تتهم أطراف عديدة الجزائر أنها تتاجر بقضايا الأمة من أجل سُمعة حسنة وشراء صيت عربي زائف، ولكن العجيب في الأمر هل طرد ممثلة الكيان الصهيوني من الاتحاد الإفريقي يعتبر شراء للسمعة ومتاجرة بالقضية العربية والفلسطينية؟ فهذا الموقف لا تتبناه إلا دولة تملك قرارها بيدها ومصيرها في يد حكّامها.
فقد أثار موقف طرد ممثلة الكيان الصهيوني من قمة الاتحاد الإفريقي الكثير من اللغط وأسال الكثير من الحبر؛ حيث اتهمت الصحف الإسرائيلية وصحف عالمية الجزائر ودولة جنوب إفريقيا بضلوعهما في الضغط على الاتحاد الإفريقي لطرد ممثلة الكيان الصهيوني الذي يريد أن يضع له قدماً في الاتحاد الإفريقي خصوصاً والقارة الإفريقية عموماً، ظناً منه أن كل الدول الأعضاء في الاتحاد ستنصاع لأوامره وتنفذها وتفتح له أبواب الاتحاد لاستباحتها.
وفجّرت المتحدثة باسم الاتحاد الإفريقي أمراً مهماً حول هذه الممثلة، موضحة أنه لم يتم اعتمادها نهائياً وتم طردها وفقاً للقانون، وهذا ما يعبر عن أن الاتحاد الإفريقي يتبنى في معظمه موقف الجزائر في رفض الوجود الصهيوني داخل دهاليز القرار الإفريقي، عكس بعض الدول التي تُحضّر منذ سنوات الأرضية للكيان المحتل كي ينفذ أجنداته في المنطقة وإفريقيا، مثلما وضعت له موضع قدم داخل بلدانها مستبيحة بذلك كل القوانين والأعراف التي تصنف إسرائيل دولة محتلة ظالمة.
فالجزائر انتقلت من التنظير والكلام إلى الفعل في مواجهة المد الصهيوني الجارف والهرولة نحو التطبيع، فهذا ما تبنّاه الرئيس عبد المجيد تبون منذ توليه السلطة شهر ديسمبر/كانون الأول 2019.
وقال في تصريحه الشهير: "لن نذهب للتطبيع ولن نهرول له"، إضافة في القمة العربية المنعقدة شهر نوفمبر/تشرين الثاني بالجزائر حين قال إنه على جميع الدول العربية أن تتضافر جهودها من أجل عضوية كاملة لفلسطين داخل الأمم المتحدة، ففي زمن انتقلت فيه كيانات ودول بسرعة قصوى نحو منح كل شيء لإسرائيل حتى ثقافتها وهويتها ومستقبلها وشرفها، تسارع الجزائر إلى كبح هذا العار وتطويقه والخروج منه بأخف الأضرار.
هدف الجزائر ليس فقط إبعاد الكيان الصهيوني من الاتحاد الإفريقي، بل إعلاء صوت إفريقيا وتخليصها من العقيدة الاستعمارية والقابلية للاستعمار التي كانت مناخاً ملائماً لامتصاص خيرات إفريقيا اقتصادياً وبشرياً وتحويلها إلى خزائن الجشع الغربي الذي استعبد إفريقيا لعقود، لكن هاته العقيدة بدأت تظهر ملامح تلاشيها وزوالها فلا موطأ لـ "الكولونيالية" في إفريقيا؛ المعادلة التي يجب أن يفهمها كل من لا يزال يعيش في زمن الحرب العالمية الأولى وظهور القوى الاستعمارية التقليدية، والفراغ الذي كانت تعيشه إفريقيا في مناهضة الاستعمار والصهيونية أيام كانت الجزائر تعيش سباتاً دبلوماسياً قد انتهى وولّى إلى الأبد.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.