لم تكن رحلة روحانية بحتة، إنها مرحلة وعي جديدة

عربي بوست
تم النشر: 2023/02/04 الساعة 12:50 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/02/04 الساعة 12:59 بتوقيت غرينتش

لطالما نعيش نبحث عن الحقائق وفهم الوقائع والأحداث وإيجاد إجابات لتساؤلات كثيرة، لكن أحياناً ينتهي بنا المطاف إلى حيث اللا شيء واللا عدم. 

لا أنكر بتاتاً أن ممارسة العزلة والروحانيات والتأمل مراراً و تكراراً، أنار بصيرتي لأمور عدة، وفتح أمامي آفاقاً للتساؤلات، ودفعني للبحث عن الحقائق، ظناً مني أنني قد أجد ضالتي!

في حقيقة الأمر كلما تعمقت أكثر فتحت على نفسي أبواباً تمدني بالإجابات وتكشف الحقائق، قد تحزنني كثيراً في بادئ الأمر؛ لكن دائماً "الحقائق مهما كانت صعبة ومؤلمة فهي حقائق"، ولابد من التسليم لها.

من يتفكر كثيراً في أحداث حياته وظروفه ويبدأ برحلة الوعي والنضوج الفكري، ليس هيناً عليه أن يدرك تلك الحقائق المريرة.

لكنني في كل مرة أجزم أنها قبل كل شيء رسائل كونية لإنشاء النسخة الجديدة من الروح لكل مرحلة متقدمة من رحلة الوعي والنضوج، وهي ليست ابتلاءات بقدر ما هي أساليب من التّربية الإلهيّة، فهي تربية ملكوتيّة، هي اكتساب كمالات إلهيّة، هي التّربية الحقيقيّة، إذ بها يكون الإنسان في هذا المقام مركز السّنوحات الرّحمانيّة، وهي تربية لتشكيل النسخة الواعية المبصرة للحقيقة، وصولاً لفهم مسار الكون من حولي والعيش في حالة من الرضا والقناعة، وليس حالة من السخط والتخبط والتيه.

بِت أدرك تماماً أن بعد كل مرحلة ممزوجة بمشاعر وأفكار غير مفهومة وحالة من الآلام والسكون وأحداث متعبة، أدرك أنني بعدها سأعيش في مرحلة وعي جديدة، أشبه بحالة الولادة، أو كمن يسلخ عن جلده ونفسه ثوباً مُلطخاً بالغبار، ويرتدي ثوباً جديداً نقياً، نبقى في حالة مستمرة بين الموت والولادة حتى الموت الأخير، فنحن لا نموت مرة واحدة. نحن عبارة عن خوارزمية ربانية تجمع بين الجسد والروح والنفس، تتنقل الروح عبر عدة أبعاد كونية، في كل مرة نصل فيها إلى بُعد كوني آخر نكون فيه أكثر وعياً، وأكثر بصيرة. 

فبعد مرحلة عصيبة لم تكن هينة، كالعادة كان الترتيب الإلهيّ لأن أغادر بعيداً، هرباً من ألم المرحلة السابقة، فقد كانت محملة بمشاكل عدة كوني شخصاً مسؤولاً عن أشخاص وأشياء كثيرة في حياتي، فلقد  ألحقتني بضعف في طاقتي، شعرت حينها أنني لم أعد قادرة على الحب والعطاء حتى لذاتي.

حينها قررت أن أختار نفسي فقط، تخيلت شكل الرحلة كيف ستبدو، حسناً، إنها بدء مرحلة جديدة وانتهاء مرحلة سابقة، لكني كعادتي سأبحث عن الرسائل الكونية والدروس والحكم الربانية!

إن أعظم ما يمكن أن أستشعره بعد اتصالي الروحي بالله كم تبدو المسافة قصيرة جداً بين الدنيا والآخرة، بين الموت والخلود، وأن أعظم حقيقة مؤلمة هي حقيقة الزوال.

فهي ليست مجرد كلمات وتمتمات اعتاد اللسان نطقها، وأن الحياة قصيرة وأننا راحلون لا محالة، إنها حقيقة أدركتها واستشعرتها.

فمسافة لقائي صدفة مع شخص أو صديق غائب في بلد آخر وسلامه العابر للحظات، تساوي نفس المسافة التي أقضيها بقرب شريك حياة أو أهل أو أبناء وإن كان عمرها عشرات السنين، قد نظن أن العلاقات طويلة المدى، وأن الحياة تسير بإيقاع بطيء، لكنها في حقيقة الأمر، تمر كلمح البصر، وفي كل مرحلة يقل عدد الأشخاص في حياتنا وصولاً إلى اختفاء ورحيل أقربهم، حتى نبقى وحيدين.

وقد تبدو ثرثرات الغرباء وقصصهم عند لقائهم هي حياة بأكملها، وأنك أمضيت وقتاً طويلاً معهم، لكنك تكتشف أنك كنت أيضاً مجرد عابر طريق، حينها تستشعر أيضاً ألا شيء صدفة، فهذه هي الحقيقة الخفية، فهي ليست مجرد كلمات منطوقة دون فهمها، فلقائي بأشخاص غرباء في مكان ما، أو حدوث ظرف عابر، أو سماعي لكلمات عادية، فعلاً ليست صدفة، لكنها إشارات تترك لي رسالة وتعلمني دروساً، فلم أكن مجرد مُستمعة أو مُشاهدة لمجريات الأمور من حولي، لكني كنت مُتأملة باحثة في عمق الحقيقة! 

إن مرحلة الوعي التي أوصلتني إليها التجارب وصقلتني بها، جعلتني لم أعد أرى الأشياء من منظور ابتلاءات، فهي دروس وإجابات لكل الحقائق، وإن لم تكن معظم الأحداث حكمتها واضحة، ولم أضع نفسي موضع ضحية، لكنى أرى نفسي أني شخص اصطفاه الله، ليعلمه وينير بصيرته، إننى أعلم جيداً أني شخص لم أولد عبثاً، فأنا على يقين أنني في اتجاهي إلى البُعد الكوني الخامس، وهذا قلما يصل إليه أحد، فهم القلة النادرة ممن قام وسلك المسار بين الأبعاد وخرج للنور، هم الذين تحرروا من وعي المادة ولا يربطهم بهذا الوعي غير أجسادهم ومتطلباتها، هي مرحلة ارتفاع الوعي، هي مرحلة تطهير عالية، هي مرحلة قيامة الروح من قبر الجسد، هي مرحلة تكون الرسائل الكونية هي حلقة التواصل الأساسية مع الله.

لا وجود للإيجو هنا، لأنك أنت المتحكم به وليس العكس، علاقاتك في محيطك محبة نورانية، أنت بحالة سلام لا متناهٍ مع نفسك ومع غيرك؛ فأنت وصلت للوعي الكوني والتناغم الكوني.

إن أصحاب هذا البُعد تحرروا من الماضي، ولا يعيشون في المستقبل، إنهم فقط يعيشون اللحظة، إنهم دائماً في الحضور الآن، لا يستجيبون لمصاعب الحياة كضحية، بل هم الناجون، مُتصالحون مع ظلامهم ومع عيوبهم، في هذا البُعد الروح هي المعلم والقائد، الدين الحقيقي هو الحب اللا مشروط، ودائماً لا تزال هناك الكثير من الاكتشافات.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحرير مرتجي
صحفية وكاتبة فلسطينية
صحفية وكاتبة فلسطينية
تحميل المزيد