“خطط الحاضر تحمي من عواصف الغد”.. لماذا على المجتمعات العربية تغيير نظرتها تجاه الكوارث الطبيعية؟

عربي بوست
تم النشر: 2023/02/13 الساعة 11:06 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/02/13 الساعة 11:09 بتوقيت غرينتش
مدينة هاتاي التركية بعد الزلزال المدمر، فبراير 2023/رويترز

ما إن تصيب الناس كارثة طبيعية كالزلازل، والعواصف، والسيول الجارفة، والكوارث الصحية، حتى ينقسم الرأي .العام في عالمنا العربي إلى قسمين

قسم يرى أنه لا تقع هذه المصائب إلا بما كسبت أيدي الناس، فإن الله يقول سبحانه: "وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ" (الشورى:30)، مثل ذلك تماماً مثل ما حدث للمسلمين نتيجة مخالفتهم لأمر النبي، صلى الله عليه وسلم، في غزوة أحد فعوقب المسلمون بما حدث لهم وقتئذ، فإنما هي من غضب الله تعالى.

القسم الآخر يسخر من الرأي السابق، ويرى أنه يجب بحث الظواهر والأسباب العلمية، ودراستها ومحاولة التحكم فيها أو تغيير مسارها، دون أن يكون هناك توجه للشأن الديني في هذا الأمر.

يعاب على الرأي الأول الاكتفاء بهذا الخطاب، فحقاً هذه الكوارث من أقدار الله تعالى، وحقاً هي مدعاة لاستشعار قدرة الله جل جلاله، ويجب أن تكون سبباً في الخوف من الله ومن بطشه، لكن أقدار الله تجري بأسباب هي أيضاً من أقدار الله، فوجب دراسة تلك الظواهر، خاصة ما يكون للشأن البشري دخل فيها كحرائق الغابات على سبيل المثال، بحيث نصل إلى أن يساهم العلم بأكبر ما يستطيع تجاه التنبؤ بها والتحكم فيها، وتقليل خسائرها.

اليابان تعد من أكثر البلاد التي تصيبها الزلازل؛ لوقوعها في بؤرة حزام الزلازل، لكن لم تعد اليابان تتعرض للخسائر، وذلك لأنهم أطلقوا يد العلم، وأخذوا بتدابير الحماية، مثل: المعايير التي فرضوها على المباني لمقاومة الزلازل، وامتصاص طاقتها قبل أن تؤثر على البنايات.

إن الإيمان بالقدر، والشعور بقدرة الله، والخوف من عذابه سبحانه يعد غاية في الأهمية، لكن الإسلام نفسه هو الذي علمنا أن نأخذ بالعلم ومعطياته، وأن الأمة تتقرب إلى الله عز وجل بذلك، وأن مقاصد الإسلام هي: حفظ الدين، وحفظ النفس "الصحة"، وحفظ العقل وحفظ العرض، وحفظ المال، ومثل هذه الزلازل تهلك النفس وتزهق الأرواح، وتذهب بالأموال، وتنشأ عنها جملة من المشاكل الاجتماعية، والصحية، وخلاصة ذلك أن الجدية في الاستعداد والتعامل العلمي مع تلك الحوادث هو من صميم الدين.

قد يهمل كلا الفريقين تقييم دور الحكومات في التعامل مع تلك الكوارث قبل حدوثها بالاستعداد لها، أو بعدها بحسن التعامل مع آثارها، وعادة ما يكون السكوت عن هذا التقييم خوفاً من بطش تلك الحكومات، وإيثاراً لغير ذات الشوكة، أو قصوراً في التفكير السليم في التعامل مع الكارثة، إذا لم تحسن الحكومة التعامل مع كوارث يموت فيها المئات بل الألوف من مواطنيها فما جدوى وجودها؟! كل المطلوب أن تجتهد تلك الحكومات في الأخذ بأسباب الوقاية، وكذلك تحسن إدارة أزمة الكارثة إذا حدثت.

إنك لتعجب لكثرة الوفيات في حوادث الطرق في بلاد المسلمين، وهي حوادث ناتجة عن التقصير البشري، فأول عشرة بلاد هي الأعلى في ذلك منها خمس دول إسلامية هي: إيران ونيجيريا والعراق وعمان وتشاد، وخلاصة ما نود قوله: إنه يجب عدم الاكتفاء بالبعد الديني وإهمال تقييم دور الحكومات، بحيث توجد مطالبات شعبية ضاغطة عليها لتقوم بدورها الوقائي استعداداً لمثل تلك الكوارث، ثم تقييم دورها التالي للكارثة.

أرى أنه يجب شغل الرأي العام بالدور الشعبي في التعامل مع تلك الكوارث أيضاً، هل شعوبنا مدربة التدريب الكافي للتعامل مع الأزمات؟ كيف يتم تدريبها؟ ويجب أن توضع الأهداف، وترسم الخطط، وتتضافر الجهود في التنفيذ. 

أما الرأي الآخر الذي يهمل الرؤية الدينية لتلك الكوارث بحجة العلم فهو كلام غير دقيق، إذ لهذا الكون خالق يدبر أمره جل جلاله، وتنفذ فيه مشيئته، وإن المؤمن لديه من شفافية القلب ما يجعله يخشى غضب الله، وما يجعله يعود على نفسه فيتوب ويستغفر، وقد علَّمنا ديننا أن الله، سبحانه، قد ينزل العقوبة العامة على أمة، وأن العقوبة تكون أكثر انتشاراً إذا كثر انحراف الناس عن منهج الله.

دعنا نتناول نموذجاً لما يجب أن يكون عليه خطابنا العام، وطريقة تفكيرنا بخصوص الكوارث، حين حدث كسوف للشمس في عهد النبي، وقال الناس إنها تأثرت بموت إبراهيم ابن الرسول، صلى الرسول الكريم بهم صلاة طويلة ثم قال: "إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتموهما فافزعوا إلى الصلاة" متفق عليه.

الحديث السابق يحدد بعض ملامح خطابنا العام حال الكوارث، فقد احترم العلم موضحاً أن الشمس والقمر لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته؛ ليقرر التفكير العلمي لا الخرافي، وفي الوقت ذاته بين أهمية استقبال مثل تلك الأمور بالتوبة وطاعة الله، وضرورة الحذر من عقوبة الله التي قد تكون سبباً في بعض تلك الكوارث، ولا شك أن حسن إدارة التعامل الحكومي والشعبي يمنع الكارثة أو يقلل أثرها، فيجب أن يكون ذلك موضع دراسة للاستفادة. 

فهل نستفيد من كارثة الزلزال في تدريب الشعب، ومراجعة استعداد الحكومة وزيادة الإيمان بالله، وحسن استخدام الطرق العلمية التي تمنع الخسائر، أو تحد منها؟.. هذا هو الخطاب الذي أرى أن نشغل أنفسنا به بخصوص تلك الكوارث.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

محمد عبد الباسط
كاتب وروائي مصري
كاتب وروائي مصري
تحميل المزيد