زلزال تركيا وسوريا.. من القيامة الصغری إلی التحولات الكبری!

عربي بوست
تم النشر: 2023/02/09 الساعة 10:24 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/02/09 الساعة 11:24 بتوقيت غرينتش
الزلزال في تركيا وسوريا أودى بحياة آلاف الضحايا - رويترز

تاريخ طويل من الزلازل المدمرة عاشته وتعيشه تركيا في تاريخها الحديث منذ عام ١٥٠٩م، حيث ضرب زلزال بقوة 7.2 درجة علی مقياس ريختر مدينة إسطنبول، وخلَّف عشرات الآلاف من الضحايا، ودمَّر أكثر من ألفِ بناية، حتی أُطلق عليه اسم "القيامة الصغری". 

وتكررت في المنطقة الزلازل الكبيرة، أي التي تزيد قوتها عن "7 درجات علی مقياس ريختر"، وتخللتها عشرات الهزات الارتدادية.

اكتشف علماء الجيولوجيا وقوع منطقة "الأناضول" فوق فوالق وصدوع قارية، حيث تتحرك الصفاٸح التكتونية، وأنها السبب الرٸيسي في حدوث الزلازل، وقد فتح زلزال تركيا وسوريا عيون الجميع علی "التفاسير" العلمية لظاهرة الزلازل.

فحسب علماء الجيولوجيا فإنّ الزلازل التی تحدث في أرجاء الكرة الأرضية هي ظاهرة طبيعية، وهي اهتزاز أو سلسلة من الاهتزازات الارتجاجية المتتالية تحدث في وقت لا يتعدى ثواني معدودة، والتي تنتج عن حركة الصفائح الصخرية في القشرة الأرضية، ويتبع ذلك ارتدادات تدعى أمواجاً زلزالية، وهذا يعود إلى تكسر الصخور وإزاحتها بسبب تراكم إجهادات داخلية هاٸلة وطاقات مكبوتة للأرض نتيجة لمؤثرات جيولوجية ينجم عنها تحرك الصفائح الأرضية.

كما ينشأ الزلزال بسبب أنشطة البراكين أو نتيجةً لوجود انزلاقات في طبقات القشرة الأرضية، واخترع الأمريكي "تشارلز فرنسيس ريختر"، مقياسه اللوغاريتماتي بدرجاته العشر عام ١٩٣٥م، فأصبح المعيار  المعتمد لقياس قوة الزلازل.

الزلزال بين الأقدار والقدرات

مما لا شك فيه أن العلماء قد اجتهدوا فی التعريف بكُنْه الزلازل، والأسباب التی تحركها، وأماكن وقوعها، ومحاولات التنبؤ بها، وطرق التخفيف من آثارها عند وقوعها، لكن العلماء وبلا استثناء وقفوا عاجزين عن معرفة متی ستقع الزلازل.

فقد أجابوا علی خمسة من الأسٸلة الجوهرية الست: "من، أين، ماذا، كيف، لماذا"، يستوی فی ذلك العالِم والجاهل وبينهما المجتهد، لتبقی الإجابة عن السٶال الأصعب: "متی" تقع الزلازل؟ في علم الغيب، والذی هو قدرٌ لا مَناص من وقوعه، متی شاءت إرادة الله وحده لا شريك له، وكان أمر الله قدراً مقدوراً.

تفاوتت القدرات فی محاولات التخفيف من آثاره المدمرة، فنجد في اليابان مثلاً البنايات المقاومة للزلازل، باستخدام تقنيات حديثة فی هندسة المباني والتي أثبتت نجاعتها فی تقليل الخساٸر البشرية، وقد أكدت ذلك الدراسات التي أجريت حول أداء المباني التی طُبِّقت عليها تلك التقنيات أثناء وقوع الزلازل بأنها تمتلك قدرة كافية على مقاومة القوى الجانبية لما لها من مرونة كافية تُحافظ على سلامتها عند زيادة الإجهادات الناجمة عن الاهتزازات الأرضية من أجل حماية السكان، ولفت المختصون النظر إلی تدعيم البنايات القديمة، لزيادة فرص النجاة عند وقوع الهزَّات.

إدارة الكوارث والطوارٸ التركية "آفاد"

وفي مجال القدرات أيضاً نجد أن تركيا بما لها من تاريخ طويل مع الهزات الأرضية قد انتبهت إلی ضرورة إنشاء هيٸة حكومية ذات شخصیة اعتبارية مستقلة مختصة فی إدارة الكوارث والطوارئ "آفاد"، والتي تأسست في عام ٢٠٠٩م لاتخاذ التدابير اللازمة لإدارة الطوارئ وحماية الناس، فكان لـ"آفاد" دورها المشكور غير المنكور في الكارثة الأخيرة، ونجحت نجاحاً مقدراً فی تخفيف وطأة النكبة التي حلَّت في 10 مدن تركية، وأنقذت العالقين، وانتشلت الجثامين، وآوت المشردين، وبذلت جهداً واضحاً في تنسيق الإغاثات الدولية التي تدفقت عليها من كثير من دول العالم.

في سوريا نجد أن غياب الدولة قد ألقی بظلاله القاتمة علی المنكوبين، خاصةً في المناطق الواقعة تحت نفوذ المعارضة السورية، بما فيها من نازحين ولاجٸين، تلك المناطق التی ينهشها الجوع بمخالبه، ويعضها البرد بنابه، ويزدريها النظام بجبروته، ويضرب عنها العالم الذكر صفحاً، ولولا الجهود التي بذلها المتطوعون، والقليل من المنظمات العاملة هناك، والتي تكبل خطاها العقوبات المفروضة علی النظام السوري، أو بالأحری علی "الشعب السوري"، لكانت الخساٸر أفدح، والمصاب أعظم.

السخرية من آلام البشرية فی الصحيفة الفرنسية

وسط هذا الألم الذي يعتصر كل وجدانٍ سليم نجد أن صحيفة "شارلي إيبدو" الفرنسية تنشر كاريكاتيراً يسخر من ضحايا الزلزال الذي ضرب عدداً من الولايات الجنوبية في تركيا وفي سوريا، وعلقت على الرسم: "لا داعي لإرسال دبابات"!

اعتبرت الصحفية الفرنسية، فايزة بن محمد، أن "شارلي إبدو" باتت عاراً حقيقياً على فرنسا بسبب إثارتها خطاب الكراهية بشكل شبه يومي، مضيفة رغم كل هذا ما زال البعض يلومني لأنني لم أكن مع شارلي، في إشارة إلى حملات التضامن عقب الهجوم المسلح على مقر الصحيفة سنة 2015.

وأكد الصحفي التركي "شافاك ملاطيا"، أنه يدرك جيداً ما تحاول شارلي إبدو الوصول إليه، متمنياً أن يتصرف طاقمها الصحفي بمزيد من الإنسانية مثلما كان فريق الإنقاذ الفرنسي الذي انتقل من تولوز إلى إسطنبول ثم إلى أضنة.

وذكر الكاتب البريطاني "حمزة تسورتزيس" عبر حسابه في تويتر "أن ما فعلته شارلي إبدو دليل آخر على موت الحضارة في فرنسا العلمانية"، وسبق لشارلي إبدو أن أثارت الغضب أكثر من مرة بسبب رسومات الكاريكاتير المثيرة للجدل، خصوصاً تلك التي تستهدف الإسلام والمسلمين، فلا عجب إذاً أن تتحول المأساة إلی ملهاة علی صفحات شارلي إبدو.

مأساة الزلزال والتعاطي السياسي 

حاولت بعض الأحزاب السياسية التركية استغلال الكارثة المأساوية، في السباق الانتخابی ضد حزب العدالة والتنمية الحاكم والرٸيس رجب طيب أردوغان، الذی ظلّ في حراك متصل ومعه كل المسٶولين في الميدان يتفقد ويوجه ويصدر القرارات ويفرض حالة الطواری لمدة ثلاثة أشهر، ويعلن الحداد العام، وتضع الحكومة التركية والجيش التركي كل إمكاناتهما لغرضٍ واحدٍ واضحٍ، وهو تجاوز الأزمة الكبری بأقلّ الخساٸر، دون أدنی تمييز لمنطقة علی أخری.

لكن نجد من يحاول بالحق والباطل بخس نشاط الحكومة، والظهور بأنه أرقّ قلباً علی المنكوبين من الحكومة، في محاولة باٸسة ومستهجنة للاتجار بالمعاناة الإنسانية لضحايا الزلزال، ولعلّ بعض الدول كذلك قد حاولت الاستثمار في هذه الكارثة الطبيعية التي وقعت علی الشعبين التركي والسوري علی حدٍ سواء، وفي ظل المتغيرات الدولية والتحولات الكبری التی تكتنف العالم، وتهز أركان النظام العالمي الذي تتسيده أمريكا، التي قدمت علی استحياء بعض العون لسوريا وتركيا.

كما أظهرت الصين دورها في مد يد العون لتركيا، وجادت الحكومة الإسراٸيلية اليمينية المتطرفة بما قدمته، لتظهر إنسانيتها وهي "المحترفة في قتل الأبرياء"، وسلب حقوق الشعب الفلسطيني، ومصادرة أرضه، وسلب حقه في العيش الكريم، وجاءت أوكرانيا إلی جانب روسيا، وضربت دولة قطر مثلاً شروداً في الندی والبأسِ.

وبعد، فلربما الخير في الشر انطوی، وإن الأيام دول.. خالص العزاء للشعب التركي، وللشعب السوري، والتحية لكل من مدَّ يد العون للمنكوبين.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

محجوب فضل بدري
كاتب سوداني وخبير إعلامي
كاتب سوداني وخبير إعلامي
تحميل المزيد