“قضية حياة”.. ما وضع الأمن الغذائي في العالم العربي؟

عربي بوست
تم النشر: 2023/02/20 الساعة 13:29 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/02/20 الساعة 13:30 بتوقيت غرينتش
مزارع مصري يحصد القمح بمحافظة البحيرة شمال القاهرة / رويترز

الاحتياج هو أحد أهم أسباب تبعية قرار دولة ما لدولة أو لدول أخرى، الاحتياج مهدد رئيسي لاستقلال أي دولة؛ لذلك يجب على الدولة التي ترغب في درجة عالية من الاستقلال والسيادة أن تخفض احتياجها لغيرها بأقصى ما تستطيع.

عندما نحدد أهم احتياجات دولة ما؛ يمكن القول إن أهمها الاحتياجات الخاصة بالطعام والشراب، وأخرى متعلقة بالدواء، وثالثة متعلقة بالسلاح، وأخيراً احتياجات الطاقة، وتمثل هذه الاحتياجات أهم مكونات الأمن القومي لأي دولة.

يتحقق الأمن القومي الخاص بالغذاء إذا استطاعت الدولة تحقيق الاكتفاء الذاتي من أنواع الغذاء الضرورية للحياة؛ كالقمح والأرز والذرة.. إلخ، وهو ما يمكن أن نطلق عليه الغذاء الاستراتيجي، فأنواع الغذاء الكمالية التي يمكن الاستغناء عنها ليست داخلة في ذلك.

عجز الميزان التجاري

قامت الدول العربية باستيراد قرابة 43 مليون طن من القمح في سنة 2021؛ ما يعني أن الدول العربية التي تشكل 5.5% من سكان العالم، قامت باستيراد 20% من المتاح للتجارة الدولية، وأنتجت 3.3% فقط من الإنتاج العالمي من القمح.

يتضح من ذلك أن العالم العربي لا ينتج من القمح نسبة مماثلة لنسبته العددية، وأنها لا تفي باحتياجاته؛ لذا فإن العالم العربي مُعرض لأزمة الخبز بشكل دائم.

في حين يجب ألا تقل الزيادة في المساحات المزروعة بتلك المحاصيل الاستراتيجية عن معدلات الزيادة في السكان، نجد أنه في بعض الدول العربية لم يحدث ذلك، بل انخفضت المساحة المزروعة من القمح مثلاً عن العام السابق، وهذا يمثل أداء غير رشيد من الحكومات، وعليها مراجعة السياسات الزراعية لتكون متوافقة مع الزيادات السكانية وخريطة المحاصيل الاستراتيجية.

يُقيّم الميزان التجاري لأي دولة من خلال تلك المعادلة: الميزان التجاري = إجمالي قيمة الصادرات – إجمالي قيمة الواردات.

تلجأ بعض الدول لتقليل العجز في الميزان التجاري من خلال زراعة محاصيل؛ ما يمثل بيعها زيادة في الصادرات، وإن بدا أن هذه سياسة ناجحة في المدى القصير إلا أنها فاشلة على المدى الطويل؛ لأنها استغنت عن زراعة السلع الاستراتيجية كالقمح فتضطر لاستيرادها من الخارج بالعملة الصعبة.

فالدول التي تفعل ذلك ترهن قرارها وسيادتها للدول المصدرة فتكون في حاجة دائمة للخارج لعدم قدرتها على توفير السلع الاستراتيجية وعدم توفير الاكتفاء الذاتي منها؛ لذلك يجب العمل على استمرارية تحقيق الاكتفاء الذاتي من المحاصيل الاستراتيجية، ولو اقتضى ذلك تكلفة أعلى، كما أن تكلفة الاحتياج عند الضرورة أكبر كثيراً ولا شك، لذلك فيجب على دولة مثل مصر أن تقوم بزيادة منتجها من القمح بما يكفيها، ولو على حساب توازن الميزان التجاري.

السلع الاستراتيجية والاكتفاء الذاتي

على الدول العربية أن تغري الفلاح بزراعة القمح، ففي حين تدفع في شراء القمح من الخارج أثماناً عالية؛ فإنها تجبر الفلاح على أثمان منخفضة؛ مما يجعل الفلاح يتهرب من زراعة القمح لزراعة سلع أكثر ربحية بالنسبة له.

هناك ضرورة عاجلة للدفع بتطوير وتنمية مراكز البحث العلمي الزراعية في دولنا العربية للعمل على تحقيق الاكتفاء الذاتي من السلع الاستراتيجية مثل "القمح والذرة والأرز"؛ لتتمكن الدول العربية من زيادة محصول الفدان، وأن تبحث عن الأفكار والتجارب العلمية على مستوى العالم التي تمكن من ذلك.

يجب توافر مخزون فعلي من هذه السلع لمدة كافية فأغلب الدول العربية لا يتحقق لها ذلك؛ حيث يكفي مخزونها من تلك السلع مثل القمح شهوراً دون العام.

كما يجب ألا يكتفى بإمكانية توفير تلك المحاصيل في الوقت المطلوب نتيجة التعاقد بعقود طويلة المدى؛ حيث يمكن حدوث أي متغير من شأنه ألا تلتزم الدول المصدرة بها، إذ يجب على الدولة أن تؤمن نفسها بامتلاك احتياجاتها بشكل فعلي، ولا مجال لأي متغير لا يحقق المطلوب.

يجب على تلك الدول أيضاً ألا تعتمد على محصول رئيسي واحد، بل يجب أن تمتلك مجموعة من البدائل التي تجعل شعبها غير محتاج لاستيراد نوع محدد من الطعام الضروري؛ حيث يمثل القمح والذرة والأرز مجموعة بدائل، وتمثل البدائل توسعة وزيادة في الإمكانية، وتقلل الضغط، والعبرة بتوافر عوامل الإنتاج لهذه البدائل، فالبديل الذي تتوافر عناصر إنتاجه بشكل أكثر يجب أن يكون البديل الأول؛ وإن اقتضى ذلك تغيير الذوق الاستهلاكي للشعوب تدريجياً.

كما يجب استهداف التفوق في الصناعات المتعلقة بزيادة المحصول، مثل صناعة الأسمدة، وأن تعني الإدارة ببحث كيفية توفير منتجات هذه الصناعات بأقل ما يمكن، باعتبارها سلعاً وسيطة لسلع استراتيجية؟

عند ضرورة استيراد تلك السلع يجب مراعاة تنويع مصادر الاستيراد، فإن التنويع يقلل المخاطر، ويكون التنويع قدر الإمكان: مكانياً أي من دول متباعدة، وسياسياً أي من دول ذات توجهات سياسية مختلفة.

فعلى سبيل المثال: فإن مصر تستورد القمح من روسيا في المرتبة الأولى، ثم أوكرانيا في المرتبة الثانية، وقد هددت الحرب الروسية الأوكرانية الاحتياجات المصرية من القمح؛ بسبب قصور التنوع، إذ تصدر روسيا وأوكرانيا ما مجموعه 80% من احتياجات القمح المصرية.

إن الحكومة الرشيدة هي التي تسعى وفق خطة مدروسة لتوفير الاكتفاء الذاتي من المحاصيل الضرورية لحفظ أمنها القومي، وفي حالة تعذر ذلك تتخذ من السياسات؛ ما يقلل المخاطر لأدنى حد ممكن.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

محمد عبد الباسط
كاتب وروائي مصري
كاتب وروائي مصري
تحميل المزيد