“عصر جديد من العلاقات الصينية-العربية”.. هل يكون 2023 عام التوغّل الصيني في الشرق الأوسط؟

عربي بوست
تم النشر: 2023/02/02 الساعة 13:03 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/02/17 الساعة 13:07 بتوقيت غرينتش

تماشياً مع المفاهيم السياسية والاقتصادية الجديدة، فالصراع لم يعد يعني بالضرورة وجود مواجهات عسكرية مباشرة بين الدول، وهو الطريق الذي انتهجته الصين في ظل استراتيجية اقتصادية كبرى وتحولات شاملة، لم تبدأ في وقت قريب، بل سُطرت ضمن أجندات سابقة.

فقد شهد عام 2022 أحداثاً مهمة في العلاقات بين الصين والشرق الأوسط، من خلال سلسلة من التحركات  السياسية للصين، أهمها زيارة الرئيس الصيني للسعودية، حيث أكد هذا الأخير أنها "ستفتح عصراً جديداً للعلاقات بين الصين والعالم العربي، ودول الخليج والسعودية".

وهي التطورات التي أتت بعد تنامٍ كبير للانخراط الاقتصادي الصيني في المنطقة، فقد حقق الاقتصاد الصيني النموَّ الأكبر له في التاريخ، خلال الـ25 سنةً الماضية، ويستمر في تحقيق نمو عام بشكل سنوي، ما شكّل رسالةً واضحةً إلى العالم، بأن الصين قادمة بقوة.

قد يتساءل البعض: لماذا تريد الصين التوغل في الشرق الأوسط؟ أو لماذا الشرق الأوسط تحديداً؟ الجواب وبكل بساطة، أن الشرق الأوسط يقع على مفترق طرق بين آسيا وإفريقيا وأوروبا، وهو موقع ممتاز للتوسع الاقتصادي، والذي يحتاج أيضاً إلى النفط بشدة، إضافة إلى أهمية تأمين طرق الإمداد البحرية، التي تخشى من أن تتمكن الولايات المتحدة من قطعها في حال نشوب صراع.

في الحقيقة، إن الصين وإلى وقت قريب كانت في صراع بين مصالحها الاقتصادية وسياستها الخارجية، غير أن المتغيرات التي أحدثتها الحرب الروسية الأوكرانية،  أعطت جرأةً أكبر لدخول الصين منطقة الشرق الأوسط بكل ثقلها، فهي لم تعد مجبرةً على الإمساك بالعصا من منتصفها.

لم تعد تحرص الصين كثيراً على إرضاء الجميع وعدم إغضاب أحد، فقد تم الاعتراف بها كقوة دولية ناهضة، بعد أن فرضت نفسها اقتصادياً، واكتسبت مزيداً من الثقة بالنفس.

وهو ما أحدث تغييراً في مصالحها الاستراتيجية، وتغيرت معها علاقتها بالقوى الكبرى، وبالتالي لا بد من أن يفرض ذلك تغييراً في سياساتها، وفي سلوكها الدبلوماسي، ومن ثم فإن مركزية دول الخليج بالنسبة إلى المصالح الصينية في الشرق الأوسط، دفعت الصين للنظر إلى الخليج كسوق محتمل للاستثمار، سواء بالنسبة إلى البنية التحتية للصناعات الثقيلة، مثل الموانئ والسكك الحديدية، أو كوجهة للتكنولوجيا الصينية، مثل الذكاء الاصطناعي وشبكات "5G".

على الجانب الآخر، ترى دول الخليج فائدةً في الارتباط  أكثر بالصين، ودعم استراتيجياتها المستقبلية، مثل رؤية السعودية 2030.

باتت الصين على أعتاب مراحل متقدمة من التحولات الاقتصادية والاستراتيجية، مع تنامي فكرة الابتعاد عن الطاقة بالنسبة للاستثمار الخارجي، وخاصةً في منطقة الشرق الأوسط الغنية بالنفط.

فقد اتّجهت الشركات الصينية بالفعل إلى الاستثمار المباشر، بالإضافة إلى العديد من عقود البنية التحتية الكبيرة، الممنوحة للشركات الصينية، حيث تقوم هذه الأخيرة ببناء الموانئ ومناطق التجارة الحرة في المنطقة، بما في ذلك في عُمان ومصر والسعودية والكويت. 

كما نما التعاون بين الصين والدول العربية، ليشمل التكنولوجيا الرقمية والطاقة المتجددة والسياحة والطيران، وتستخدم معظم دول مجلس التعاون الخليجي تقنية هواوي الصينية المثيرة للجدل في شبكات اتصالاتها.

ومع ذلك، فإن أحد أنواع التعاون المتزايد هو الأكثر إثارة للجدل، ويتضمن الإنتاج المحلي للمعدات العسكرية، حيث يطور السعوديون صواريخهم وطائراتهم دون طيار بمساعدة صينية، بينما اشترت الإمارات طائرات مقاتلة صينية.

رغم أن منطقة "الشرق الأوسط" لم تكن يوماً محورَ اهتمام في الاستراتيجية الصينية، كما هي عليه اليوم، لكن في هذه الأيام تنظر دول الشرق الأوسط إلى الصين كلاعب دولي يمكن الاعتماد عليه، في ظل انحصار الوجود الأمريكي بالمنطقة، وإدراك دول الشرق الأوسط ضرورة تنويع علاقاتها، بما يضمن مصالحها الاقتصادية والسياسية على حد سواء.

ففي ظل زيادة المخاوف من صعود نظام عالمي جديد "غير ليبرالي"، أو أن ينقسم العالم بين دول ديمقراطية في مواجهة دول غير ديمقراطية.

لا يمكن للصين ضمان استمرار النمو والتنمية إلا من خلال اعتمادها رؤيةً تحظى بالقبول من القوى الدولية، وحرصت الصين على الظهور بمظهر الفاعل الاقتصادي في منطقة الشرق الأوسط، غير أن هذا لا يمكن أن يتحقق إلا بمصالح مشتركة مع دول المنطقة، والتي ترتبط منذ سنوات بالولايات المتحدة الأمريكية، وحرصهم على علاقتهم معها سيشكل الهاجس الأكبر للصين، في حين ستتعرض هذه الدول لضغوطات كبيرة، لتقليص الوجود الصيني فيها، في حين أن أكبر الصعوبات تتمثل في إبقاء العلاقات مع جميع الأطراف ضمن مسافة آمنة.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

مريم بوغابة
كاتبة ومدونة جزائرية
كاتبة ومدونة جزائرية
تحميل المزيد