأستاذة من نفسها "عاملاً سلبياً"، فكلما اجتمعت بالفتيات قالت لهن ملاحظة، أو لامتْهُن على سلوك، أو وجّهت إليهن أمراً أو نهياً، أو أي رسالة سلبية، مثل: "أنت مقصِّرة، ملابسُك غير لائقة، علامتك منخفضة"، وإن النصح والتوجيهات المستمرة لها وقع مزعج ومؤلم على النفس البشرية. ولا نعني سكوت المعلمات والداعيات عن الخطأ، وإنما نقد السلوك بلطف وطريقة بنّاءة مُجدية تُناسب رقة الفتيات، وفي الوقت الملائم، ويجب أن تقال كلمات قصيرة: "لماذا فعلت هذا؟ هذا التصرف لم يكن مناسباً"، مع استخدام كلمات مشجعة: "هذا صواب، عملك جيد، نِعمَ ما فعلت". بدل: "خطأ، ليس كذلك، لا أرى ذلك".

 التعامل مع الفتاة المراهقة

ثانياً: إذا لم تحسن الداعية والمربية التعامل مع الأمور البسيطة الصغيرة، تطورت وتحولت إلى مشكلات، واستعصت على الحل. وأضرب مثلاً بمشكلة أصبحت شائعة، هي التفلت من بعض فرائض الدين وأحكامه، فكيف تفعل المربية؟ حين تكثر -المخالفات الصغيرة- يصعب تقصيها، ويكون من المستحيل أن نمسك كل أمر على حدة ونحاول إصلاحه، والصحيح إصلاح الباطن: "وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله"، وليس أجدى من ترقيق القلب، والرحمة والإنسانية والعدل، فإذا فعلنا حللنا المشكلات من جذورها، وتعدّت كل واحدة إلى الأخرى وأصلحتها. وإن القيم العالية كفيلة بحل كل إشكال أو معضلة.

ثالثاً: انظرن ماذا يفعل بعض الداعيات: يحرصن على تعليم الفتيات تجويد القرآن، ويسحبونهن لمدارس التحفيظ، ويمنعونهن من سماع الموسيقى المصاحبة لبرنامج وثائقي! فضلاً عن مشاهدة التلفزيون، ويُقننن عليهن في كل شيء مثل الاشتراك بصفحة في وسائل التواصل الواتس وتويتر والفيس، ويُحرِّمن بعض المباحات… وكل هذا ضغط وتشدد مبالغ فيه، وأصبح يؤدي إلى مجموعة كبيرة من المخالفات، مثل: التكاسل عن الصلاة، والتأخر بالحجاب، وتغيير خلق الله… فهن يتعاملن مع هذه المخالفات وكأنها بدرجة واحدة، وهي تتفاوت في الحل والحرمة، فبعضها محظور وبعضها مكروه، وبعضها مباح، ويجب أن تقدر المعلمة أو الداعية لكل واحدة قدرها من الأهمية حين تنبه لها أو تعالجها؛ وترك الصلاة ليس كلبس القصير. فواحدة تمس العقيدة فهي خطيرة والأخرى مخالفة شرعية قد تجبر الأعمال الصالحة نقصها. ومن الأخطاء الإكثار من التخويف والترهيب من جهنم؛ مما يحرجهن فيخرجهن، وإن التشدد لا يأتي بخير، وزمن بناتنا غير زمننا، وفي الفتاوى سعة كبيرة، والخلافات بين الفقهاء معتبرة ومعروفة. 

ونصيحتي للأمهات والأستاذات والداعيات ما يأتي:

1 – قدمي الدين بطريقة جميلة وجذابة ومحببة وإنسانية، فالإسلام يريد السعادة للبشرية، ويأمر بما هو جميل وبما اتفق عقلاء العالم على خيره، وينهى عن الأمر القبيح والذي يتفق الفاهمون على شره.

2 – اللين في أمور الدين، ومن الخطأ التركيز على العقاب وعلى النار وحدهما، فأين الجنة؟! وأين من همّ بسيئة فلم يعملها لم تكتب له، ومن هم بحسنة ولم يعملها كُتبت له؟ وإن الله لا يحرق بالنار دائماً وإنما يغفر ويتسامح مع عباده، والبنت إذا شعرت بالقهر والعجز عن إرضاء الله تفلتت. ومن الخطأ اختيار الأقوال الفقهية التي تميل للتحريم، فهذا ينفر الفتيات، وليس هو الصواب دائماً، ولا تنسين أن المذاهب لها أقوال مختلفة (متقدمة ومتأخرة)، والفقيه تظهر له أدلة فيغير رأيه. وأنصحك ألا تأخذي الفتوى من فقهاء بلد واحد، وإنما اسمعي من غيرهم.

3 – لا يجوز إجبار الفتيات على سنن لا يُطِقْنها، أو يستثقلنها، ومن المهم أن يعرفْن الحرام ويجتنبْنه، ويعرفن الفرائض ويقُمْن بها، وتترك المشتبهات لهمتهن. فلا تجعلن من الأمور المختلف بها مشكلة.

4 – ومن الخطأ إشغال الفتاة بالنوافل والأدعية وإهمال أصول الدين وقيمه العالية، أو جعل الاثنين في مقام واحد. فالأدعية سنن يثاب فاعلها ولا يعاقب تاركها، والغش والكذب ذنوب كبيرة تُفسد على البنت دنياها وآخرتها، ومثله الاشتغال بحفظ القرآن وترك تدبره وتطبيقه. ومنه الاهتمام بالخُلُق والقيم، وإن الإقلاع عن الكذب والغش أهم عند الله من صلاة النفل. وفقه الأولويات والموازنات يهتم بهذا؛ ولكن بعض الداعيات ما زلن يوْلين دعاء الطعام أهمية أكبر من الشتم والغضب؟! فتعاملن مع كل مخالفة حسب وضعها، وأثرها، والظروف الاجتماعية المحيطة. 

رابعاً: إظهار التفهم والاهتمام. وهو أكثر ما تحتاجه الفتيات، وهذا يؤدي للثقة المتبادلة بين الداعية والفتيات، فيكفيك مؤنة النقاشات المطولة والمهاترات، ويعينك على التوجيه بسلاسة وسهولة (والثقة تعني الصدق والأمانة في الطرح، والرحمة والحرص على مشاعر الطرف الآخر، والاطمئنان لعدله وفكره وعقله وحكمته وقوة عواطفه، واستشارته والاستئناس برأيه). 

خامساً: وعلى الداعية إدراك الاختلاف في الشخصيات بين البنات، فواحدة تفهم من نظرة، وأخرى تحتاج لعدة ملاحظات. كما أن هوايات واهتمامات الفتيات تختلف، وكذلك قدراتهن، وإن دراسة النفس الإنسانية أصبح ضرورة لا غنى عنها لمن تتعامل مع الناس، ومن أهم فوائد علم النفس "معرفة دوافع السلوك" في خطوة لتصويبه. 

سادساً: وإن الفتاة يهمها جداً أن تكون مقبولة من رفيقاتها، فتقلدهن عن عمد، لكي تكون مثلهن وتنال إعجابهن ورضاهن، ويساهم في هذا حاجة الفتاة الملحَّة لقدوة من والدة أو أستاذة، فإن لم تجد اتبعت رفيقاتها. ونصيحتي للداعية أن تختار أقوى الفتيات تأثيراً وتوْليها عناياتها ورعايتها؛ لأنها ستوفر عليها الكثير من الكلام والتوجيه والملاحظات، وإذا صلحت صلحت كل الفتيات وتبدلت. 

 التعامل مع الفتاة المراهقة

سابعاً: ولكي تحصلي على ذلك، لا بد من إعطاء الفتيات -وخاصة التي اخترتها لتكون قدوة- المشاعر الإيجابية للمظاهر الجيدة، والمشاعر السلبية للمخالفات خلال مراحل التوجيه والإرشاد، فتمدحي الفعل الجيد وتنفِّري من الأمر السيئ، وهذا سيُكوّن لديها بوصلة صحيحة، تمكنها من التمييز بين الخير والشر والخطأ والصواب… في كل وقت. 

هذه أهم الملاحظات، ولعل الالتزام بها يسهّل عملية الإرشاد، ويحسّن العلاقة بين الفتيات والقائمات على توجيههن، ونسأل الله أن يخرج لنا جيلاً واعياً متميزاً.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

عابدة المؤيد العظم
أستاذة الفقه والشريعة الإسلامية
عابدة المؤيد العظم، مفكرة إسلامية وباحثة في الفقه وقضايا الأسرة
تحميل المزيد