عند الساعة الرابعة والربع تقريباً استيقظت على نحو غير معتاد في مثل هذا الوقت الذي استغرق دقائق من الهدوء الصاخب، وإرباك لشيء هو غامض، أزال لبسه وغموضه اهتزاز السرير الذي أستلقي عليه، ودوران المروحة السقفية بنحو تدريجي، كان الأمر مبهماً، ثم مرعباً عندما بدأت بعض موجودات الغرفة من اكسسوارات وملحقات أخرى بالارتطام ببعضها، زاد منسوب الفزع الذي دبّ في قلبي مع زيادة حدة ومدة الهزة، والخشية إن تواصلت أن تقود لخسف يبتلعني لا محالة..
كانت نصف دقيقة يغمرها الفزع، فسارعت في البحث عبر الإنترنت عما يحصل، وأي المناطق التي تركزت بها هذه الهزة، حتى توالت الأنباء بعد دقائق عن وقوع عمارات على رؤوس ساكنيها بزلزال مدوٍّ أصاب منطقة غازي عنتاب في تركيا ومناطق الشمال السوري، وبسبب قرب مدينتي من تلك الدولتين فإن ما عشته في تلك الثوانِي المفزعات كانت شيئاً لا يُذكر بما لاقاه أهالي تركيا وسوريا.
بحسب الإحصائيات، فإن عدد الذين قضوا نحبهم من الزلزال في تركيا أكثر من 14 ألف قتيل، حسب آخر إحصاء، والآلاف من الجرحى، و2000 قتيل في سوريا والعدد قابل للزيادة، مع آلاف أخرى من الجرحى، وتهدم مئات من المباني والعمارات الشاهقة.
الواقعة الإنسانية التي لاحظتها من عملية التهجير والتشريد تذكّرني بواقعة الحرب التي عشتها من عمليات تحريرنا من "داعش" بمدينة الموصل العراقية، بالضبط كأنها أعقاب حرب مدوّية، وليست حدثاً كونياً مفاجئاً له مسببات فيزيائية وغيبية، إن جاز الوصف، ولا يمكن بحال من الأحوال التدخل في البت بعدوانها أو شرها، كما هو الحال بالحروب ومسبباتها.
أنقاض وركام وقعت على رؤوس ساكنيها، وفرق الإنقاذ تهرع للنجدة من دون قدرة على استيعاب هذا التَرِكة الثقيلة من الدمار والجثث والجرحى، صوت أنين في أعماق العمارات الشاهقة، وطلب للاستغاثة والنجدة، لكن الأمطار الغزيرة والثلوج تحول دون إمكانية إزالة تلك الأنقاض لإنقاذ جرحى، فما بالك بالجثث، فاستغاثات الناجين عن ذويهم الذين لقوا مصرعهم تحت الأنقاض لا تجد آذاناً مصغية، لأن الأولى هو انتشال الجرحى.
بسبب تعاقب الهزات، وبسبب صدمة الزلزال الأول، أُرغم الناجون على وجودهم في العراء وسط الثلوج للابتعاد عن أي بناية قد يطالها زلزال آخر.
في سوريا الحال أعقد بكثير، رغم أن نسبة الموتى والدمار أقل كما تظهر إحصائيات الضحايا، لكن ما خفي قد يكون أعظم مما شهده زلزال تركيا، لكن الواقع السياسي الذي تعيشه سوريا يقف حائلاً دون وصول فرق الإنقاذ والمساعدات إلى المنكوبين، بسبب وقوع الزلزال في أطراف الشمال الغربي من سوريا والواقعة ضمن نطاق المعارضة السورية.
لك أن تتخيل الواقع المزري الذي يكابده الفرد السوري، فهو لم يسلم من حرب أهلية وظروف اقتصادية متردية، ومرض الكوليرا الذي استفحل في المناطق التي تشهد الأزمات الشديدة والإهمال حتى تحل عليه مصيبة أخرى لتزيد الطين بلة سياسات واتفاقات ليس للفرد البسيط بها ناقة ولا جمل، أضف لذلك أن الإحصائيات المعلن عنها حول الأضرار وعدد القتلى في ظل تلك الظروف لا يمكن أن تعطي إحصائية بنسبة دقيقة لبلد منكوب كسوريا.
من أكثر المشاهد التي تدمي القلب، والتي انتشرت عبر مواقع التواصل مقطع فيديو منسوب لمجموعة رجال بجهود فردية يقومون بانتشال طفلة سورية مولودة حديثاً من مبنى مدمر بالكام،ل والوصول إليها من خلال صوت بكائها، ليتفاجأوا أنها الناجية الوحيدة من بين جميع عائلتها، المكونة من أب وأم وأشقاء أربعة.
زلزال أم حرب.. الحالات الإنسانية التي طالت سكان تركيا وسوريا تشبه الى حد كبير أعقاب حرب مدوّية، فقد خلف آثاراً لا يمكن للذاكرة نسيانها، وسيترتب على أساسها اعتبارات جديدة من حيث البناء الاجتماعي والاقتصادي، وكأنها مخلفات حرب تنتظر الإصلاح والعودة إلى سابق العهد.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.