مارتن أوديجارد.. النرويجي الذي يحفظ فيل أرسنال من السقوط عن الشجرة

عربي بوست
تم النشر: 2023/02/02 الساعة 10:18 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/02/02 الساعة 10:18 بتوقيت غرينتش
مارتن أوديجارد لاعب أرسنال/ رويترز

بالتأكيد شاهدت المنشور الساخر الذي يُشبّه اعتلاء فريق أرسنال صدارة الدوري الإنجليزي، بصعود فيل أعلى شجرة، في إشارة إلى أنه حتى ولو نجح هذا الفيل في الصعود فسيسقط لا محالة.

ربما باتت قصة ضحد أرسنال للنظرية الماضية، باستمراره في صدارة الدوري الإنجليزي حتى الآن، هي القصة الأبرز على الساحة الرياضية؛ لذا دعنا نخُض قصةً أخرى، يُعتقد أن صاحبها هو أحد الأسباب الرئيسية في بقاء الفيل آمناً فوق شجرته حتى الآن، والسبب أن قصة حياته تشبه قصة فيل أرسنال في الأساس.

مارتن أوديجارد هو ذلك الفتى الذي عاش قصته الشخصية كفيل يأبى السقوط من فوق شجرة النرويج، ويكملها الآن بمساندته لفيل أرسنال بكل ما أوتي من قوة.

لا تُحدثني عن الماضي

دعنا نسألك بشكلٍ مباشر عن بعض نجوم كرة القدم النرويجيين الذين تعرفهم؟ نتوقع أن إجابتك ستكون حاضرة، وفي مقدمتها أسماء لامعة مثل "إيرلينج هالاند- ومارتن أوديجارد"، نجمَي مانشستر سيتي وأرسنال الإنجليزيين على الترتيب.

لكن، إن سألناك عن نجوم النرويج التاريخيين في كرة القدم، ربما لن يتبادر إلى ذهنك أي لاعب، وفي الغالب ستضطر للجوء إلى جوجل، لعلَّ هناك اسماً تاريخياً غائباً عن ذاكرتك، حسناً لا تقلق، فنحن متفقون في ذلك أيضاً.

في السؤالين الماضين تكمن قصة النرويج في كرة القدم، وتكمن أيضاً أهمية مارتن أوديجارد، لنرَ ذلك.

مارتن أوديجارد
مارتن أوديجارد / رويترز

عكس السائد

"النرويجيون رقيقون بعض الشيء عندما يتعلق الأمر بالثقافة، لقد نشأنا في مجتمع نثق فيه كثيراً ببعضنا البعض، وهي عقلية "نبني بعضنا البعض"، ربما في النوادي والبلدان الأخرى، ليس الأمر كذلك بنسبة مئة بالمئة التي تعتمد على عقلية الكفاح من أجل حياتك".

– جورن بروكس، أحد مشجعي بودو/غليمت.

لا تُعد النرويج دولةً كبرى عندما يتعلق الأمر بكرة القدم، فلديها ثلاث مشاركات مونديالية، أعوام 1938 و1994 و1998، هي الحصيلة الكاملة لهم في كأس العالم منذ انطلاقها، وفي التصريح أعلاه جزء من السبب الرئيسي في قلة هذه المشاركات.

تعتبر النرويج إحدى أعلى الدول الأوروبية في مستوى معيشة الفرد، وفقاً لـ"يورو ستيت" تبلغ تكلفة العمل في النرويج 50 يورو بالساعة، وهي أكثر بكثير مما هي عليه في السويد أو الدنمارك أو أي دولة من دول الاتحاد الأوروبي، وهو ما يخلق جواً من الثقة المتبادلة بين السكان، وحياة شبه خاليه من المنغصات.

وفي مثل ظروف كهذه لا يُنظر إلى كرة القدم سوى أنها وسيلة ترفيه، لا ينبغي أن تُؤخذ على محمل الجد، على عكس ما يحدث في اللعبة عالمياً في الوقت الحالي، وبالتبعية يحمل معظم اللاعبين النرويجيين هذه الثقافة؛ لذا كان أوديجارد أحد الاستثناءات التي ربما تخلق هوية جديدة لكرة القدم النرويجية بأكملها، لنُتابع.

مُختلِف منذ البداية

لم تعتَدْ النرويج أن تُنتج لاعبين أصحاب قدرات فنية عالية، بل حتى عندما تألق جيلها التاريخي الذي شارك في كأس العالم مرتين متتاليتين عامي 1994 و1998، اشتهر بتقديم كرة دفاعية، تخلو من اللمسات الفنية، وأيضاً من اللاعبين أصحاب المهارة.

"لم تُنتج النرويج لاعبي كرة قدم تقنيين في الواقع، لقد كنا أصحاب هيئات ضخمة، وطوالاً للغاية، وجيدين في التمريرات الطويلة والضربات الرأسية، وكرة القدم البدنية، ثم فجأةً حصلنا على صانع ألعاب مثل أوديجارد، الذي كان شيئاً جديداً تماماً بعد 20 إلى 30 عاماً".

– جورن بروكس، أحد مشجعي بودو/غليمت.

سطعت شمس أوديجارد بسماء النرويج بشكل مختلف عما اعتادت عليه طوال تاريخها الكروي، فهو الفتى الذي يستطيع مراوغة الهواء كما يتحدثون عنه، ويسبق كل الفئات العمرية التي لعب لها، وهو كذلك الشاب التي تأتي له الجماهير من كل حدبٍ وصوب لمشاهدته في المباريات.

"لقد أُجريت مقابلة معه عندما كان يبلغ من العمر 15 عاماً، وكان لديه بالفعل هذه الهالة التي يمتلكها في ذلك الوقت، كان حينها قد لعب 5 إلى 10 مباريات فقط، في فريق Eliteserien، لكنه كان مجبراً على أن يتعامل مع قدر كبير من الضغط لسنوات عديدة، منذ السنوات الأولى كان حديثه جيداً، تقريباً كما لو كان مدرباً على وسائل الإعلام في المنزل".

-أوسترهايم، صحفي نرويجي.

بالإضافة إلى موهبته الفذّه تمتع أوديجارد بشيء مختلف، ربما تحصل عليه النرويج للمرة الأولى في لاعبيها، وهو تحمّل المسؤولية، فهو الطفل صاحب الـ15 عاماً فقط، ولكنه يتحدث إلى وسائل الإعلام وكأنه لعب لمدة 15 عاماً في أعلى المستويات، وهو ذاته الذي يوجّه زملاءه في الملعب، وكأنه مدربهم.

في إنجلترا.. لتكتمل الأسطورة

لفتت موهبة أوديجارد أنظار العالم كله، بما فيه أحد أهم فرق العالم "ريال مدريد"، الذي ظفر بهذه الموهبة، التي يُعتقد أنها ستصير الأفضل في العالم لا محالة، وأصبح أصغر لاعب يمثل ريال مدريد. في يناير 2017، لكن لأن الأمور لا تسير وفق خططنا عانى أوديجار الأمرّين في مدريد، ليخرج في إعارة لنادي هيرنفين لمدة 18 شهراً، ثم إعارة لمدة عامين في ناديي فيتيس، وريال سوسيداد.

مارتن أوديجارد
مارتن أوديجارد في ريال مدريد / shutter stock

لكن ذلك لم يمنعه من أن يتصدر كل العناوين في النرويج، التي كانت تصخب مع كل هدف يسجله لأحد الفرق التي يشارك لها، لكن هذه الصحف كانت تتحدث أيضاً أن مارتن يستحق أكثر من مجرد اللعب مع فريق في منتصف الجدول، وكانت تتساءل دوماً: متى سيلعب مارتن في إنجلترا؟

"النرويجيون انتقائيون للغاية بشأن كرة القدم الخاصة بهم، نحن أناس غرباء، نحن نتابع الدوري الإنجليزي كما لو كان في دمائنا، لدينا محيط ضخم بيننا، لدينا هذا الحب الكبير لكرة القدم الإنجليزية، وكلما كان هناك لاعبون نرويجيون يلعبون في الدوري الممتاز كانوا دائماً في قمة العقول والقلوب، لقد حدد ذلك كيف يتابع النرويجيون كرة القدم".

– الصحفي الرياضي النرويجي Adrian Aagesen

ذهب أوديجارد إلى نادي أرسنال الإنجليزي كإعارة للمرة الأولى، وكأنه مقدر له أن يكمل أسطورة النرويجيين مع كرة القدم الإنجليزية، وحتى يكمل أسطورته الشخصية، وسريعاً ما حصل على ثقة المدير الفني ميكيل أرتيتا، رغم عدم تأثيره على المباريات إلى المستوى الذي هو عليه الآن، إلا أنه قدم مستوى عالياً، أدى إلى تأثر أرتيتا بذكائه وطريقة ضغطه. إلى جانب ذلك، كان أحد اللاعبين الذين يوجهون زملاءهم في الفريق أثناء المباريات.

خلال هذه الفترة تم تعيينه كابتن النرويج (مارس 2021). في الأشهر الـ18 التي تلت ذلك نضجت شخصيته بشكل لافت، فبدلاً من أن يكون قائداً يُلقي الأوامر فقط كان هو الشخص الذي يُضرب به المثل، وقد جعله هذا شخصية مناسبة لأرتيتا كقائد لأرسنال.

فيل أرسنال مقابل فيل النرويج

يُسهم أوديجارد بمستوى فني وقيادي خرافيين في موسم أرسنال الاستثنائي، ساعدا في بقاء فيل أرسنال ثابتاً فوق الشجرة حتى هذه اللحظة، لكن الجميع في النرويج يسأل متى يصعد فيل النرويج إلى الشجرة، ومتى يتعلم ألا يسقط؟

يقول بروكس: "إذا كان هناك أي شيء فإن رؤية كيف يلعب مع أرسنال يجلب الكثير من التوقعات عندما يأتي إلى النرويج، عندما لا يكون مسيطراً بنفس القدر يصاب الناس بخيبة أمل، لكنهم ما زالوا يحبونه، الأمر يشبه عندما لا يسجل هالاند في مباراة، تشعر بخيبة أمل، لكن لا يمكنك أن تتوقع منه أن يسجل في كل مباراة. إنه الشيء نفسه مع مارتن، نحن نتوقع منهما الكثير لحمل الأمة، لكنهما لم يفعلا ذلك بعد".

قد يكون الافتراض خارج النرويج أنه يجب أن يكون لهم وجود في البطولات الكبرى؛ لأن لديهم مواهب خاصة، مثل أوديجارد وهالاند، لكن الأمر ليس بهذه البساطة.

ويلز واسكتلندا على سبيل المثال كانت لديهما مواهب بارزة، مثل جاريث بيل وآرون رامزي وأندرو روبرتسون وكيران تيرني لسنوات، لكن الأمر استغرق وقتاً حتى يبدأوا في أن يصبحوا قوى جماعية.

النرويج، ومع ذلك، لا تزال على بُعد خطوات وراء ذلك، كانوا على بعد ثلاث نقاط من التأهل للمباريات الفاصلة لكأس العالم 2022، واحتلوا المركز الثالث خلف هولندا وتركيا في التصفيات، كانت آخر بطولة كبرى لعبتها النرويج هي يورو 2000.

قد يكون التوقيت عاملاً مهماً عندما ينتقل النقاش إلى كيفية النظر إليه هو وهالاند على المستوى الدولي. أوديجارد يبلغ من العمر 24 عاماً، ولديه في ثماني سنوات (47 مباراة دولية) من الخبرة مع المنتخب الوطني. وهالاند الذي يبلغ من العمر 22 عاماً، ولديه 21 هدفاً في 23 مباراة دولية له على مدار السنوات الثلاث الماضية.

حتى من دون حمل النرويج إلى بطولة كبرى حتى الآن، فقد انتشر الشعور بالفخر تجاه أوديجارد في كل من لندن في إنجلترا، وبودو في النرويج.

تكمن قوة أوديجارد فيما هو أبعد بكثير من قدراته الفنية، فهو اللاعب الذي تبني عليه النرويج آمالها، وآمال ناشئيها الذين يرون فيه مثلاً أعلى، وتأمل النرويج أن تتغير الذاكرة الجمعية للاعبين النرويجيين سابقاً بما يفعله أوديجارد الآن، فهو كما يقول عنه الصحفي النرويجي دانييل أوسترهايم:

"هذا هو ملخص مارتن أوديجارد، إنه يعرف ما تعنيه موهبته لكرة القدم النرويجية، لدينا الكثير من المواهب القادمة أيضاً، يستخدمون مارتن وخطوات حياته المهنية كمثال لمستقبلهم".

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

محمد السيد حجر
كاتب رياضي
كاتب رياضي
تحميل المزيد