لست فقهياً أو على دراية كافية بأصول التفسير، ومعرفتي بآيات الله كمعرفة عامة المسلمين، أقرأها كما يقرأها كثير من الناس، وأفهمها كما يفهمها الناس، ولكني أجتهد في فهمها كما يحب الله ويرضى، وأسقطها على أحوالنا بفهمي البسيط لها دون فلسفة أو شطحات أو تأويل في غير مكانه.
كما انتشر في اليومين الماضيين من تفسير أو توهم لما وقع في تركيا وسوريا من زلازل؛ وكأنها غضب من الله لا رحمة فيه، أو أراد الله الانتقام من الناس كما يتوهم البعض الذين وصفوا هذه الزلازل بأنها نقمة وعقاب على ما ارتكبه الضحايا من ذنوب، وهذا فهم مغلوط فيه تجنّ على الله قبل أن يكون على البشر.
نعم نؤمن أن الزلازل وغيرها من حوادث الطبيعة هي جند من جنود الله عز وجل يدبرها بإرادته كيفما شاء ووقتما شاء ومع من يشاء .
هذه الحوادث فيها الرحمة كما فيها العقاب، ولكن ذلك ليس بعمومه، فالذين يقضون بسبب هذه الحوادث فيهم المؤمن وفيهم غير المؤمن، فيهم التقيّ وفيهم الجاحد، فيهم العالم وفيهم الجاهل، فالله خالقهم جميعاً وهو العالم بحالهم بإيمانهم وبجهلهم "أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ".
نحن لدينا إيمان كامل بقضاء الله وقدره، ونؤمن أن كل الأمور تسير بمشيئة الله وقدره، وأن الموت والحياة كلها بيد الله يقدرها كيف يشاء.
هذا الإيمان بأن الأمور تسير بقدر الله، وأن قدر الله فيه الرحمة، فالذين قضوا في الزلزال قضوا بإرادة الله، فالمؤمن الذي انتهى أجله اختار له الله أن يموت شهيداً؛ لأن الشهداء خمس كما أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى أحدهم "صاحب الهدم"؛ أي من مات نتيجة الهدم، هؤلاء الشهداء اصطفاهم الله عز وجل بعد انقضاء آجالهم، واختار لهم الشهادة، وما أعظمه من اختيار.
السؤال لأولئك الذين يعترضون على قدر الله، هل الذي نجا من الموت دون أهله في هذا الزلزال، هل نجا لأنه اتخذ الاحتياطات الكاملة والتي حالت دون موته أو أن يناله العقاب، أو أن له بقية من حياة يعلمها الله فأنجاه كي يكمل ما له من عمر، أو الطفل الذي وُلد من رحم أمه وتم إنقاذه حياً وكانت والدته قد فارقت الحياة، من الذي قدر الأمر أليس الله؟
كل ما مر آيات لنا كي نكون على يقين أن الأمور تسير بمقادير يقدرها الله، والحياة والموت لا علاقة لهما بزلزال أو فيضان أو غير ذلك، ولكنها قدر الله يقدرها بفضله بالطريقة التي يريد.
ربما يكون الزلزال قد أتى رحمة لصنف من الناس لا يعلمهم إلا الله، وربما جاء عقاباً لصنف آخر من الناس لا يعلمهم إلا الله، وربما لحكمة أخرى أرادها الله ولا يعلمها إلا هو جل في علاه، ومقاييس الله ليست كمقاييس خلقه!
ما حدث من زلزال فيه عبرة لمن يعتبر، فيه آيات لمن يتفكر، وفيه حث وتذكير للعودة للإيمان الفعلي بالله القادر على كل شيء، وفيه إجابة للمنبهرين بالتقدم العلمي والاختراعات القادرة على كل شيء في تصورهم، فأتى هذا الزلازل ليؤكد قدرة الله وقدره، ولا يمكن لعلم أو تقدم فيه أن يفقهها أو يتحكم بها، وإن تنبأ بحدوثها وهي بقدر الله.
لذلك أنصح نفسي والجميع بشأن ما يجري بأن نعيد التفكير مرة ومرات بأن الله على كل شيء قدير، ونعيد التفكير والنظر في إيماننا، وندرك أننا أمام قدرة الله ضعفاء، فلنتواضع ولا نتكبر، ونكون عباد الله صالحين.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.