ما زلنا نمتلك القوة.. الزلزال لن ينهي أمل السوريين في الحياة

عربي بوست
تم النشر: 2023/02/15 الساعة 12:25 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/02/15 الساعة 16:41 بتوقيت غرينتش

مرّت أيام عديدة على الزلزال الذي ضرب الشمال السوري والجنوب التركي، لكن هل انتهى كل شيء؟! 

بالنسبة لنا في الشمال السوري فإن مرور الأيام يزيدنا إيلاماً، لم يعد هناك صوت، صار بمقدورنا إحصاء القتلى، وتحضير المقابر للأمل، لم تمتد إلينا سوى أيدينا المثقلة بالفاجعة، اختبرنا خذلان العالم للمرة المئة، ولا جديد، نحن الضحايا في كل مرة، لا صوت لنا مهما تألمنا، وكأنما قدرنا هو المأساة، وقدر العالم هو الخذلان والبكاء. لم يعد الأمر مهماً، لم نعُد نحتاج حتى للتعاطف والدموع، صار بإمكاننا أن ندبج قصائد الرثاء متى أردنا، وذرف الدموع متى أردنا، ولكن هيهات أن نفعل.

في سوريا تزلزلت الأرض من تحت أقدامنا، ولكن عزائمنا صلبة ثابتة، لم تتصدع لأنها متصلة بعزيمة الله وقوته، اختبرنا حتى اليوم أصعب أشكال الموت الممكنة، وها نحن قادرون على بعث الحياة من جديد، ما زلنا كالجسد الواحد، إذا اشتكت منه حلب تئنّ لها دمشق، وتغيثها دير الزور، وتضمدها إدلب، وتسهر حمص على راحتها جميعاً، ونلتف حول بعضنا في كل هذه الجغرافيا الصغيرة لنمسح الجراح، ونبعث الدفء، ونعلن جولة جديدة في مواجهة تحديات الحياة، لأننا نؤمن أننا الخالدون، سيفنى كل شيء وسنبقى، سيموت كل شيء وسنُبعث من جديد.
الآن، وفي القيامة، لن تفنى الذاكرة، ولن تتهدم أسوار الحق، ولن نخذل أنفسنا مهما حاول العالم أن يخذلنا. 

كان الموت والركام والدمار هو عنوان الأسبوع الأول من الزلزال، ولقد كتبنا تحته نصوصنا التي لم تكُن خائفة ولا مرتعشة، اليوم سنستعيد أنفاسنا من جديد، ستبدأ الحياة سيرتَها الأولى، ستختفي المآتم، وستنتشر الضحكات، وسنشدُّ على أيدي المحتاجين بما لدينا من قوة؛ لكي نجتاز معهم الحزن والكارثة. 

سنقسم رغيف خبزنا، ولن نجوع، سنشد أوتاد خيامنا ببعضها، ولن نبيت في العراء، سنُشعل النار فوق حُطامنا، ولن نسمح للبرد بأن يأكل ما تبقَّى من قلوبنا، سننجو كما فعلنا في كل مرة، فنحن معتادون على النجاة مهما راهن العالم على أن يهزمنا بخذلانه وقسوته. 

لم ينتهِ شيءٌ، ربما سيبدأ الآن ما نستطيع إدراكه، مرّت أيام الكارثة، سنخلع عنا الملابس التي ملأها غبار الركام والدمار، سنضمّد جراحنا النازفة، سنمسح دموعنا التي أُريقت على مَن فقدانهم من الأحبة والأصدقاء، وسنبدأ بالعمل… لا وقت لدينا للتفكير بالمصيبة، فلحظاتنا في هذه الدنيا أقصر من أن نستهلكها في الحزن والمصائب، وسيرى العالم كلّه أي جيل سيخرج من هذه الأرض، وأي قوة تختزنها سواعدهم وقلوبهم. 

سنكون هناك على الموعد مع الفجر، ومع كل البدايات الجديدة، لأن مثلنا لا يحترف إسدال الستائر، ونسج النهايات، نحن على الخشبة، وعروضنا لن تنتهي… 

هذا وعدنا لأنفسنا، ولبلادنا، ولأهلنا، والوعود لا تصيبها الزلازل، ولا تقدر عليها آلات الحروب، ما زلنا نمتلك القوة، وما زلنا قادرين على الأمل، وما زلنا نتعهد الأحلام الصغيرة ونرعاها بأعيننا، بعيداً عن أوهام الاستحالة. 

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

تحميل المزيد