“بين التفكير والتضليل”.. كيف يقرأ المواطن العربي الأخبار ويتجنب خداع السلطة؟

عربي بوست
تم النشر: 2023/02/02 الساعة 13:29 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/02/02 الساعة 13:29 بتوقيت غرينتش
الإنسان اليوم يعيش في عصر تزدهر المعلومات وتنتشر فيه بسرعة هائلة

الوعي هو إدراك الأمور على حقيقتها دون تلون أو تغيير، وهذا المفهوم للوعي يشتمل على ركنين مهمين لا بد منهما:

الأول: هو توفر المعلومات الجوهرية عن موضوع الوعي، فالوعي نسبي، بمعنى أن المعلومة قد تكون مهمة لقرار ما، بينما هي ذاتها غير مهمة لقرار آخر، رغم أنها ذات علاقة به، فالمراد بكون المعلومة جوهرية: أنها مؤثرة على القرار، وأنها فارقة في إدراك التصور الذهني السليم لما يتعلق به، فغيابها قد يعني قراراً مختلفاً، لذلك فإن توافر كثير من المعلومات غير المهمة قد لا يعني شيئاً.

 لكن توفُّر المعلومة الجوهرية وحده لا يُحقق الوعي؛ إذ المطلوب هو إدراكها، وهذا هو الركن الثاني، وكم مِن معلومات متوفرة للشعوب عن أمور مهمة، لكنها تمر مرور الكرام، ولم تسكُن بؤرةَ الشعور العام؛ لأن وضوحها في بؤرة الشعور للعقل الجمعي لشعبٍ ما هو ما يضمن حضورَها واستخدامها.

 تميلُ الحكومات التي ترغب في تغييب وعي شعوبها إلى عدم توفير المعلومات الجوهرية المتعلقة بقراراتها، فقد يُتخذ القرار دون علم جموع الشعب به، وإذا عجزت عن ذلك فربما تمنح شعوبها كمّاً من المعلومات الزائفة المنحازة، وقد توفر المعلومة الجوهرية، لكن تتعامل معها بشكل يمنع تركيزها، ومن ثَم يغيب الإدراك اللازم.

 إن دور الإعلام هو تبصير الشعوب بالحقيقة، لكن هذا الدور بالنسبة للعالم الثالث ينقلب إلى التهيئة للقرار الحكومي قبل صدوره، والدفاع عنه بعد صدوره، بصرف النظر عن صواب القرار من عدمه، ومن ثم يفقد الوعي العام أهم مصادره.

 ودور الأحزاب إظهار الأبعاد المختلفة للقرار الحكومي سلباً وإيجاباً، وطرح البدائل، ومحاولة إيجاد مناقشة مجتمعية حول تلك القرارات، خاصة شديدة الأهمية، وهو ما يُحدث الوعي المطلوب، ومع الأسف فإن هذه الأدوار المفترض أن تكون لدى الأحزاب ضعيفة في بلادنا.

وأما البرلمانات فدورها الرقابة القائمة على معرفة تفاصيل القرار وحيثياته، بأعلى صورة من صور الوعي، والارتباط بالجماهير في دوائرها الانتخابية، واستطلاع آرائها، والتفاعل معها، لكن برلمانات العالم الثالث لا تكون حقيقية؛ بل هي عادةً صنيعة تلك الحكومات، ومن ثَم فهي لا تقوم بدورها التوعوي.

 لذا يقع على الأفراد في دول العالم الثالث عبء وجهد زائد للوصول للمعلومات الجوهرية، وإدراكها إدراكاً سليماً، مقارنةً بشعوب الدول الراسخة في الديمقراطية.

ومما يُساعد المواطن في تحقيق هذا الوعي أن يُعدّد مصادر المعلومات، ولا يكتفي بمصدر وحيد، بل يبحث ويقرأ ويستمع لوسائل الإعلام المختلفة، داخلياً وخارجياً، مؤيِّدة ومعارِضة.

على المواطن المسكين أيضاً أن يتعلم حيلَ الإعلام في الخداع حتى يتجنّبها، فالمعلومة قد تكون واحدة، لكن يوجد اختلاف في تقييم الآثار المترتبة عليها؛ لذا فعلى المواطن أن يستمع لأصحاب الآراء المختلفة، فالعبرة بتعدد الآراء وليس بكثرة الإعلاميين، فقد يقول عشرة إعلاميين رأياً واحداً، بينما يقول اثنان رأيين مختلفين.

على المواطن أن يتجنب الانخداع بالحديث العاطفي، بأن يستبعده تماماً، ويأخذ بالتفكير العقلاني، بل ويتشكك في كل خطابٍ المكون الأعلى فيه يعتمد على العاطفة، وأن يجتهد لامتلاك التفكير النقدي.

على المواطن ألّا يكون رأيه قائماً على اعتبار أن هذا رأي الأغلبية حوله، فكثيراً ما تكون هذه الأغلبية مصطنعةً، وأن يجتهدَ في الوعي بالصورة الكلية الغائبة من خلال تجميع الجزئيات والأحداث ونقدها حتى يصل للحقيقة.

على المواطن أن يُنمي حساسيته تجاه أهمية الأخبار لكي يصنع وعياً راقياً، فقد تُذكر معلومة جانبية في موضوع ما، ينتبه لها، ثم يبحثُ خلفَها ليصلَ للوعي المطلوب، وأن يجتهد في تحديد نسبة الثقة في مصداقية الإعلاميين، ووسائل الإعلام المختلفة.

هذه النسبة ليست درجة محددة دقيقة بالطبع؛ بل هي مدى أو مستوى معين يكوِّنه مع الوقت كتغذية مرتدة، بحيث يستطيع في النهاية القول إن قناة كذا الفضائية أكثر مصداقية من قناة كذا.

على المواطن أن يحترمَ الواقعَ الذي يراه ويُعايشه أكثر مما يتردد في وسائل الإعلام، فالواقعُ أكثر مصداقية.

فمواطن يرى الكثيرين يعانون الفقر، وتتناقص قدرتهم على الشراء مثلاً، كيف يقبل القول بأن الأحوال جيدة اقتصادياً؟!

أو يعلمُ علمَ اليقين ما يدور في مراكز الشرطة من انتهاكات للقانون، فكيف يَقبل بادعاء أن حقوق الإنسان مُصانة ومحفوظة؟!

هذه بعض النقاط التي يمكن أن يفعلها المواطن لرفع درجة وعيه، لإدراك ما يحدث حوله، والقضايا التي تدور في مجتمعه.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
محمد عبد الباسط
كاتب وروائي مصري
كاتب وروائي مصري
تحميل المزيد