بحسب دراسة أجراها الباحث الأمريكي وليام روبسون، فإن العمر الافتراضي للحب بين الأزواج ثلاثة أعوام فقط، وهذا منطقي وملموس في العلاقات عموماً، وتحدث بسببه خيبات ظنون لآمال عريضة يتوقعها كل اثنين عاشقين قبل ارتباطهما.
خيبات الظنون تلك قد تحصل بسبب توقعات ببقاء جذوة الحب مشتعلة كما هي في أول التعارف، وهذا شيء غير صحيح، فالحب يتبدل إلى أشكال أخرى ليثبت قدرته على البقاء.
تحكيم العقل عند تحرك خافقة القلب تجاه شخص معين هو المعيار، لأن الاستسلام لما يمليه القلب فقط ستطفئه الغريزة بعد بدايات الارتباط.
المعيار الذي يحكم العقل هو وجود مشتركات أساسية تقوم عليها مسألة الاختيار الذي يرتهن لثلاثة أضلاع لا غنى عن أيٍّ منها لحدوث التوافق، وهي الروح في رأس الهرم، وضلعاه النفس بما فيها الفكر، والجسد، فإن تخلخل هذا البناء كان ممهداً لبدايات الانهيار، لتتشكل فجوات وشروخ في العلاقة تفقد القدرة بالتالي على تدبر مسؤوليات الحياة، خاصة مع توافد أبناء جدد يكونون ضحية هذا الارتباط الهش الذي يقود أحياناً للطلاق.
مسألة الطلاق كانت تعتبر عاراً في المجتمعات الشرقية عموماً حتى الأمس القريب، لأن متابعة الإحصائيات عن نسب الطلاق في العقد الأخير تعطي صورة عن تبدل المفاهيم وعدم مراعاة الواجهة الاجتماعية والعادات والتقاليد التي كانت تتأطر بها المجتمعات فيما سبق.
فقد أشارت بيانات عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مصر إلى ارتفاع كبير في معدل الطلاق عام 2021، مقارنة بالعام الذي يسبقه، بلغت نسبته 14.7%، وذكر الإحصاء أن حالات الطلاق في 2021 سجلت ارتفاعاً وصل إلى 254 ألفاً و777 حالة، مقابل عدد حالات الطلاق المسجلة في 2020، والتي بلغت 222 ألفاً و39 حالة.
لا يختلف هذا الحال عن بلدي العراق، فقد نشر موقع مجلس القضاء الأعلى العراقي تقريراً سجّل فيه أكثر من 73 ألف قضية طلاق خلال عام 2021 في العراق البالغ عدد سكانه 42 مليون نسمة، وأشار الموقع إلى أنه خلال العقد الممتد بين 2004 و2014، انتهى زواج واحد من بين كل خمس زيجات بالطلاق.
رغم تباين الاختلافات من مجتمع لآخر في العراق، فالنسبة تعلو في محافظات الوسط والجنوب عما هي في محافظات الشمال، لسطوة القيد المجتمعي والسلطة الأبوية المتمثلة بالعادات والتقاليد، فتنخفض عندها نسب الطلاق، لكن تتعدد المشاكل الزوجية إلى نحو لا يطاق.
فالمرأة المطلقة غالباً تعتبر عالة على المجتمع المحافظ، وتتعرض فيه لرفض ونبذ شديدين، فهذا ما أعكسه من بيئة مجتمعي الموصل الذي تعتبر فيه المرأة المطلقة امرأة لا تصلح للثقة، وتتعرض للتهكم الضمني أو الصريح أحياناً من قبل أهلها والمجتمع على حد سواء، لذا تحافظ العوائل على واجهتها أمام هذا المجتمع المحافظ، وذلك بالمحافظة على رابطة الزواج المقدس مهما كان الزواج سيئاً أو حتى كارثياً.
وعودة على بداية الدراسة، فهل كان الحب المتمثل بإحكام القلب فقط هو السبب في سوء الاختيار؟
ليس شرطاً، فالنسبة الأكبر من الزيجات تعتمد على معايير عقلية أكثر منها قبولاً وهوى نفس، وتتم من خلال الأهل وما هو منصوص عليه من معايير تعتبر نموذجية في الاختيار كشهادة ووظيفة الشاب، وجمال الفتاة ومناسبتها عائلياً لعائلة الشاب والعكس بالعكس، وبعض المتطلبات الدينية إن وجدت كالصلاة، مع عدم وجود ما يشين في سمعة هذا الشاب أو الفتاة في مجتمعهما، لتنتهي إلى هنا بنود الاختيار، متجاهلين أن العصر تبدل، وما كان قبل عقد وأكثر لا يمكن أن يبقى هو المعيار الآن.
انفتاح العالم وتشويش أذهان الشباب والفتيات بالتكنولوجيا ووسائل التواصل وحب الظهور جعل تفكيرهم سطحياً أكثر، ولا يعبأون للمبادئ والقيم والالتزامات المفروضة عليهم تجاه الحياة، ما جعل مفردات الارتباط المقدس ليست ذا أهمية وقداسة كما كانت عليه قبل عقد وأكثر، فعندئذ تبدأ مؤشرات الانهيار.
الجهل هو العدو الأساس في أية علاقة كانت، والمجتمعات عموماً بحاجة إلى توعية عن طريق برامج منظمة تسبق عملية الارتباط لفهم واستيعاب هذا المشروع المصيري الذي ينجم على أثره قدوم أفراد لا ذنب لهم إلى الحياة.
وأخيراً يجب إفهامهم أن الغريزة لا يمكن أن تكون هي المؤشر الأساس على اتخاذ خطوة الارتباط، لأن ذلك سيكون مبرراً كافياً للشخص على تجاهل الأفق الممتد ما بعد المحطة الأولى التي ينقضي فيها الوطر، لتبدأ المشاكل والاختلافات بالظهور والتراكم مع الوقت إلى حد لا يطاق.
هذا الفهم وهذا الوعي يبرزه القرآن بصورة جلية من خلال مفهومي المودة والرحمة، وهما الشكل الذي يجب أن يمكث في أية علاقة زوجية كانت، ليتولد عنه أسرة سليمة وحياة آمنة مطمئنة، وإلا فإنها ستكون حياة أشبه بالجحيم.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.