يناقش الكاتب ثائر الناشف في روايته الكيميائي الصادرة عن دار موزاييك للدراسات والنشر في إسطنبول فكرة الوهم والصراع النفسي الذي يعيش فصوله الإنسان السوري في أجواء الحرب، إذ تعتمد الرواية على الواقعية والمحاكاة النفسية بأسلوب السرد المتسلسل والحبكة المحكمة.
تقع الرواية في مئة وست وستين صفحة، فيما تستعرض فصولها شخصية سليمان صالح، وهو خبير كيميائي سوري يعيش في فرنسا، يضطر إلى مغادرة محل إقامته، والانطلاق إلى بلدة سلمى، بعدما يتلقى رسالة خاصة من شخص يدعى إبراهيم يخبره فيها بمقتل أخويه، ويقايضه بالحفاظ على ممتلكات عائلته مقابل أن يقدم خدماته في تصنيع البارود، بغية نسف الجسور والحواجز العسكرية في منطقة الساحل.
استرجاع سردي
قبل بدء رحلته العصيبة إلى سوريا يصبح سليمان فريسة للوهم والكوابيس، حالما يحط رحاله في بيت الجرحى الذين يخبرونه أنّه المسعف الذي ظلوا ينتظرون وصوله إليهم بفارغ الصبر، لكن تشتته الذهني، فضلاً عن رهبة المكان يجعلانه في حالة عجز مطلق دون أن يكون قادراً على الكشف عن شخصيته الحقيقية.
أجواء الرواية ومعمارها الفني
ينطلق سليمان إلى سوريا بصحبة أفراد المجموعة التي كان قد تفاوض مع زعيمها المدعو إبراهيم، لكنه سرعان ما يقع ضحية لأوهام شتى لا ينفك أفراد المجموعة يشيعونها في ذهنه، فبدلاً من أن يعبر الحدود التركية إلى سوريا بصفته خبيراً كيميائياً، يجد نفسه وقد أصبح صحفياً؛ نزولاً على رغبة أفراد المجموعة، وتحولات الواقع الغامض الذي يعيش فصوله العاصفة.
يصل سليمان إلى بلدة سلمى بعد محاولات تسلل شاقة دون أن يكون بوسعه لقاء إبراهيم آغا الذي يتحول إلى شخصية غامضة في وجدانه، فيبدأ الغرق في خضمّ صراعات نفسية شديدة، خاصة بعدما سمع من إحدى نساء البلدة أن شقيقيه ليسا ميتين، فيتوهم وجود أشياء ليس لها أي وجود في الواقع، ليكتشف أن الواقع المادي بكل موجوداته مجرد فقاعة يصنعها خيال الإنسان ليُحيط بها أذهان الآخرين.
البعد النفسي والذهني في الرواية
يبدأ الفصل الأول لحظة وصول سليمان صالح إلى مدينة أنطاكيا، قادماً إليها من فرنسا التي يعمل فيها خبيراً كيميائياً من أصل سوري.
يلتقي سليمان بحبيبته السورية التي تعيش في أنطاكيا، تحاول أن تعرف منه أي شيء عن سبب ذهابه إلى سوريا في ظل الحرب الطاحنة، فيتكتم على الأمر؛ كي لا يثير مخاوفها.
ينطلق إلى سوريا بصحبة أفراد المجموعة التي كان قد تفاوض مع زعيمها المدعو إبراهيم آغا، وذلك بغية استرداد أملاكه في بلدة سلمى، والمتمثلة ببيت العائلة وممتلكاته الشخصية، والبحث عن آثار أخويه القتيلين، مقابل أن يُصنّع لإبراهيم آغا العبوات والمتفجرات التي يحتاج إليها أثناء الحرب.
وما إن يسلّم زمام أمره لأفراد المجموعة، حتى يجد نفسه وقد أصبح متأثراً بما يقال له، بغض النظر عن صحة الأقوال والادعاءات، فيقع ضحية لأوهام وكوابيس شتى دون أن يكون قادراً على الإفصاح عن هويته، لاعتقاده أن حجم الوهم المحيط به أكبر بكثير من حجم الحقيقة التي يدركها في وجدانه، فيستمر في الانصياع للواقع الذي يجعل منه مسعفاً وصحفياً يقف بعدسته عند الحدود التركية؛ في محاولة منه للتسلل إلى البلدات السورية.
الإثارة والتشويق
تبوء محاولة سليمان الأولى في العبور والتسلل إلى سوريا بالفشل الذريع، فيضطر مرغماً تحت ضغط الواقع والوهم المحيط به إلى تقديم نفسه لقوات حرس الحدود التركية بصفته طالباً جامعياً، ثم سائحاً فرنسياً، وما إن ينجح في عبور الحدود ليلاً إلى سوريا، حتى يكتشف أنه مجرّد رهينة عند أفراد المجموعة التي برعت في استدراجه إليها.
تموجات الحبكة
تتصاعد أحداث الرواية، وتبلغ الحبكة ذروتها، حينما ينصت سليمان إلى صوت إبراهيم آغا عند الحدود السورية التركية دون أن يكون قادراً على مواجهته والتحدث معه بخصوص المهمة التي كُلّف لأجلها، فلا تلبث شخصية إبراهيم أن تصبح شخصية خيالية غامضة في وجدان سليمان، بعدما ظلّ يبحث عنه طيلة رحلة تسلله إلى سوريا.
وما إن يصل إلى مسقط رأسه في بلدة سلمى، حتى يتعرّض للعذاب النفسي الشديد من مرافقيه الذين اتخذوا من بيته مقراً لإحدى المجموعات الأهلية المسلحة، ولا تلبث أن تتغير اتجاهاته في الحياة، فبدلاً من أن يسترد البيت، يصبح سجيناً داخل جدرانه، وبدلاً من أن يصنع الديناميت؛ بغية نسف الحواجز العسكرية، يجد نفسه مرغماً على صناعة المخدرات والحشيش باعتباره خبيراً كيميائياً.
مصير الكيميائي
يعيش سليمان في صحبة خاطفيه في خضمّ صراعات نفسية شديدة، لا سيما بعدما سمع من جارته أن شقيقيه ليسا ميتين، لكنه لا يعرف عنهما أي شيء، فيتوهم أشياء ليست موجودة في الواقع، ويقع تحت تأثير المحيطين به.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.