هل ستستقر المنطقة العربية إذا سقط النظام الإيراني؟

تم النشر: 2023/02/19 الساعة 09:27 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/02/19 الساعة 09:30 بتوقيت غرينتش
المرشد الأعلى لإيران آية الله علي خامنئي - رويترز

مضى أكثر من خمسة أشهر على بداية تأجج انتفاضة الشعب الإيراني ضد الديكتاتورية الحاكمة لإيران، وما زالت الانتفاضة متواصلة، وبأبعادها وعمقها ونطاقها واستمراريتها تشكَّل هذا السؤال في أذهان الرأي العام، ومفاده: أي نوع من الأنظمة سيحكم هذه الدولة بعد الإطاحة بالديكتاتورية في إيران؟

وهو سؤال اجتاز كل العوائق، متغلغلاً إلى كل بيت، وانشغل به عقل كل إنسان إيراني، ليكون على مفترق طرق، باحثاً عن رؤية في هذه المنطقة من العالم، ذلك لأنه مع كل حدث تاريخي مهم ينقسم التاريخ، ويصبح الأمر إما الوقوف مع الحقيقة التاريخية أو ضدها، وتاريخ البشرية مليء بهذه الانقسامات، لكن البقاء والدوام سيكون لمن وقف في صفّ الحقيقة التاريخية.

يحمل التاريخ هذه الحقيقة في صدره، وهي أن قصر النظر، قصر العمر، هما أيضاً بالاعتماد على هذه الحقيقة، ولنعد مرة أخرى إلى انتفاضة الشعب الإيراني لنر أين وُضِع الأفراد والتيارات والمجتمعات والحكومات في هذه المعادلة؟ وفي قلب هذه الحقيقة نكتشف أيضاً أن للتاريخ حقيقة أخرى، كامنة في صدره، وهي أن الشعب سينتصر على الديكتاتور، وأن وزن وتأثير الآخرين في الرد على هذا مفترق طرق، يكمن في تقديم أو تأخير الزمن في هذا الانتصار.

لقد قطع شعب إيران شوطاً طويلاً ومكلفاً من أجل الوصول إلى الحرية والاستقلال والحكم الوطني الشعبي الديمقراطي، وله الحق في عدم القبول بترك الأوضاع تعود إلى الوراء، وقد جربوا ديكتاتورية "بهلوي" و"خميني" في المئة عام الماضية، ولن يتسامحوا الآن مع أي ديكتاتورية أخرى.

ويمكن اكتشاف هذه الحقيقة بوضوح في الانتفاضة الأخيرة للشعب الإيراني، والمشهد الحالي لانتفاضة الشعب الإيراني في الأشهر التي ستنتهي بسقوط الديكتاتورية الدينية أصبح مشهداً مذهلاً للغاية، ولن يكون بعيداً عن توقع ظهور المزيد من المشاهد الأكثر روعة على هذا المسير، والآن تكالبت وتتكالب الديكتاتوريات الحاكمة الحالية لإيران، والسابقة المخلوعة، حتى يمنعوا انتفاضة الشعب الإيراني من الانتقال إلى ثورةٍ وتحولٍ اجتماعي لإقامة حكم وطني شعبي ديمقراطي في إيران، ولكن هل سيكونون قادرين على ذلك؟

تعيش السلطات الحالية الحاكمة لإيران وبقايا الديكتاتورية في حالة من الرعب من مثل ثورة كهذه، وتحاول بشتى الطرق إجبار الشعب الإيراني على الاختيار من بين خيارين للديكتاتورية؟

يحمل أحدهما ما يسمونها بالراية "القومية"، والآخر يحمل ما يسمونها بالراية "الدينية الطائفية"، هذا في حين أن كلا النوعين من الديكتاتورية كان ولا يزال "ضد الشعب الإيراني"، والسؤال التالي هنا هو: في أي جانب ستقف حكومات العالم، وخاصةً الدول المجاورة لإيران، وعلى وجه الخصوص الدول العربية، في ظل هذا الانقسام التاريخي الذي أشرنا إليه أعلاه؟ إلى جانب الديكتاتورية واضطراب المنطقة، أم إلى جانب الشعب واستقرار المنطقة؟!

لقد سئم الشعب الإيراني من الإدانات اللفظية لديكتاتورية ولاية الفقيه من قبل الآخرين، ولديهم المزيد من التوقعات من الحكومات، وخاصةً في الدول العربية، إنهم يريدون خطوات عملية من الحكومات، لجعل هذه الإدانات أكثر شفافية، مُرتقية إلى مساراتٍ عمليةٍ أعلى.

لقد تعلم الشعب الإيراني من التجربة، أن مدعي الإصلاح من داخل النظام، و"البديل المصطنع" خارج النظام هما "وجهان لعملة الخداع"، وذلك من أجل بقاء الديكتاتورية في إيران، ومشاريع مثل الدعوة إلى"الإصلاح داخل النظام" أو "التهيئة والترويج لبقايا ديكتاتورية الشاه المخلوع بثورة شعبية كبديل (!) لديكتاتورية ولاية الفقيه، هي تحرك على طريق بقاء الديكتاتورية في إيران وهذا خطأٌ كبير!

وطريق مرفوض ومسدود من وجهة نظر الشعب الإيراني، وإن الشعارات الحالية للشعب الإيراني باستمرار الانتفاضة حتى إسقاط الديكتاتورية لدليل على حقيقة أن أياً من هذه الخطط والمشاريع لن يكون له بالنهاية سوى الفشل، وأن مؤسسيها ومؤيديها الذين اختاروا الجانب المُر من التاريخ سيذوقون قريباً طعم الفشل المُر!

ذلك لأن جوهر أي نظام ديكتاتوري هو قمع وقتل الشعب وسلب حقوقه الطبيعية.

وبنظرة إلى تاريخ إيران والعالم نرى أن الديكتاتوريين يغيرون وجوههم، ويسارعون لمساعدة بعضهم البعض في اللحظات التاريخية (على الرغم من وجوههم وشعاراتهم التي تبدو مختلفة ومتناقضة)، وكما حدث في عام 1979، حيث تركت "ديكتاتورية الشاه" مكانها لديكتاتورية "ولاية الفقيه"، ونشهد الآن أيضاً موجةً من المتآمرين ضد انتفاضة الشعب الإيراني في آخر أيام ديكتاتورية ولاية الفقيه، ولو لم تكن هناك مقاومة مشروعة وشعبية على الساحة، لم تكن انتفاضة الشعب الإيراني لتتواصل فحسب، بل كانت ستُسحق مرة أخرى، وتُسرق قيادتها، خاصةً أنه قد تم توظيف مجموعة من وسائل الإعلام الرجعية والاستعمارية، حتى يحرفوا انتفاضة الشعب الإيراني عن مسارها. 

وعليه، فإن الشعب الإيراني الآن بحاجة إلى الدعم في مواجهة الأوضاع الحالية، وحجر الزاوية في انتفاضته هو المقاومة التي تشكلت في ميدان العمل، والتي لم تغلق الطريق أمام أي مؤامرات أو أيٍ من محاولات ركوب الأمواج والانتهازية فحسب، بل وباجتيازها معابر النيران والاختبارات التاريخية الكبرى تكون قد حددت المستقبل لصالح الشعب الإيراني أيضاً.

ولم يعُد خافياً على أحد أن مصالح الشعب والمجتمع العربي، وتحديداً دول الجوار لإيران، تقتضي إسقاط الديكتاتورية والفاشية الدينية الحاكمة لإيران، لكن هذه المصالح ستؤدي إلى الاستقرار والأمن في المنطقة، عندما تتماشى مع الانتفاضة ومصالح الشعب الإيراني، وأما الاستثمار في حصان خاسر سيُبقي المجتمع العربي والمجتمع الدولي أكثر فأكثر "تحت التهديد"، إن الشعب الإيراني لَعازمٌ على الإطاحة بالديكتاتورية الحاكمة لبلده، ولن يقبل بأقل من ذلك، خيارهم الحتمي هو "لا لديكتاتورية الشاه ولا لديكتاتورية الفقيه".

وعليه، فإن الأمر متروك للدول والحكومات لاختيار الجانب الحقيقي من التاريخ، وعدم إضاعة الوقت، وذلك بالوقوف إلى جانب الشعب والمقاومة الإيرانية، ذلك لأن أي تأخير في هذا الأمر، حتى ولو كان لبرهة زمنية على الأقل، فإنه سيعرّض مصير المنطقة للخطر. ولقد أثبتت التجربة أن الصمت واللامبالاة بشأن ما يحدث في إيران ينفع الديكتاتورية الدينية الحاكمة، والتي هي مصدر الإرهاب في العالم، والعامل الأساسي في تصدير الأصولية، والتدخل في الشؤون الداخلية للدول، وبالنتيجة زعزعة الاستقرار والأمن في المنطقة.

وفي هذا الصدد، وكما قالت السيدة مريم رجوي مؤخراً، فإن التوقع من المجتمع العربي هو "تصنيف قوات الحرس كإرهابي"، و"والإعلان عن حظر أي تعاملات سياسية وعسكرية واستخباراتية واقتصادية معه"، وكذلك "طرد نظام الملالي من مؤتمر التعاون الإسلامي"، و"وإن قطع علاقات الدول العربية والإسلامية مع هذا النظام أمر ضروري، وبالتوازي مع هاتين الخطوتين المهمتين هناك خطوة مهمة أخرى، وهي "الاعتراف رسمياً بنضال الشعب الإيراني من أجل إسقاط ديكتاتورية الملالي"، والتأكيد على "أحقية ومشروعية معركة الشباب الثائر مع يسمى بـالحرس الثوري، وحقهم في الدفاع عن أنفسهم".

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

عبدالرحمن مهابادي
كاتب ومحلل سياسي إيراني
تحميل المزيد