مع انعقاد القمة الـ36 للاتحاد الإفريقي في أديس أبابا بإثيوبيا ومناقشة قضية اقتصادية ذات بال وواجب الوقت في ساحة إفريقيا، وهي المناطق الحرة للتبادل التجاري والاقتصادي، وحاجة إفريقيا للتنمية لاستعادة الأمن وإقرار مناخ سلمي في العلاقات الإفريقية – الإفريقية، وكيفية فك الاشتباك والنزاع في العلاقات، وإنهاء الأزمات، ومنها الأزمة الليبية وغيرها.
مع كل هذه التحديات هناك تحدي تغلغل نفوذ الكيان الصهيوني في إفريقيا، فهذا التمدد الصهيوني لم ينطلق من فراغ، وقد حدث هذا التمدد من خلال أمرين اثنين.
فقد حدث بعد التصدع الذي أحدثته اتفاقيات "كامب ديفيد" نهاية عام 1978، بعد أن عقدت مصر اتفاقيات السلام مع الكيان الصهيوني، وتطبيع العلاقات معه وتبادل السفراء والتمثيل الدبلوماسي.
هذا المنحى المصري في علاقته مع الكيان الصهيوني جعل الكثير من الدول الإفريقية تتراخى في مقاطعة الكيان الإسرائيلي، ويتلاشي ذلك الاتفاق التاريخي الذي حدث بين الدول العربية والإفريقية عام 1973 مع الحرب العربية – الإسرائيلية، بعد أن تضامنت وساندت المجموعة الإفريقية نضال الدول العربية في القضية الفلسطينية وحرب الجبهة العربية ضد الكيان الصهيوني، وقاطعت 29 دولة علاقاتها مع إسرائيل ولم يبقَ وقتها إلا أربع دول احتفظت بعلاقاتها، وهي دول صغيرة لا تأثير لها في المشهد والقرار الإفريقي، وهي: "سوازيلاند وموريشيوس وملاوي وليسوتو".
شهدت مرحلة ما بعد حرب أكتوبر 1973 تطوراً في العلاقات العربية – الإفريقية؛ حيث أصدر المجلس الوزاري لمنظمة الوحدة الإفريقية قراراً بتشكيل لجنة سباعية مع الجانب العربي تؤسس فيه لجنة للتعاون العربي الإفريقي في المجال الاقتصادي.
انعقد أول اجتماع لهذه اللجنة في "أديس أبابا" عام 1973، وامتد التضامن الإفريقي – العربي؛ حيث تم إصدار لائحة من مجلس الأمن الأممي بانسحاب إسرائيل من كل الأراضي الفلسطينية، واعتبرت إفريقيا القضية الفلسطينية من القضايا التحررية في إفريقيا، وتبنت منظمة الوحدة الإفريقية قضية فلسطين كقضية عادلة وقضية تقرير مصير.
كما توجهت الدول العربية إلى اعتماد القضايا التحررية في إفريقيا ومحاربة العنصرية وسياسات التمييز العنصري ونظام "الأبارتيد" من خلال مؤتمر القمة العربي الإفريقي الأول عام 1977.
تأسست العلاقة بين الدول العربية والإفريقية على أربعة مستندات؛ منها المستند التاريخي والسياسي والمالي الاقتصادي، وإعلان برنامج تعاون إفريقي عربي، وكانت هناك آفاق واعدة في مجال التعاون والشراكة.
لقد اتجهت مصر كدولة عربية إفريقية إلى تطبيع العلاقة مع الكيان الإسرائيلي، ودخلت معه في مسار السلام وإنهاء الصراع، وقد حدث بسبب ذلك انكسار في التعاون الإفريقي – العربي، وحدثت سلبيات كثيرة في واقع وآفاق التعاون، وسيطرت الشكوك والظنون في العلاقات.
مما جعل هذه التجربة الإقليمية لم تأخذ أبعادها لدى الجانبين، وفي هذه الأجواء استغل الكيان الصهيوني تملل التعاون الإفريقي العربي والفتور، وبدأ ينسج في علاقاته بشكل سري وعلني، ويعيد العلاقة من جديد، ويبعث التعاون بين الدول الإفريقية وإسرائيل من خلال التعاون الاقتصادي والتبادل التجاري والخبرات الأمنية والتقنية.
على مدار ثلاثين سنة، استطاعت إسرائيل العودة إلى إفريقيا بأشكال مختلفة، واستغلت الكثير من الصراعات والنزاعات بالقارة السمراء، وكان لها تواجد في مناطق الثروات والحروب الأهلية، مثل القرن الإفريقي، وبالأخص السودان؛ حيث كانت متواجدة في أزمة دارفور وانفصال الجنوب عن الشمال في السودان وتهجير يهود الفلاشا من إثيوبيا والساحل والتشاد وغرب إفريقيا.
لقد ساهم التمدد الإسرائيلي في إفريقيا للوصول إلى مرحلة الانضمام إلى منظمة الاتحاد الإفريقي كعضو مراقب أو ملاحظ، لولا تدخل بعض الدول المؤثرة في الاتحاد الإفريقي كالجزائر وجنوب إفريقيا ونيجيريا والسنغال، الذين منعوا انضمامها بصفة مراقب، وقد تم طردهم من المشاركة في حضور المؤتمر 36 للاتحاد هذه الأيام في "أديس أبابا"، إلى أن يبت الاتحاد المجموعة السباعية التي تم تشكيلها في القمة 35 السابقة بانضمام إسرائيل للاتحاد الإفريقي بصفة مراقب.
الأمر الثاني الذي مكَّن الكيان الصهيوني من التغلغل في إفريقيا هو الجانب الاقتصادي، وتراجع التعاون الاقتصادي العربي في إفريقيا؛ حيث انخفضت المبادلات التجارية مع العرب إلى مستويات ضعيفة جداً؛ حيث كان آخر لقاء انعقد في إطار التعاون العربي الإفريقي عام 1989 ولم تعقد بعده لقاءات بين الجانبين بعد هذا العام.
مما يجعل النفوذ العربي لا يؤثر في القرار الإفريقي، وهذا ما جعل إسرائيل تستغل هذا الفراغ، وتنسج مع الأفارقة علاقات اقتصادية متنامية، بدءاً بعودة العلاقة مع الكونغو 1982، وليبيريا وإفريقيا الوسطى عام 1983 في مجالات كثيرة ومتنوعة، خاصة في الجانب الأمني العسكري والتدريب، وتدخل الغرب بمساعدات وقروض، ورهن إفريقيا مع المؤسسات المالية العالمية، ومنها صندوق النقد الدولي.
لذلك يجب أن يدرك العرب أن إفريقيا حاضنة لهم، ووجب عليهم بعث التعاون العربي – الإفريقي من جديد وفق رؤية سياسية جديدة مستوعبة التطورات الجيوسياسية في العالم والمنطقة الإفريقية؛ حيث إن هناك تسابقاً محموماً بين الدول الكبرى، التي تشكل قوة اقتصادية عالمياً على إفريقيا، منها الصين وروسيا وأمريكا واليابان، فضلاً عن دول الاستعمار القديم؛ فرنسا وبريطانيا وإيطاليا، برؤية جديدة.
يجب أن يدرك العرب أن إسرائيل لا تنافس العرب في الشرق الأوسط وفقط، بل تنافسهم في مجالهم الحيوي والتاريخي في إفريقيا.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.