تسييس الزلزال.. لماذا تعاقب المؤسسات الدولية الشعب السوري في محنته؟

عدد القراءات
744
تم النشر: 2023/02/14 الساعة 08:23 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/02/14 الساعة 08:24 بتوقيت غرينتش

حلّ بالشعب السوري والتركي في الوقت نفسه زلزال كبير ومدمر، وراح ضحيته الآلاف بين قتيل وجريح ومفقود، واستمر هذا الزلزال المدمر كما جاء بوسائل الإعلام الرسمية لمدة 40 ثانية؛ ما شكّل صدمة كبيرة لدى العالم، وبدأت المساعدات تتدفق بنفس الساعة التي حصل بها هذا الزلزال.

اللافت في الأمر أن المساعدات والهبات الدولية كانت مركزة على تركيا تحديداً، ولم يلتفتوا إلى سوريا، بسبب "حصار قيصر" الظالم، الذي فرضته عليها الولايات المتحدة الأمريكية منذ سنوات، فالضحية في هذه المرحلة هو الشعب السوري فقط، الأمم المتحدة- كما جاء على لسان أمينها- تتشاور في إرسال المعونة إلى سوريا، وفي الوقت نفسه وصلت المعونة إلى تركيا، والاتحاد الأوروبي أيضاً كان متردداً في الوقوف مع سوريا، بسبب السياسات الظالمة على سوريا.

دول عربية كبيرة ومهمة مثل الأردن والجزائر والسعودية ودول الخليج وغيرها الكثير، قدّمت الدعم إلى الطرفين؛ سوريا وتركيا، حتى فلسطين الجريحة قدّمت ما بوسعها في هذا المصاب الجلل. ورغم الحصار المفروض على سوريا، كما جاء في وسائل الإعلام السورية، بأن وزارة الصحة تفتقر إلى المستلزمات الطبية المهمة لإخراج المصابين من تحت الركام، وفي الوقت نفسه، ومن هول الموقف تُقر الحكومة السورية بأن المعدات اللازمة لمثل هذه الحالات من الزلازل غير متوفرة بكثرة، بينما تم إرسالها إلى تركيا على عجل.

الوضع الإنساني الصعب الذي يعيشه الشعب السوري في هذه المرحلة الحرجة فاق كل التوقعات، المواطن السوري تحت الركام وينتظر قراراً سياسياً ليتم إنقاذه، بينما عامل الوقت لا يساعده على الإطلاق، فهول المصيبة عظيم جداً في سوريا، تحديداً على دولة عانت من حرب داخلية لعقد من الزمان، وفُرض حصار ظالم عليها، أصبحت نتائجه واضحة ولا لبس فيها.

يجب على العالم الوقوف على الحياد، وبعيداً عن السياسة، وبكل مهنية وإنسانية، أن يتعاطف مع الناجين على الأقل من هذا الزلزال المدمر، وتأمين حاجاتهم اليومية، في ظل هذا الجو شديد البرودة، بدلاً من النوم بالعراء، ولا يجدون قوت يومهم لاستمرارية حياتهم من جديد.

في هذه الأزمة ثبت فعلياً أن الوطن العربي وطن موحد بكل المقاييس، فالوجود على الأرض السورية بفرق الإنقاذ العربية والمستلزمات الطبية كان واضحاً للجميع، وثبت أن العرب إخوة من خلال وقوفهم مع فلسطين وقضيتها العادلة، وهذا المصاب الجلل في دولة عربية شقيقة وهي سوريا، ودولة صديقة وهي تركيا، حمى الله العرب ووحد صفهم وكلمتهم.

صراع إعادة الإعمار

بعد الفاجعة الكبيرة والزلزال المدمر الذي حل بالدولتين؛ سوريا وتركيا، وسمي بزلزال القرن من شدته وقوة تدميره لعدد مبانٍ هائل، كما أعلنت وسائل الإعلام التركية والسورية الرسمية، بدأت تركيا بوعودها بإعادة الإعمار خلال عام، وهذا أمر مرهق جداً، وفي الوقت نفسه مكلف لأي دولة تريد إعادة بناء الآلاف من المباني خلال عام.

نجد في هذه الأزمة الكبيرة التي حلت بسوريا وتركيا أن هناك صمتاً من نوع آخر، صمت أمريكي والاكتفاء بإرسال معدات للمساعدة وأموال على سبيل التعويض، ووجدنا أن هناك صمتاً صينياً والاكتفاء بإرسال فرق للإنقاذ، باعتقادي أن دور أمريكا والصين سيكون قوياً جداً في إعادة إعمار ما هدمه الزلزال، فبعد هذا الصمت ستكون هناك مناوشات بينهما على أعادة الإعمار، نظراً لأن العالم مقبل على نظام عالمي جديد، واستراتيجية جديدة يرسمها خارج حدود بلاده، وأمريكيا تسعى لأن تكون هي المسيطرة، بعد دعمها أوكرانيا في العملية الخاصة الروسية ضدها.

أعتقد أن الصين ستحارب من أجل إعادة إعمار ما دمره الزلزال، ولو دبلوماسياً، لأن الصين تسعى إلى أن تكون هي الأولى في النظام العالمي الجديد، ورسم استراتيجية جديدة لها في الشرق الأوسط، بعد الهيمنة الأمريكية عليه، فحالة الصمت والتتبع التي نشاهدها الآن، من الممكن أن تكون هدوء التنين، كعادتها تريد أن يكون لها ضلع في أي مكان في العالم، من خلال إعادة إعمار سوريا وتركيا، وهذا الأمر بالتأكيد لا يروق لأمريكا، فهي أيضاً تعتبر تركيا حليفة لها، ولها الأحقية في أن تُسهم بشكل كبير في إعادة الإعمار.

الحروب الاقتصادية ستبدأ عندما تفيق تركيا من صدمتها، وسيبدأ النزاع على إعادة الإعمار بشكل لافت للعيان، وأوكرانيا ليست بعيدة عن أمر كهذا، فروسيا لا ترضى بأن تكون على حدودها دولة غربية، وترفض إعادة بناء أوكرانيا من خلال أي دولة غربية، بعد أن تضع الحرب أوزارها، فالصين ستكون حاضرة كدولة كبيرة ومصنعة وحليفة لروسيا، وتريد أن يكون لها دور كبير في النظام العالمي الجديد.

في الأيام القادمة سنرى ظهوراً لافتاً للولايات المتحدة الأمريكية والصين، والتنازع على إعادة الإعمار سياسياً ودبلوماسياً، ومن الممكن أن يكون عسكرياً، ومن الممكن أن يكون للصين قاعدة بالشرق الأوسط، في منطقة مهمة مثل سوريا وتركيا، قريبة من القواعد الأمريكية، وهذا الأمر لا يروق بالتأكيد لأمريكا، ومن المحتمل أن يبدأ النزاع من جديد بينهما في هذه المناطق المنكوبة، لننتظر صراع أكبر دولتين في العالم، بعد هذه التجربة التي مرت بها الدولتان المنكوبتان بالزلزال والحروب.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

محمد فؤاد الكيلاني
كاتب أردني
كاتب أردني
تحميل المزيد