استضافت القاهرة خلال الأيام القليلة الماضية، أعمال مؤتمر القدس تحت عنوان "صمود وتنمية"، في مقر جامعة الدول العربية بالقاهرة، بمشاركة رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، وسط تمثيل عربي وإقليمي ودولي رفيع المستوى، يأتي هذا الحشد العربي في وقت حساس وخطير، وسط تصاعد وتيرة العنف والانتهاكات الإسرائيلية في مدينة القدس، وارتفاع معدلات القتل والاعتقال بحق الفلسطينيين.
كان هدف المؤتمر الأول هو تسليط الضوء على معاناة أهل القدس، ودفاعهم عن حقهم في الحياة على أرضهم وإبراز صمودهم، ومحاولة إظهار مزيد من الدعم العربي تجاه القضية الفلسطينية.
في حين حاولت العديد من الدول العربية من خلال هذا المؤتمر إعطاء وجه آخر للدعم عبر إظهار الوحدة العربية تجاه فلسطين، متمسكة بكون القدس هي قضيتها الأولى، وأن هذا ليس شعاراً، وإنما من الثوابت الراسخة في العقيدة العربية، وهو ما ظهر في بيان للجامعة العربية.
تعقيباً على هذا المؤتمر، سيتم طرح تساؤل جوهري: ماذا ستستفيد فلسطين من هذا المؤتمر؟
الإجابة عن هذا السؤال تتطلب تحليلاً عميقاً لأبرز تصريحين خلال المؤتمر، وتقديم شرح لأسباب عقد هذه الفعالية، والأفكار المطروحة فيها.
البداية ستكون مع رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، الذي كان توجهه واضحاً منذ البداية عبر المطالبة بدعم أكبر للتوجه نحو الأمم المتحدة، ومجلس الأمن الدولي لاستصدار قرار يحمي حل الدولتين، عبر منح دولة فلسطين العضوية الكاملة، والدعوة لعقد مؤتمر دولي لإعلان ذلك، وكذلك الاتجاه نحو المحاكم والمنظمات الدولية، وصولاً إلى حث المؤسسات والصناديق العربية لدعم القدس بالمشاريع التنموية.
تبدو المطالب عقلانية، وتصب في صالح دعم القضية الفلسطينية دبلوماسياً، وعبر وسائط دولية من شأنها أن تشكل فارقاً، خاصة إذا ما تم الضغط على المحكمة الجنائية الدولية للتحقيق في جرائم الاحتلال والاحتشاد وراء فلسطين، وتقديم مرافعاتها القانونية لمحكمة العدل الدولية، ورأيها في قانونية وجود الاحتلال الصهيوني على الأراضي الفلسطينية.
في حين يبدو تصريح الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، أقرب إلى تهدئة الأوضاع، من خلال التأكيد على ضرورة محافظة الحكومة الإسرائيلية العنصرية المتطرفة على "الوضع القائم" من خلال تكريس ثقافة السلام والتعايش التي طالما دعت إليها، على أمل أن يؤدي هذا إلى إرساء سلام دائم في القدس.
في ظل موجة تطبيع بعض الدول العربية مع تل أبيب، والتي تمثّل الخطوة السودانية النقلة الأحدث فيها، غير أن هذا التعايش الذي تطالب به بعض الدول لا يمكن أن يتحقق في ظل حكومة صهيونية فاشية بقيادة "نتنياهو، وبن غفير" والتي تستهدف مخططاتها القدس، التي أصبحت تمثل بؤرة المواجهة الأولى، في ظل محاولة هذه الحكومة حسم قضيتها وعزلها عن دائرة الصراع، كمقدمة لتحقيق مشروعية الدولة القومية خالصة العرق اليهودي على الأرض الفلسطينية.
بالنظر إلى هذه الوضعية، فلا يمكن تحقيق هذه المطالب، لتبقى مجرد شعارات يتم ترديدها كل مرة.
خرج المؤتمر بمجموعة من القرارات التي من شأنها أن ترتقي بالقضية الفلسطينية إلى مستوى آخر، في حال ما إذا نفذت بصورتها الحقيقية، من جهة أخرى تكمن أهمية المؤتمر باعتباره أداة ضغط على دولة الاحتلال، وتأكيداً على مشروعية القضية الفلسطينية؛ حيث تضمّن المؤتمر شحنة معنوية مناهضة لتحييد القضية الفلسطينية في خطوات التطبيع الجديدة.
من جهة أخرى، ولنكن واضحين ومنطقيين، فإن الدعم السياسي من دون دعم مالي لا يساوي شيئاً بالنسبة للفلسطينيين، فالوضع الحالي للسلطة شبيه بوضع الدولة المفلسة والمنهارة، والتي لا يمكنها تأدية واجباتها بالشكل الصحيح، وهو ما يجعلها عرضة للانتقادات على المستوى المحلي، ومن ثم تحميلها مسؤولية الفشل السياسي والاقتصادي.
في حين فضّل العرب ترك الدعم المالي وتعويضه بالدعم المعنوي، إذ كان من الممكن أن يكون الشق الاقتصادي أحد مخرجات البيان الختامي للمؤتمر، وكان من الممكن أن يدرك العرب أن خطورة الوضع المالي للسلطة الفلسطينية يضعها تحت ضغوطات، وإملاءات خارجية مكرهة، خاصة في ظل تقلص الدعم المالي لها في السنوات الأخيرة إلى نصف ما كان عليه قبل سنة 2021.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.