كانت الدروس المستفادة من ثورة يناير عظيمة، ليس للجيل الذي قام بها فقط، بل للجيل الأصغر سناً، جاء أحد هؤلاء ليحدثنا عن الدروس التي تعلمها وقتها من تلك الثورة، الدروس التي غيّرت نظرته للدين وللحياة ولكل شيء، فتعالوا بنا لنعلم كيف كان ذلك الفتى ـ طالب الإعدادي ـ يرى تلك المظاهرات، وماذا تعلم من دروس بعد ثورة يناير؟
عدم تقديس الرموز
أول ما تعلمته من ثورة يناير كان عدم تقديس الرموز، كنت طالباً بالأزهر الشريف، وأرى علماء الدين فوق كل الناس، لا يصحّ أن ننتقدهم، ولا يجوز أن نخطّئهم، بل نلتمس لهم الأعذار في كل شيء، كنت أتوقع وقتها وقوف علماء الدين إلى جانب المتظاهرين بعد الاعتداء عليهم، لكن ظهر أحد شيوخ الأزهر وقتها ليصف المتظاهرين قائلاً: "هم دعاة فتنة ودعاة جهنم، من أطاعهم قُذف فيها".
\قال هذا الكلام ليسقط عندي كقدوة، لأنتظر موقف المفتي علي جمعة وما إن خرج ليخاطب المتظاهرين قائلاً: "دعوا الشرعية تعمل، فإن الخروج على الشرعية حرام حرام حرام" ليسقط كقدوة هو الآخر بعد هذا الكلام.
يأتي يوم الجمعة، وأنتظر موقف خطيب مسجد قريتنا، فهو لا يملك منصباً رسمياً كهؤلاء حتى يخاف، انتظرت موقفاً إيجابياً لأتفاجأ عندما خاطب المصلين قائلاً: "واحسرتاه! أتخرجون على حاكمكم الذي بايعتموه بالصندوق، الخروج على الحاكم حرام".
بعد سماعي هذه الكلمات، التي ما زال صدى صوتها في أذني إلى يومنا هذا، شعرت بالإحباط، لكن هذه المرة لم يسقط هذا الرجل كقدوة فحسب، بل سقط جزء من إيماني بالله، كيف أؤمن بدين يؤيد الظلم والاستبداد والقتل؟
لأجد الجواب أخيراً من معلمي – الذي كان يحفظني القرآن وقتها ـ الذي أوضح لي الالتباس، ودلني على الرأي الشرعي الحقيقي لهذه المسألة، لا رأي من ينشرون التشدد على السوشيال ميديا، ولا كلام علماء السلطة الذين يخافون مناصبهم، وأسمعني رأي الإمام يوسف القرضاوي رحمه الله، ليزول شكي بالدين عندما قال مخاطباً علماء السلطة:
"كونوا مع ما ينفع الناس، كونوا مع أنصار الثورة، لا مع أعداء الثورة"، ليطمئن قلبي، ويسكن فؤادي بعد هذا الكلام، ويتضح لي أن الإسلام لا يؤيد الظلم، بل أيده أولئك المشايخ، الذين يمثلون أنفسهم ولا يمثلون الإسلام، وقتها أدركت ألا أقدس أحداً.
فن الاختلاف
كان مما تعلمته فن الاختلاف، كنت معجباً بالتيار السلفي، كانت مكتبة جدتي مليئة بكتب لعلماء السعودية، كالإمام ابن باز والإمام ابن العثيمين، بالتأكيد ليس لهؤلاء العلماء ذنب في عدم احترام من أختلف معه، لكن ما يجعل الشخص لا يحترم من يختلف عنه هو قراءة الكتب من جانب واحد.
قراءتي لكتب السلفيين فقط جعلتني متحجراً وقتها، بل كنت أرى مصافحة خالاتي وجدتي حراماً شرعاً، لأني أقرأ النصوص دون فهم، وأسمع الخطب دون وعي، حيث كنت وقتها متابعاً باستمرار لقنوات التيار السلفي، كقناة الناس والرحمة، وخصوصاً محمد يعقوب، ومحمد حسان، كنت أرى فيهم الالتزام بالدين، ووجدت تمييع الدين عند غيرهم.
لكن كانت نقطة التحول، عندما تعاملت مع بعض رموز جماعة الإخوان، وقتها رأيت الفرق تماماً، بين هؤلاء وأولئك، حيث وجدت عند رموز الإخوان ما لم أجده عند رموز التيار السلفي، وجدت فيهم الطبيب والمهندس والمعلم، وجدتهم واقعيين بين الناس.
بعدما لاحظت أن أولئك، أي السلفيين يعيشون في عالم موازٍ، بعيداً عن الناس، لا يعرفون ما يهم الناس، ولا يفهمون ما يريد الناس، لكن سرعان ما اكتشفت أن قيادات الإخوان أيضاً ذهبوا إلى عالمٍ موازٍ بعد وصول الرئيس الراحل محمد مرسي إلى الحكم.
على الجانب الآخر، رأيت قيادات جبهة الإنقاذ في عالمٍ موازٍ أيضاً، فلقد كانوا يحشدون الناس لرجوع حكم العسكر من جديد، وبالنهاية أصبح الشعب المصري تائهاً بين ضررين، اتجه لأكثرهما ضرراً، وكل ذلك كان لأجل عدم وجود فن الاختلاف.
قيمة الحرية
من الدروس التي تعلمتها أيضاً الحرية، ففي أي جلسة تجمعني بأي أحد ممن كانوا يكبرونني سناً، كنت أرى أنه عندما يأتي ذكر المخلوع مبارك، أو ذكر أحدٍ من رموز ذلك النظام الفاسد، كان الناس يصمتون، ولا تجد أحداً منهم يتحدث، لا بكلام طيب ولا بخبيث، كنت أسأل والدتي عن سبب ذلك الصمت، ثم وضّحت لي السبب، إنه ببساطة الخوف من بطش ذلك النظام.
تعلمت قيمة الحرية أكثر بعدما نجحت الثورة في إسقاط رأس ذلك النظام، وتنفس الجميع أنفاس الحرية، لكن ولأن الأحلام الوردية لا تكتمل، عاد ذلك النظام مرة أخرى ليقبض بيد من حديد على كل ما يتعلق بثورة يناير وعلى كل مكتسباتها، وعلى رأس هذه المكتسبات الحرية، التي لم نكن نعرف قيمتها حق المعرفة، ذلك السبب الذي جعل غالبية الذين قاموا بثورة يناير يفرطون فيها، لكن أدرك الجميع الآن قيمتها بحق، وذلك الدرس الأبرز الذي سيجعل الجميع لا يفرطون بها مرة أخرى.
انتصار الفكرة على القوة
من الدروس التي تعلمتها من ثورة يناير، أن أصحاب الفكر فازوا في الثورة على أصحاب السلاح، بعد أن كان يقلل من جهودهم المخلوع مبارك، مرة حين قال "كبر مخك" ومرة حين قال "دول شوية رعاع".
لكن سرعان ما استجاب مبارك وخرج ليرضي الجماهير بنصف المطالب التي كانوا يريدونها، فاستمر الثائرون في مظاهراتهم، حتى استجاب وتنحى رغماً عن أنفه، ثم رأيناه خلف القضبان وهو يتظاهر بالضعف، ملقىً جسده على سريرٍ متحرك، ليثير مشاعر مؤيديه، ويظهر أمام الناس ضعيفاً، لتكون تلك الصورة خير تعبير عن نجاح الفكرة في الانتصار على القوة.
لقد رأينا أخيراً من كان سبباً في قمع الناس خلف القضبان، ورأينا أستاذاً جامعياً في قصر الرئاسة، لكن ولأن الأحلام الوردية لا تكتمل، سرعان ما اكتشفنا أن الفكرة تنتصر بشكل مؤقت، وأن القوة هي المنتصرة، تم الانقلاب على الرئيس المنتخب محمد مرسي، بعدها تم قتل الآلاف في مجازر استمرت حتى يومنا هذا.
لقد تم تكبيل كل من قام بثورة 25 يناير بين قتيل ومعتقل ومختطف وممنوع من السفر وموضوع على قوائم ترقب الوصول، لم ينتهِ الأمر عند هذا الحد، فقد تم تزييف أحداث يناير على لسان أحد القضاة، حين قال: "ما حدث لمصر اعتباراً من يوم 28 يناير 2011 كان مؤامرة"، لكن ما أثار الدهشة أن الرئيس المخلوع "حسني مبارك" تعجّب من هذا الكلام حين رد قائلاً: "نتركها للتاريخ"، لينتهي الدرس الأخير بدرس معاكس وتساؤل في نفس الوقت: هل القوة تنتصر على الفكرة؟
لكن ما أريد قوله أخيراً أن الثورة يوماً ما ستنتصر، حيث لا قيود ولا استبداد، وقتها سنتعلم الكثير من الدروس وليس مجرد 4 دروس فقط.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.