كهرمان مرعش بعد الزلزال.. لا قيمة للمال هنا!

عدد القراءات
1,244
عربي بوست
تم النشر: 2023/02/14 الساعة 11:26 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/02/14 الساعة 11:26 بتوقيت غرينتش
رجل في كهرمان مرعش يقلب في ألبوم عائلي وجده وسط حطام منزله بعد الزلزال / رويترز

بدأ كل شيء بعد الزلزال الكبير الذي ضرب تركيا وسوريا الأسبوع الماضي، تعقبت بفضل عملي الأحداث منذ وقوعها، لم يخطر ببالي أن تسمح لي الفرصة بالذهاب إلى تلك المدن لتغطيتها رغم رغبتي الأكيدة في خوض التجربة.

بعد مرور 5 أيام عن الحدث وارتفاع الوفيات والمصابين إلى عشرات الآلاف فاجأني مديري: "هل تودين الذهاب لتغطية الحدث؟"، لم أتردد ولو لوهلة واحدة اجتمع الحماس وحب الاستطلاع وشغفي بالمهنة ومحاولة إيصال صوت المتضررين إلى العالم.

بصراحة شعرت بالقليل من الخوف بعد وصولي للمنزل وحين بدأت بتجهيز ثيابي راودتني أسئلة: "هل سأعود مجدداً؟"، "ما الذي سأوجهه في تلك المدن؟"، يا ترى هل كان قراري في محله؟ اتصلت بأقاربي وحاولت توديعهم بطريقتي الخاصة ثم توكلت على الله وقلت في نفسي: "لن يصيبني إلا ما كتبه الله لي".

كانت أولى وجهاتنا كهرمان مرعش بؤرة الزلزال، انطلقنا على الساعة 11 صباحاً، بدأنا نواجه بعض العراقيل بعد بضع ساعات من خروجنا من الضفة الأوروبية لإسطنبول، "هل يا ترى هذه إشارة لعودتنا إلى ديارنا سالمين" كان هذا أول ما تبادر إلى ذهني حينها.

لكن بعد رحلة دامت أكثر من 12 ساعة قررنا أن نرتاح قليلاً في مدينة قيصري البعيدة عن كهرمان مرعش بثلاث ساعات ونصف، ثم حزمنا الرحال وانطلقنا مجدداً، كلما اقتربنا أكثر زادت حدة الأسئلة، خاصة بعد مشاهدتي الأخبار على قناة تركية التي أكدت حدوث أزيد من ألف هزة ارتدادية بالمدن المدمرة جراء الزلزال.

النظرة الأولى على كهرمان مرعش 

في الطريق إلى مرعش كانت المناظر الطبيعية المليئة بالثلوج سبب نسياني ولو لبعض الوقت الأوضاع المأساوية التي تعيشها المدينة، على بعد بضعة كيلومترات من وجهتنا توقفنا في محطة بنزين وهناك بدأت لمحة عما يواجهنا.

كانت المحطة مزدحمة بالسيارات والشاحنات خالية من جميع اللوازم والخدمات ما عدا البنزين، أول ما لفت انتباهنا مئذنة مسجد محطمة وبضعة منازل تضررت بفعل الزلزال.

بدأت مرعش تظهر من بعيد وكأن شيئاً لم يحدث، المباني تبدو في مكانها، تبدو المدينة هادئة محاطة بالجبال الجميلة والمناظر الخلابة، اقتربنا شيئاً  فشيئاً وبدأت تلك الملامح تتغير، المنازل الجميلة البعيدة عبارة عن بنيان متضرر لا يسكنه أحد.

اقتربنا إلى وسط المدينة والغبار في كل مكان والناس جالسون على اليمين واليسار منهم من فقد عائلته وآخرون نجو بحياتهم لكن لم يعد لهم مأوى بسبب سقوط أو تضرر منازلهم.

كهرمان مرعش
آثار الزلزال في كهرمان مرعش

لا أستطيع وصف حجم الكارثة التي شاهدتها، ولم أكن أتخيل أنها بهذا السوء، كانت أولى اللقطات عمال إنقاذ حاملين لجثمان أحد الضحايا، صففنا السيارة وبدأنا في التوجه إلى مكان الحدث، كانت رائحة الموت تملأ المكان.

أصوات الجرافات سيارات الإسعاف الممزوجة ببكاء وحزن سكان المنطقة كفيلة بشرح مدى حجم الكارثة، الكل هناك يحاول المساعدة ولو بأشياء بسيطة على أمل إيجاد أحد الناجين رغم الفرصة الضئيلة للنجاة.

شاهدنا من فَرِح ولو لبضع دقائق بعد إخباره عن بصيص أمل أو صوت يدل على نجاة أحد أقربائه، وآخر يحاول إخراج الأثاث من منزله المهدد بالسقوط، فيما قرر آخرون الرحيل بعدما خسروا كل ما يملكون.

حين يصبح المال بلا قيمة 

مر اليوم بسرعة وتمكنا من الحديث إلى مسعفين قادمين من دول مختلفة، تلك الدقائق البسيطة للمقابلات كانت كفيلة لشرح حجم المأساة التي يعيشها الناس، كنت أحاول رؤية تعابير وجوه سكان المدينة، كانت شاحبة رغم محاولة التعايش والنسيان التي يمرون بها.

أكثر ما أثَّر في نفسيتي رجل مسن طلب منا المساعدة، لم نكن نملك شيئاً لتقديمه غير المال، عرضنا عليه قيمة معينة آملين أن يتمكن من شراء ما يريده، هنا كانت الصدمة رفض المسن المال ثم قال: "ماذا ستشتري لي؟ لا يوجد شيء هنا، كل شيء مدمر هل لديكم شيء للأكل؟"، لم أستوعب ما قاله لبضع ثوانٍ من قوة الصدمة فأنا لم أكن أتوقع مثل هذا الجواب.

 في مرعش أصبح المال بلا أي قيمة، رغم المساعدات الكبيرة والطعام المقدم في جميع أرجائها من مؤسسات الدولة أو من متطوعين ما زال هناك من يبحث عن لقمة عيش.

في مثل هذه الظروف تجد أنه لا شيء فوق الإنسانية لم تعد هناك خلافات، لا دينية ولا عرقية ولا سياسية، الهدف الوحيد هو إنقاذ الناس وتقديم المساعدة لهم.

كانت الأحداث المتتالية في المدينة كفيلة لرؤيتي للنعم التي أعيش فيها، فلا شيء يستحق كثرة التفكير ما دام هناك صحة وأمان.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

شيماء الأبيض
إن من الإبداع أنه ليس علينا أن نحاول بأقصى جهدنا تجاوز الطريقة التقليدية للكتابة فقط، ولكن علينا أن نتخذ خطوة إلى الوراء لنوقظ، ونحفز بعض الطرق التي استخدمناها للإدراك والتعبير عندما كنا أطفالاً.
صحفية مغربية، ولدت في مدينة فاس المغربية، درست في البداية في جامعة العلوم الاقتصادية والقانونية والاجتماعية، بعد تخرجي تخصصت في مجال الإعلام شعبة الإذاعة والتلفزيون، حصلت على الإجازة واشتغلت في العديد من المنابر الإعلامية المغربية مثل Cap 24 و Chada radio و Chada TV وغيرها من، بعدها توجهت إلى تركيا وعملت في قناة الحوار، انضممت إلى موقع عربي بوست سنة 2022 كـ Producer في قسم المنوعات، أحب كتابة كل ما له علاقة بالتكنولوجيا الحديثة والأماكن التاريخية، بالإضافة إلى شغفي بكتابة المواضيع الرياضة
تحميل المزيد