تتسابق الأحزاب التركية للوصول إلى الشباب، ولا سيما مع اقترب موعد الانتخابات الرئاسية التركية؛ حيث سيشارك حوالي 13 ملايين ناخب تركي شاب، ولهذا السبب تعمل كل الأحزاب المؤيدة والمعارضة على إرضاء هذه الشريحة الشبابية، المعروفة بـ"جيل Z"، وهو الجيل الذي ظهر بعد جيل الألفية؛ ليتميز أفراده بقدراتهم الخاصة في استخدام التكنولوجيا، وذلك نتيجة ولادتهم خلال الوقت الذي تميز بالتطور التكنولوجي الهائل.
ولأن الأحزاب التركية تعي هذه الحقيقة جيداً، عملت هذه الأحزاب على إنشاء محتوى سياسي يجذب الشباب التركي على مواقع التواصل الاجتماعي، محتوى تميز بالمؤثرات الصورية والموسيقية المختلفة، بالإضافة إلى إنتاج برامج ومنصات اجتماعية تستهدف الشباب التركي.
لم توفر القوى السياسية في تركيا أي وسيلة تواصل اجتماعي للوصول إلى أهدافها؛ حيث رأينا دخول رؤساء الأحزاب إلى عالم "إنستغرام"، هذا الموقع الذي يعد المفضل للشباب التركي، بالإضافة إلى موقع تويتر، الذي يعد مرجعاً للتراشقات بين الأحزاب المؤيدة والمعارضة.
أما "فيسبوك" فلقد أصبح موضة قديمة في تركيا، لهذا لا نرى اهتماماً كبيراً به من قبل السياسيين الأتراك على خلاف "يوتيوب"، هذه المنصة التي توفر نشر مقاطع طويلة ليستطيع السياسي التركي البوح والحديث للناس عن أهدافه ووعوده الانتخابية، دون أن يداهمه توقيت الفيديو.
انضمام أردوغان لـ"تيك توك"
التطور اللافت للنظر هو انضمام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لمنصة "تيك توك"، هذه المنصة التي تهكم عليها الكثير من الناس في البداية، ومن ثم شاهدنا تطورها بشكل كبير حتى أصبحت تنافس كبرى مواقع التواصل الاجتماعي.
لدرجة أن وسائل التواصل الاجتماعي المشهورة قامت بتقليد ميزات "تيك توك" المعروف بميزاته المتطورة من حيث إنتاج الفيديوهات القصيرة وبزمن قياسي، ولكل هذه الأسباب نرى أغلبية الشباب التركي في "تيك توك" اليوم، لدرجة أن البعض يقول إن الرئيس رجب طيب أردوغان قد تأخر عن "تيك توك" مقارنة برئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو الذي كان من أوائل السياسيين الذين أنشأوا حساباً رسمياً لهم على "تيك توك".
لم يقتصر استخدام مواقع التواصل الاجتماعي على الدعاية الانتخابية فقط، بل تم استخدام هذه المنصات لنشر أفكار أيديولوجية عنصرية، كحزب النصر الذي يرأسه أوميت أوزداغ، الذي استغل كل مواقع التواصل لنشر أفكاره العنصرية ضد اللاجئين والأجانب من غير الأتراك؛ حيث أنتج ونشر العديد من الأفلام القصيرة التي تروج أن تركيا فقط للأتراك، وأنه إذا تسلم حزب النصر الحكم في تركيا يوماً ما، فسيقوم بإرسال اللاجئين عنوة بحافلات سماها حافلات النصر!
والبعض رأى في مواقع التواصل الاجتماعي مكاناً مناسباً لعكس الأوضاع الاقتصادية في البلاد، كالسيد مصطفى سارغول، رئيس حزب "التغيير"، الذي ينشر يومياً مقاطع توثق غلاء الأسعار وغياب الرقابة في مراكز التسوق التركية.
وكل هذه الأسباب دفعت الحكومة التركية إلى تشريع قانون يتضمّن تعديلات على الصعيد الإعلامي والصحفي، وينظّم عمل وسائل التواصل الاجتماعي، من بينها مادة تهدّد بمعاقبة التضليل الإعلامي بالسجن، في ظل انتقادات بأن القانون قد يحدّ من الحريات الصحفية والإعلامية في تركيا.
وأما حزب "العدالة والتنمية"، فلديه الكثير من المنشورات التي توثق مشاريعه التنموية خلال عقدين من الزمن من جسور ومطارات ومصانع. ولكن مقارنة مع كل هذه النجاحات، يبقى أداء حزب العدالة والتنمية متواضعاً إذا ما قارناه بأداء الأحزاب الأخرى، وهذا الذي ينتقده الكثير من المراقبين.
الهجرة إلى مواقع التواصل الاجتماعي
بعد دراستي لكل الشخصيات السياسية في تركيا، لاحظت أن أفضل من يستخدم مواقع التواصل الاجتماعي هو السيد أكرم إمام أوغلو، رئيس بلدية إسطنبول؛ حيث تتميز حساباته بكم هائل من الصور والمقاطع اليومية بدون توقف، حتى إنه أصبح يمتلك عدداً كبيراً من المتابعين في زمن قصير، وينافس الوزراء ورئيس الجمهورية بعدد المتابعين.
لم يتوقف الأمر عند السياسيين فقط؛ بل رأينا العديد من الصحفيين المخضرمين الأتراك الذين هاجروا من التلفزيون إلى مواقع التواصل الاجتماعي، كالصحفي الشهر جنيد أوزدمير، والصحفي فاتح برتقال؛ إيماناً منهم بقوة السوشيال ميديا وسرعة انتشارها مقارنة بالقنوات التلفزيونية.
أما إذا أردنا التكلم عن حجم ميزانيات الإعلانات الممولة في الفيس بوك أو "ميتا" مجدداً خلال آخر سنتين، فنجد أن حزب "الديمقراطية والتقدم" الذي يرأسه علي باباجان، المنشق من حزب "العدالة والتنمية" الحاكم، يأتي بالمقدمة، ومن ثم يأتي الحزب "الجيد"، ويأتي الحزب الحاكم بالمرتبة الرابعة، حسب بيانات شركة "ميتا" التي تحدثت عنها الصحفية التركية بيرنا أبيك في موقع T24 الإخباري.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.