حول نهر النيل نشأت أقدم وأعرق الحضارات في التاريخ، ويرجع العامل الرئيسي لقيامها للشخص الذي استطاع إخراج الخيرات من التربة، وتمكن من إنبات الحياة وسط الأرض الصماء، إنه الفلاح المصري الذي يعد بمثابة الشخص الأهم في المنظومة الاقتصادية المصرية.
لقد فتح النائب فريدي البياضي، عضو مجلس النواب، النار على حكومة مصطفى مدبولي، وأثار ملف الطبقات المهمشة، التي كتب عنها عميد الأدب العربي "طه حسين" في رواية "المعذبون في الأرض".
لقد غاب عن غالبية الفاعلين السياسيين في الدولة المصرية قضية الفلاح المصري، وفي ظل الأزمة العالمية الطاحنة، وشح موارد الغذاء وارتفاع الأسعار، تحدث النائب "البياضي" في الجلسة العامة لمجلس النواب، أثناء مناقشة منحة "الوكالة الأمريكية للتنمية الريفية"، وقال: "نشكر الوكالة الأمريكية، وبالتأكيد نوافق على أي مساعدة للفلاحين، وبصفة خاصة صغار المزارعين".
وأضاف "أن الفلاحين في مصر هم جيش مصر الأخضر، وكنت أتمنى أن أوجه الشكر للحكومة المصرية، لكن هذه الحكومة قهرت الفلاح وظلمته، وأخذت منه المحاصيل بأسعار بخسة، واستوردتها من الخارج بأضعاف، ولم تشعر بقيمة الفلاح إلا عند حدوث أزمة عالمية في الغذاء وعدم قدرة الحكومة وارتباكها في توفير السلع الغذائية".
وصرح واصفاً الحكومة المصرية بحكومة الفشل والأزمات، فلو اهتمت بالفلاح لكان هناك لدينا فائض، فالمواطن المصري يشعر بالقلق ويعاني من الأزمة، ومن حق مجلس النواب أن يستدعي رئيس الحكومة ليشرح لنا ماذا يحدث وماذا سيفعل للخروج من الأزمة التي تسببت فيها حكومته؟
واختتم حديثه قائلاً: "الفلاحون هم جيش مصر الأخضر وأن الحكومة الحالية هي حكومة الفشل والأزمات".
هذا اعتراف تحت قبة البرلمان المصري بفشل الحكومة في مواجهة الأزمة الحالية، فالغالبية العظمى من الشعب المصري يشعرون بالتقزم والعجز والانكسار أمام احتياجاتهم البسيطة التي لا يستطيعون توفيرها.
كلنا نعلم طبيعة المناطق الشعبية التي تزين خريطة كافة المدن المصرية من صعيدها إلى دلتاها ومن شرقها إلى غربها، وكلنا نعلم أين يعيش الملايين من الفلاحين المصريين الفقراء في بيوت مبنية من الطين والقش ويغطيها سعف النخيل خاصة في صعيد مصر، رغم أنهم أهم ركائز الاقتصاد المصري.
كل هؤلاء الفلاحين قد يراودهم التفكير والتساؤل: ماذا أنتج لنا النهج الاقتصادي الذي تتبعه الحكومة والتي تكسوه الرأسمالية الفاحشة غير الغلاء وصعوبة المعيشة؟ والذي لم يأتِ معه أي تحرك حقيقي في القيمة الحقيقية للنقود "القوة الشرائية للجنيه" التي أصبحت بعد التعويم لا قيمة لها، والتي تأتي غالباً في صورة مرتبات أو عائد أعمال لأغلبية هذا الشعب المسكين.
لذلك نتساءل أيضاً عن الفرص المتاحة لعشرات الملايين من أبناء طبقة الفلاحين من خريجي الجامعات، الذين لا يجدون فرصة عمل حقيقية، ولا حتى في مقهى أو محطة بنزين، فالغالبية العظمى من أبناء طبقة الفلاحين هم من المهاجرين غير الشرعيين إلى أوروبا.
الكثير من هذا الجيل انتشرت لديه ظاهرة "السرقة أو الإدمان أو التسول أو الوقوع في براثن التطرف والإرهاب أو الجنون والضياع".
فمن المستفيد الرئيسي من هذه التطورات والتغيرات الاقتصادية وثورة البناء والتشييد في مصر؟ فبالقطع المستفيد الوحيد منها الشركات العملاقة ورجال الأعمال والمستثمرون والبنوك والأجهزة الحكومية.
أما الملايين من المعدمين من الفلاحين أو محدودي الدخل فسيكونون سعداء الحظ في هذه الأيام إن لم يقترضوا لتلبية الحاجات الضرورية من أكل وسكن وملبس نتيجة الغلاء الفاحش والتنافس في رفع أسعار لاحتياجاتهم اليومية.
إن مستقبل الملايين من فلاحي مصر ومن فئات فقيرة، تغامر به الحكومة باتباعها نهجاً رأسمالياً يفرض علينا من الجهات المانحة أو أفراد تكنوقراط يشكلون الحكومة المصرية الموقرة والتي تصبو وتهرول إلى نهج اقتصادي وضع مستقبل الملايين من الفلاحين البسطاء بمصر على حافة الهاوية.
ليس هذا فقط؛ بل إن كل صور الحياة مهددةً بالفناء إذا ظللنا نتبع نهجاً يقوم على نظام رأسمالية منزوعة الإحساس بالبسطاء والفقراء، والذين أصبحوا وقوداً للإنتاج الغني الفاحش لأصحاب رأس المال، وغياب الطبقة العريضة من الفلاحين تحت خط الفقر.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.