فجرت تصريحات الفريق أول ركن شمس الدين كباشي، عضو مجلس السيادة والناطق الرسمي باسم المجلس العسكري السابق، الجدل في وسائل التواصل الاجتماعي السودانية، ووجدت تصريحاته الساخنة بتاريخ 6 فبراير/شباط 2023 اهتماماً كبيراً ورواجاً واسعاً رغم التباينات الكبيرة حول مواقف الرجل.
خطابه تحدث بصورةٍ واضحة وشفافة حول الملف الأمني في البلاد على العموم، غير أن المنبر كان في جنوب كُردفان التي شهِدت أحداث عُنفٍ دامية خلال الأشهر الماضية، راح ضحيتها مئات المواطنين، ما استوجب حالة الطوارئ بالمنطقة. الكباشي الذي استهل الفُرصة عاد للساحة السياسية من جديد بعد غياب طويل، ووجّه رسائل قوية وانتقادات لاذعة في بريد جهات عِدة ذكرها سنتناولها بالتفصيل خلال هذه المساحة.
دمج الدعم السريع
شدد الكباشي على أن الحل الجذري لقضية الأمن يتمثل في تكوين جيش واحد، عبر دمج قوات الدعم السريع في الجيش. السؤال الذي يتبادر إلى الأذهان هو لماذا أثار دمجها في الجيش السوداني في الوقت الراهن؟
بكل تأكيد حديثه المقتضب حمل إشارات قوية باتجاه كل ما تكشفه التقارير الصحفية دوماً عن الاتهامات الموجهة لهذه القوات موضِع الاتهام بالضلوع وراء تلك الأحداث القبلية الدامية، سواء في جنوب كردفان، النيل الأزرق أو دارفور، لأسباب تتعلق بالانتهاكات المستمرة من قبل أفرادها بتلك المناطق الجغرافية، لا سيما الارتباطات السياسية والفوارق الاجتماعية التي لا تنفصل عن دوافع، وقوع مثل تلك الجرائم بيد منسوبيها في المناطق التي ذكرها في خطابه، فالسلاح المنتشر في أيدي المليشيات أيضاً يهدد الأمن والاستقرار.
تحدث عن وجود خطة جاهزة لجمع السلاح لكن تستلزم وجود جيش واحد فقط، وهذا ما يفسر حديثه بأن تعدد الجيوش الموازية للجيش في البلاد هو الخطر الحقيقي الذي يهدد أمن المواطن دون سواه، وقال إنه لا يمكن أن يستمر هذا الوضع، مستدركاً ملاحظاته في لجنة جمع السلاح التي يقودها حميدتي قائد القوات نفسه.
تخوفات الكباشي
تخوفات الكباشي عضو المجلس السيادي من حيث وضعيتها "الشاذة كقوة تستطيع أن تقلب موازين الجيش"، ولابد من وضع معالجات جراحية عميقة لتلك القوات قبل فوات الأوان، وقد نبه إلى أن الاختلالات التي استحدثت في هذه المنظومة الاجتماعية خطأ كبير يدعو لأن تكون الإدارة الأهلية محايدة في كل الحالات حتى لا تكون هي المأوى والملجأ للمجرمين الذين يحتمون بها، وقد وجّه الانتقادات الشديدة لرجالها في ظل حالة بيع الذمم التي اعتمدها حميدتي لأن يجعل من نظامها حاضنة سياسية وتابعة له ويستحيل فرض هيبة الدولة عليها.
الاتفاق الإطاري وحالة التراشق
رغم مرور وقت على الاتفاق الإطاري بات الأمر مقلقاً من عودة المدنيين إلى السلطة، فهذا ما يجعل الفريق الكباشي يفتح النار على الاتفاق وموقعيه، مشترطاً على القوى قبول الذين ساندوا الانقلاب العسكري على الحكم المدنى، ووجدوا أنفسهم اليوم أمام موقف حرج إن نجح الاتفاق في إبعاد العسكريين عن السلطة وعودة المدنيين لتفكيك مشاريع وشركات الجيش.
بالتصريحات بين الكباشي وحميدتي صراع مصالح، فحميدتي يدافع عن الإتفاق الإطاري لأسباب تتعلق بوضعية قواته في المستقبل، حيث نصت وثيقة اتفاق الخامس من ديسمبر 2022 على بقاء الدعم السريع كقوة عسكرية رسمية ضمن قوات الدولة، وهذا ما يجعل الكباشي يقاطع الاتفاق ويرى فيه متاهة، هذا إلى جانب حجم الانفتاح الكبير الذي تشهده هذه القوات في الفترات الأخيرة، سواء إقليمياً أم دولياً.
اختلفنا أم اتفقنا مع الرجل الذي لا نعول عليه بقدر ما نعول على أن تبقى المؤسسة العسكرية في البلاد هي القوية ذات العقيدة القتالية الواحدة، فالخطاب القوي للفريق أول الكباشي كان الهدف الذي سجل في التوقيت الصحيح لكبح مطامع الدعم السريع، التي استوجب دمجها وهيكلتها في الجيش، حتى لا تكون السنة السيئة التي تجعل من بقية الجيوش القادمة السير في النهج الخطأ ذاته الذي بلا شك هو المهدد لأمننا واستقرارنا، شئنا أم أبينا.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.