لا تزال الصور والمشاهد تأتي من زلزال تركيا وسوريا، لتصوّر حجم الكارثة، وقدر المعاناة، وضَعف الإنسان العاجز، ومازالت هذه القصص تطاردنا هنا وهناك، في مواقع التواصل الاجتماعي، أو عبر القنوات، أو في أحاديثنا، فلا المصوّرون يتعبون، ولا القصص تنتهي.
رغم أن تركيا من دول منظمة "G20″، (الدول صاحبة الاقتصادات العشرين الكبرى)، لكن إمكاناتك- حتى إن كنت صاحب اقتصاد ضخم- لن تجعلك تستوعب الكارثة أو التعامل معها سريعاً، ولن تبطئ لك الوقت، ولن توقف الزلازل مستقبلاً.
هذه الثواني وارتداداتها جعلتنا نرى جميع مظاهر العجز والخوف والهلع، مع ضيق ذات اليد، وأنه لا مفر من قضاء الله، هذه الثواني ستُبقى الألم والجراح لسنوات، فهل من متعظ؟
تحت الركام، حيث الظلام والبرد والخوف، وأصوات آهات الآخرين العالقين، ومناجاتهم لله، وطلبهم النجدة من البشر أن ينقذوهم، رسائل لكل البشرية بأن القادم لن يكون سهلاً، وأنه مهما تطوّرت مقدرة الإنسان فإن قدرة الله مازالت أعظم وأعظم.
تأتي الدروس والمواعظ من هناك لتؤكد أن الروح أغلى ممتلكات الإنسان، وأن غريزة البقاء مقدمة حتى على إيثار النفس على نجاة الابن أو الزوج والصديق.
من سوريا وتركيا تأتي المآسي تِباعاً، حيث تفرّق قوة سقوط المباني بين أفراد الأسرة، وبين المرأة وزوجها، والأبناء وأمهم، حيث تتحول الآلات الضخمة إلى أقزام ضئيلة، مقارنة بركام المباني، وإمكانات آلاف الرجال قد لا تكفي لإخراج عائلة واحدة من تحت الركام، فما بالك بآلاف المباني وتحتها آلاف من البشر، يقاومون البرد بلا شيء، وفي الخارج عشرات الآلاف من أفراد الإنقاذ، تمر أمامهم الساعات وكأنها ثوانٍ.
دروسٌ تُبين أن العمر بيد الله يقيناً، فيقضي الرجل البالغ موفور الصحة والعافية، ويلقى حتفه، وتنجو طفلة رضيعة لا حول لها ولا قوة، لم يتجاوز عمرها ستة أشهر، بعد عشرة، وعشرين، وثلاثين ساعة، بين الكتل الخرسانية الضخمة والبرد القارس والظلام الدامس.
أب في فرق الإنقاذ يتحسس ما استطاع الوصول إليه من جثة ابنته، وأُم تضع مولودها، فتقضي نحبها كأنها تهدي روحها لوليدها، أهازيج فرح تعلو بإنقاذ روح أحدهم، والسؤال المكرر: هل يوجد أحد آخر بالداخل؟!
بين مقاطع الفيديو الذي انتشرت، كان أحدها لصبي تحت الانقاض، بإمكانك تخيل هامش المناورة في مساحة ضيقة، وحرصك ألّا تنهار هذه الكتل فتطبق على جسدك وتنتهي رقماً في سجلات الميتين، وأنت تصرخ وتطلب النجدة، ولكن السؤال: أين الأولوية، ونُنقذ مَن أولاً؟، ذاك الصبي السوري يصور ذاك المشهد، وتعلو صرخات أسرته هنا وهناك، ووجهه ملطخ بغبار الركام والدمار.
مازالت العِبر تأتي كلَّ زمن، مرة بالزلازل ومرة بالفيضانات، وحتى الكوارث النووية، ولكننا نشعر أن بقاءنا سرمدي لا نهاية له، دروس زلزال تركيا وسوريا لا تقف عند تهديد فقدان حياتك، بل تمتد لتضعك في مقامك كإنسان، قد تعجز عن إنقاذ أحبائك، فتعيش على أمل رجوعهم للحياة، بينما تتضاعف أرقام الموتى كل دقيقة!
ولأن المصائب لا تأتي فرادى، فعلى تركيا وسوريا تحمّل ارتدادات الزلزال الاقتصادية، وكمّ النفور المتوقع لهذه الأرض الغاضبة، وكمّ الهجرة المتوقع أيضاً؛ لأن غريزة الحياة تطغى على أي مطلب آخر.
ومع ارتدادات زلزال تركيا وسوريا أصبحت كل المنطقة تعيش الخوف والهلع والتقلُّب، وأصبح التهديد مؤكداً في منطقة غرب المتوسط وما حولها.
بسبب ما حدث ويحدث لم أستطع تنظيم الأفكار حتى، فشعور الخوف والعجز أكبر من أن تتمالك نفسك، وربما ستستمر هذه الحالة وهذه القصص لسنوات، تروي معاناة أناس عاشوا هذه المأساةَ بحذافيرها.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.