السر وراء ماجد الكدواني.. كيف تحوَّل من ممثل عادي إلى أيقونة درامية بمصر؟!

عربي بوست
تم النشر: 2023/02/02 الساعة 10:55 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/02/02 الساعة 10:55 بتوقيت غرينتش
الفنان المصري ماجد الكدواني / يوتيوب

ما السر وراء هذا الرجل، الذي صار "ممثل العام" بلا منازع في مصر، تعجّ مواقع التواصل بمقاطع فيديو مؤثرة له من أعماله الأخيرة، تحوّلت ملامحه التي ظلت لسنوات طويلة بلا تعبيرات تُذكر، إلى "ميمز" يتداولها المهتمون، مقرونةً بحكمة أو مقولة عميقة، أتأمل التحول العنيف الذي حدث في حياة ممثل كاد يفقد الأمل في مهنته وفي مستقبله، قبل أن يصبح أيقونة في الدراما المصرية، تتهافت القنوات لاستضافته، وتتداول لجان التحكيم في المهرجانات اسمه، ويُعبر الجمهور بكل الأشكال عن إعجابهم بظهور ممثل جديد مفضل على الشاشة، ليس لوسامته، ولا قوته الجسدية، ولا حركاته الخطيرة، فقط لأنه صادق جداً وبسيط.. ماجد الكدواني.

بداية محبطة

وجه بلا تعبيرات تقريباً، هكذا كان الظهور الأول للممثل ماجد الكداوني في مسلسل أرابيسك عام 1994، في مشهد وحيد، في دور طبيب، لم يستغرق وقتها سوى 45 ثانية، أما ثاني أدواره فكان بمسلسل "زيزينيا" عام 1997، وقتها لم يقدم سوى ثلاثة مشاهد وحسب.

ماجد الكدواني
ماجد الكدواني في بداياته الفنية

لم تكن بداية الشاب ماجد الكدواني قويةً جداً، رغم قوة المسلسلات التي شارك بها في بدايته، وكذلك جودة أدائه، حيث لم يكن تمثيله سيئاً، أدى دوره بجودة كافية، ولكن من دون "لمعانٍ"، هكذا واصل خريج المعهد العالي للفنون المسرحية الظهور في عمل تلو آخر، تارةً ككومبارس، وتارة كممثل بدور صغير، ربما بدور واحد أو اثنين في العام كله،  حتى العام 2007، حين قدّم مسلسل "أحلامك أوامر"، بطولة ماجدة زكي، وهو العمل الذي انقطع من بعده طوال 14 عاماً عن العمل التلفزيوني، حيث لم يقدم دوراً واحداً "حقيقياً" متكاملاً طوال تلك الفترة، حتى جاءته الفرصة ليعمل بمسلسل "موضوع عائلي"، ليتحول من بعده إلى أيقونة درامية، صحيح أنه قدّم خلال الـ14 عاماً أعمالاً سينمائية مختلفة ومميزة جداً، لكنها جميعاً كانت مجردَ تمهيد لظهور المارد الذي صار اسمه كفيلاً بضمان جودة العمل الذي يُقدّم. 

حين أنقذه "الكارتون"

لا يعلم الكثيرون أن صوت ماجد الكدواني لازمهم لسنوات، وكذلك لازم أطفالَهم، دون أن يدركوا أنه هو صاحب تلك الأصوات، كانت البداية مع دور كابتن هوك في كارتون "بيتر بان"، حين علمتُ المعلومة رُحت أستمع للصوت من جديد مرةً بعد أخرى، حتى تأكدتُ أنه فعلاً هو!

ماجد الكدواني

 ليس هذا فحسب، ولكنه قام أيضاً بأدوار عديدة أخرى، مثل أرنوب في كارتون "ويني الدبدوب"، وفيليرو في كارتون "الوظاليل"، والدوك قيسون في كارتون "دبب الأساطير"، و زمان في "الجميلة والوحش"، و"تشين بو" في مولان، وفيني في "أطلانتس الإمبراطورية الفقودة"، أما المفاجأتان الكبيرتان فهما أنه كان مَن قدَّم شخصية "كلينتون" في مسلسل "طرزان"، و "منفي" في شركة المرعبين المحدودة.

الحق أن تلك الأدوار تحديداً أسهمت برأيي في تشكيل الرجل من جديد، أقول هذا من واقع تجربة في الأداء الصوتي بمسلسلات كارتون، خُضتها بنفسي غير مرة، والحق أنني، وعن تجربة، أرى أن الوقوف أمام المايك من دون كاميرات يمنح العنان لقدرات، وإمكانات، ومواطن بعينها، يعيد من خلالها المرء اكتشاف ذاته من جديد، ربما أسهمت تلك الأدوار جميعاً في صناعة ماجد كدواني جديد، صرنا نراه بعين مختلفة، تُقدر موهبته، وتَلمح تفاصيلَ لم تكن موجودة من قبل. 

المكالمة التي غيّرت حياته 

في العام 2004 كانت والدة الكدواني تعاني ظروفاً صحية صعبة، استلزمت دخولها إلى المستشفى، وفي التوقيت ذاته حصل الكدواني على سكريبت البطولة المطلقة الأولى بفيلمه "جاي في السريع"، وهو فيلم أحبه على المستوى الشخصي، وعادة ما يُضحكني كلما شاهدته، تلقاه الكدواني في المستشفى، حيث قرأه لأول مرة هناك، لتتوفى والدته ويبدأ تصويره عقب فترة، لم تكن حالته النفسية وقتها قد تحسنت بعد، لكنه أنجزه- بأفضل ما استطاع- لتبدأ سلسلة أخرى من المشاكل الإنتاجية عقب نزول الفيلم إلى صالات العرض.

ماجد الكدواني

يقول الكدواني: "كنت أجلس وحدي، وأناجي الله عن الحكمة مما يحدث، فجأة دوى الهاتف، ورغم أني لا أرد على أرقام غريبة فإنني قمت بالرد، وكان الفنان عادل إمام، وأنا لم أعمل معه من قبل أو أقابله، يومها قال لي نصاً بقولك إيه يا ماجد ولا ليك دعوة بإنتاج ولا قاعات، ولا سينمات صغيرة ولا سينمات كبيرة، ولا دعاية ولا أفيشات، ملكش دعوة بحاجة، هاقولك كلمة خليها حلقة في ودنك، مثّل بس، وسيب السوق يحطك في المكان اللي هو عايز يحطك فيه، أنا أول فيلم قدمته ماشتغلش، "البحث عن فضيحة"، وقبل "مدرسة المشاغبين" أحياناً كنا نعرض على صالة فاضية، إوعى بقى تيأس، وتعمل فيها مكتئب وتقعد على السرير وتبص في السقف، قولتله حضرتك شايفني؟ قالي أنا بحبك وحاسس بيك، وعارف الصعوبات اللي بتحصل في ظل بعض الظروف، ملكش دعوة بحاجة، مثّل بس وركز على نفسك"، هكذا اختلف كل شيء، يقول الكدواني إن تلك المكالمة مثّلت له فارقاً عظيماً في طاقته، ونفسيته، وفِكره، جعلته يعيد ترتيب حياته الفنية من جديد.

مَن يقف وراء هذا الرجل؟

حتى وقت قريب كانت الأدوار التي يقدمها الكدواني تنحصر في الصديق خفيف الظل، كما هو الحال في "عسكر في المعسكر"، بصحبة محمد هنيدي، عام 2003، أو الرجل غير المكترث، كما هو الحال في فيلم "حرامية في تايلاند" 2003، و"الرجل الأبيض المتوسط" 2002، و"جاي في السريع" 2005، و"الرهينة"، و"العيال هربت" 2006، وحتى حين ظهر في دور زوج بفيلم "شيكامارا"، كان أيضاً غائباً عن الوعي معظم الوقت، وغير مكترث بشيء، حتى ابنه.

أعتبر البداية الحقيقية لخروجه من النطاق الضيق لتشخيص "الرجل البليد" جاءت في فيلم "كباريه" عام 2008، ورغم أنه كان يقدم دور رجل مخمور، فإنه جاء مختلفاً عن السياق الذي اعتاد الظهور به، هكذا كانت انطلاقته التي عاد من بعدها بشخصية أقوى في فيلم "الفرح" 2009، واحد من أبرز أدواره على الإطلاق كـ"نباطشي" في الأفراح الشعبية.

ربما خلال تلك السنوات جميعاً كانت أبوة الكدواني اا تزال في مرحلة التشكل، لكنه بدءاً من العام 2017 راح يقدم دوراً جديداً تماماً على شخصيته، بدا أنه الدور الأكثر عمقاً، بدأ الأمر في العام 2016 مع فيلم "هيبتا"، حيث قدم شخصية شكري مختار، ليبدأ من بعدها في تقديم شخصية "الأب" بتنوّعاتها، رأيته كأب متخبط في "شيخ جاكسون" عام 2017، ورأيته كأب تائه خائف في "برا المنهج" عام 2021.

مع الوقت صار بارعاً في أداء دور الأب، حتى ولو كان في مشهد وحيد، كما هو الحال في مسلسل "ولاد ناس"، حيث استطاع في مشهد من أربع دقائق أن يُبكي المشاهدين، رغم أنه ظهر ضيفَ شرف، لكن دقائقه الأربع جاءت كـ"بطولة مطلقة"، حيث ابتلع المشهد بأداء هادئ ومؤثر للغاية.

وجاء دوره كأب حنون عاقل في "موضوع عائلي" بجزئيه 2022-2023، ليتوج صورته الذهنية الجديدة، مع أداء هو نموذج في البساطة والتأثير.

"العالم يحتاج إلى أب" كان عنوان مبادرة قمت بتغطية فعاليتها قبل أعوام، يرى القائمون عليها، وأنا معهم، أن دور الأب تراجع كثيراً، تحت ضغوط العصر الحالي، وأن العالم يحتاج إلى أب حقيقي، يؤدي دوره، ربما- بسبب تلك الحاجة العالمية- تتحول أدوار الآباء المتقنة إلى تميمة حظ لأصحابها، كما حدث مع سيد رجب في "أبو العروسة"، و بيومي فؤاد في "خلي بالك من زيزي"، وبالطبع شخصية ماجد الكداوني في المسلسل الأشهر "موضوع عائلي"، ربما لأنه في الواقع أب جيد، يظهر ذلك واضحاً في صورة مع أسرته الحقيقية المكونة من زوجة، وابن، وابنة، عادةً ما يظهر وهو يحتضنهم.

ماجد الكدواني

السر وراء ماجد الكدواني

السر الحقيقي وراء ماجد الكدواني هو ذلك التصريح الذي يكرره بطرق مختلفة، من لقاء لآخر، وسط الحديث، ربما دون أن ينتبه أحد، يعتقد ماجد الكداوني أن التمثيل رسالة مقدسة سيُحاسب عليها أمام الله، وأنها خادعة جداً، تغري العاملين فيها بالشهرة والتصوير مع الناس، بينما كل كلمة تخرج من فم الفنان محسوبة عليه، هذه القناعة تحديداً لا يكُفّ الكدواني عن تكرارها للجميع، وسائل إعلام أو حتى في لقاء خاص مع خريجي المعهد العالي للفنون المسرحية!

لهذا، قال في لقائه مع عمرو أديب إنه عقب 14 عاماً من الانقطاع عن العمل التلفزيوني، قرر أنه لن يعود في صورة عمل يقوم خلاله الأفراد بـ"ملء ساعات"، لهذا اعتذر عن عملين، قبل بدء عمله في مسلسل "موضوع عائلي"، يقول: "شعرت بتأنيب ضمير، وأن هذا بطر بالنعمة، لكنني أصررت أن أظل دقيقاً"، قرّر الكدواني عقب تلك السنوات أنه سوف يتّبع مبادئه الخاصة، وما يؤمن به حقاً، والتي بدا أنها تعمل بكفاءة!

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

رحاب لؤي
كاتبة صحفية متخصصة في الفن
كاتبة صحفية، عملتُ في العديد من الصُحف والمواقع الإلكترونية، أحب الرسم والقراءة والأداء الصوتي
تحميل المزيد